
ثورة 26من سبتمبر تبقى الثورة الأم, والمناسبة الأجمل والأكثر تأثيرا في حياة اليمنيين فلقد أزاحت حكماٍ فردياٍ سلالياٍ منغلقاٍ ..إذ إن هذه المنظومة من الحكم لم يكن مجرد نظام سياسي فاسد فقط بل نظام صادر حق اليمنيين في العدالة والمساواة الإنسانية وهذا مادفع الثوار إلى إشعال الثورة والخلاص منه.. وتحقيق العدالة الاجتماعية بين كافة فئات و أطياف المجتمع..
فعل الثورة المستمر بناء وتنمية لازال فاعلا ..ولعل مخرجات الحوار الوطني التي أفرزت واقعاٍ جديداٍ اليوم على الصعيد السياسي لجهة شكل الدولة ..تأتي ضمن مسيرة نضال طويلة ..والصيغة الفيدرالية للدولة التي توافق عليها اليمنيون في مؤتمر الحوار هي المحطة التي سنتناولها هنا باعتبارها حلقة من حلقات النضال الوطني رحبت بها جميع الأطراف السياسية لأنها ستحقق الشراكة العادلة في السلطة والثروة والقضاء على مفاسد المركزية ونزوات الهيمنة والتوجه نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والأمن والانتعاش الاقتصادي ..
التوافق على إعلان اليمن دولة اتحادية كان الحدث الأبرز في منتصف العقد الثاني من الألفية الثانية والفكر الاتحادي أو الفيدرالي هو شكل من أشكال الحكم تتوزع فيه الحكومة دستورياٍ بين حكومة مركزية ووحدات حكومية تسمى ( أقاليم أو ولايات ) تعتمد كل منهما على الأخرى تحت إطار بلد موحد لا مقسم ..
ويعد هذا النظام حركة تقدمية تسعى إلى التوفيق بين اتجاهين مختلفين أو أكثر بحيث لا يؤدي هذا الاختلاف إلى تقسيم البلاد بل يعمل على الحفاظ على وحدتها وتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع أجزائها كما يعمل على إزالة الشعور بالظلم والإقصاء الذي تعاني منه مجموعة أو منطقة ما ولا يعني هذا التقسيم أن يقوم كل إقليم أو ولاية بصياغة قوانين جديدة تخالف الدستور التوافقي للبلاد أو تعطى الحق لانتهاك الشؤون السيادية داخل البلد الموحد .
مفاهيم خاطئة
قد يرى البعض أن فكرة الدولة الاتحادية لاتتسق وأهداف الثورة اليمنية وهذا سياق خاطئ لأن أهداف الثورة تتبلور في قضية التخلص من حكم الفرد والاستبداد وتوزيع الثروة بشكل عادل بين كافة أبناء الشعب ..
ومن هذا المنطلق تنبع فكرة الدولة الاتحادية التي تهدف إلى وضع خطة جديدة تسعى إلى تحسين وتنظيم وتنمية البلاد وأجزائها وتحسين تقديم الخدمات للناس والتخلص من حكم الفرد والمشاركة العادلة لكافة فئات وأطياف المجتمع في الحكم بما يضمن إعادة توزيع السلطات والموارد بين سكان تلك المناطق بالإضافة إلى إعادة الاعتبار للإقليم كجزء كامل وفاعل من الدولة الاتحادية وليس مجرد جزء تابع أو عالة على العاصمة المركزية ومنفذ لأوامر جهة بعينها .
التقسيم الفيدرالي
ووفقا للأدبيات السياسية فإن عملية التقسيم في الدولة الاتحادية أو الفيدرالية لا تتم بطريقة عشوائية ولا وفق منظور مناطقي أو طائفي أو حتى حزبي كما يظن البعض بل يعتمد هذا التقسيم على اعتبارات علمية مدروسة من أجل خلق أقاليم متوازنة حيث يهتم المختصون بهذا التقسيم بدراسة عدة عوامل كالمساحة وحجم السكان بالإضافة إلى النواحي الطبيعية والهيكل الاقتصادي والمكاني والهيكل الاجتماعي وعند تطبيق هذه الاعتبارات فإن المخططين يعطون أولوية لاعتبار الهيكل الاقتصادي والمكاني أيضاٍ عند قيامهم بتقسيم البلاد إلى أقاليم اتحادية في إطار اتحادي.
