كان اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض اختبارًا حقيقيًا لجوهر التحالفات الدولية، وبخاصة تلك التي تربط الولايات المتحدة بحلفائها، لم يكن هذا اللقاء مجرد اجتماع دبلوماسي، بل كان مشهدًا صارخًا يعكس كيف أن الدعم الأمريكي ليس دائمًا مرتبطًا بالولاء أو الشراكة، بل بالمصالح المتغيرة التي تتقلب بحسب ما تقتضيه المواقف.. وفي هذا السياق، من الضروري أن يتأمل الحكام العرب في هذه التجربة التي يمكن أن تكون بمثابة درس قاسٍ في كيفية بناء التحالفات وتقييم السيادة.
خلال اللقاء، فرض ترامب على زيلينسكي معادلة قاسية “إمّا أن تُوقع أوكرانيا اتفاقًا مع الولايات المتحدة حول المعادن النادرة، أو أن واشنطن ستنسحب من دعمها العسكري والمالي لكييف”، هذا العرض لم يكن إلا تجسيدًا لعلاقة غير متوازنة حيث يُشترط على الأوكرانيين تقديم تنازلات من أجل الحفاظ على الدعم الأمريكي، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استمر ترامب في توبيخ زيلينسكي أمام الصحافة قائلاً إن “من قلة الاحترام أن يأتي إلى البيت الأبيض ويجادل”، داعيًا إياه إلى شكر الولايات المتحدة على دعمها في مواجهة روسيا.
وفي ما يشبه التهديد المباشر، قال ترامب لزيلينسكي إن “بلادك في ورطة، وأنت لا تنتصر في الحرب، وما تقوم به يظهر قلة احترام للولايات المتحدة”، هذا التحذير لم يكن مجرد كلام فارغ، بل كان رسالة واضحة أن أوكرانيا، رغم حيازتها على دعم أمريكي غير قليل، ليست في موقع قوة يمكنها من فرض شروطها أو فرض أي نوع من المساومة مع واشنطن، وفي النهاية، أكد ترامب أن أوكرانيا لا تملك أوراقًا للضغط على الولايات المتحدة، وأن استمرار الدعم الأمريكي ليس أمرًا مسلمًا به، بل مرتبط بمصالح واشنطن المباشرة.
هنا، تبرز العبرة الكبرى للعرب، ما حدث بين ترامب وزيلينسكي يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار للقادة العرب، الذين يراهنون على تحالفات غير متوازنة مع القوى الكبرى، هذه التحالفات، على الرغم من أنها قد تحمل وعودًا بالدعم العسكري والاقتصادي، إلا أنها غالبًا ما تكون مشروطة بتنازلات سياسية وتبعية قد تضر بسيادة هذه الدول على المدى الطويل، فالدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للدول الحليفة ليس بلا ثمن، بل يتم استخدامه كأداة للابتزاز السياسي، حيث يُطلب من الحلفاء التنازل عن مصالحهم الوطنية مقابل الحفاظ على الدعم العسكري والمالي.
إن تجربة أوكرانيا تعلمنا درسًا لا يجب تجاهله وهو: أن التحالفات مع القوى الكبرى لا يمكن أن تكون بديلاً لبناء قوة ذاتية قوية، فالدول التي تعتمد بشكل كامل على دعم القوى الكبرى تجد نفسها في النهاية أمام خيارات محدودة، حيث تفرض عليها تلك القوى شروطًا قد تكون مجحفة أو تتغير بحسب مصالحها في لحظة معينة، بدلاً من الاستمرار في الاعتماد على دعم خارجي غير مضمون، يجب على الحكام العرب أن يركزوا على بناء تحالفات إقليمية قوية ومستقلة تحفظ سيادتهم وتتيح لهم المجال للتعامل مع قضاياهم بحرية.
من هنا، يصبح واضحًا أن الحكام العرب بحاجة إلى استيعاب درس أوكرانيا والتخلي عن الاعتماد المطلق على التحالفات الدولية التي يمكن أن تتحول في أي لحظة إلى أداة للابتزاز.. بدلاً من ذلك، يجب على الدول العربية السعي لتطوير تحالفات إقليمية مع الدول الإسلامية والعربية التي تشترك في المصالح وتضمن لها الاستقلالية في اتخاذ القرارات، فإذا كان بإمكان الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة تغيير مواقفها وفقًا لمصالحها، فإن القوة الحقيقية تكمن في الاعتماد على الذات وتعزيز التعاون الإقليمي بعيدًا عن الضغوط الخارجية.
في الختام، يمكن القول إن أمريكا قد أصبحت “عجوزًا متعبة”، لم تعد قادرة على تقديم الدعم بدون مقابل.. تحالفاتها اليوم قائمة على الابتزاز والاستغلال، مما يجعلها شريكًا غير موثوق به، وعلى الحكام العرب يجب أن يدركوا أن السيادة الحقيقية لا تأتي من الاعتماد على التحالفات غير المتوازنة، بل من بناء قوة ذاتية والتعاون مع دول تشاركهم المصالح وتقدّر استقلالهم، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستستوعب الدول العربية هذا الدرس قبل فوات الأوان، أم ستواصل السير في نفس الطريق المظلم الذي قد يؤدي بها إلى مصير مشابه لذلك الذي يواجهه زيلينسكي اليوم؟