توزيع الثروات
وتقول أطروحات أساتذة الاقتصاد إنه كقاعدة أساسية في الأنظمة الفيدرالية فإن سلطات جمع وتحصيل الإيرادات في معظم الاتحادات الفيدرالية تحدد في دساتيرها كما تحدد سلطات تخصص الإيرادات الخاصة بكل واحد من مستويي الحكم حيث يكون تخصيص السلطات المالية في جميع الأنظمة الفيدرالية تقريباٍ وأغلبية مصادر الإيرادات الرئيسية من نصيب الحكومة الفيدرالية التي تعمل على توزيعها بصورة عادلة لكل إقليم حتى يتحقق مبدأ المساواة بين كافة أفراد المجتمع وفئاته وأطيافه لكي تتمكن الدولة من القيام بالدور المنوط بها في إعادة توزيع الموارد المالية واتخاذ السياسات العامة الهادفة إلى تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية.
لماذا الفيدرالية¿
ويرجع تبني الدول لفكرة الفيدرالية سعيا وراء الاستجابة للمستجدات والمتطلبات العصرية وإيجاد وسائل تخطيطية بديلة في حالة عدم رضا المجتمع عن الفكر السياسي السابق ويعمل هذا الفكر على خلق بيئة ديمقراطية مناسبة تساعد على إعادة تحسين تنظيم وتطوير البلد الاتحادي بأقاليمه وبمحلياته بحيث يعطي كل أفراد المجتمع ومناطقه صلاحيات أكثر تحقق الرضا في العيش تحت مظلة دولة موحدة وتخفف من شعورهم بالظلم في المناطق التي يعيشون فيها .
أساس الفيدرالية
وطبقا لرأي أساتذة القانون الدستوري فإن الأساس الذي يقوم عليه النظام الفيدرالي هو أساس دستوري أي إنه يتربع على أعلى الهرم القانوني للدولة فالحكام ونشاطهم والقواعد الناجمة عن هذه النشاطات تخضع لهذا القانون (الدستور ) ولا يمكن للحكام وما تلاهم من الهرم الوظيفي أن يخرقوه وليس للدولة الفيدرالية صلاحيات سن القوانين وتعديلها كما في النظم الدكتاتورية الفردية والشمولية وبالأحرى تعديل الدستور أيضاٍ الدستور الذي يسن عن طريق سلطة مؤسسة لوضع مشروع الدستور (( مسودته )) وبعد الانتهاء من صياغته يطرح للاستفتاء الشعبي ومن ثم يتم التصديق عليه من قبل الجهات المختصة لأن الشعب هو الذي يسبغ عليه الشرعية
والأمثلة كثيرة على ديمومة النظام الفيدرالي ونجاحه والتعايش السلمي والحر بين الأقاليم كما هو حاصل في الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وسويسرا وكندا والهند وأستراليا والمكسيك0
مميزات
ومن مميزات الفيدرالية حسب رأي أساتذة العلوم السياسية أنها تعيق الانفراد بالسلطة والاستئثار بها من قبل شخص أو جهة بعينها وذلك بتحقيق مبدأ اللامركزية التي تعد إحدى وسائل المشاركة السياسية في الحكم كما تزيد من فرص المشاركة السياسية والإدارية في المجتمع بالإضافة إلى أنها ترفع الروح المعنوية والوعي لدى سكان الأقاليم بأهميتهم في المشاريع التنموية والمحلية وتحملهم مسؤولية مواجهة المشاكل المحلية التي تعترضهم والعمل على حلها بشكل جماعي كون الأمر يمسهم شخصياٍ وهذا ما يجعل هذا الفكر مقبولاٍ لدى غالبية شعوب العالم وفرصة يسعون من خلالها للتنافس البناء للنهوض بمستوى مجتمعاتهم اقتصادياٍ وفكرياٍ .