النخب اليمنية .. محنة اجترار المصالح الذاتية!


* د.المطري: النخب الأكاديمية والفكرية هي الأقل تأثيرا

* د.الو شلي: غياب دور النخب..استدعى مشهد الشارع الذي استبق الجميع في المطالبة بالتغيير

* المحامي الربيعي: مخرجات الحوار .. صاغتها رؤى النخب وجنبت البلد ويلات الحرب

الناشطة أمل الماخذي: نخبنا مثقفة لكنها غير واعية لدورها

“اللحظة المفصلية التي يمر بها اليمن تستدعي أعلى منسوب من التماسك بين جميع النخب اليمنية الفاعلة التي يتعين عليها الإدراك أن أي مسعى لافتعال أزمات جديدة تعاكس خط الإصلاح والاستقرار سيكون مرفوضا من المجتمعين الإقليمي والدولي اللذين تقتضي مصلحتهما وجود يمن مستقر ومعافى من الفوضى والعنف والانفلات الأمني والسياسي وكل عوامل الاضطراب التي قد تحوله إلى دولة فاشلة تتقاذفها قوى الإرهاب”.
ومن هذا البعد الجيوسياسي ينبغي على هذه النخب إعادة تقييم دورها في هذا التوقيت لاستيعاب دورها ومعرفة أن أية محاولة لتعويق التسوية السياسية وإفشال مؤتمر الحوار ستكون مرفوضة إقليميا ودوليا.
في هذا الاتجاه نناقش دور النخب اليمنية سياسية وأكاديمية وثقافية في ظل ضبابية المشهد اليمني الذي اتجه مؤخرا إلى نوع غير حميد من الاصطفافات الفئوية والقبلية والإيديولوجية التي باتت مهددات واضحة للتسوية السياسية الفريدة التي توجت بوثيقة مخرجات الحوار الوطني.. إلى التفاصيل :
w

يؤصل أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء الدكتور محمد المطري لمفهوم النخبة بالقول : النخبة معناها مشتق في الغالب من الانتخاب بمعنى الانتقاء ولذلك يتصل المسمى من ناحية أخرى بمسمى آخر هو الصفوة.. فإذا كان المقصود بالنخبة صفوة الفئات فبحسب الدكتور المطري فإن النخبة الفكرية والعلمية هي اقل من غيرها تأثيرا في مجريات الأمور لأن تأثيرها مرتبط بمكانتها في الأمة التي تنتمي إليها وبما أن مكانتها في المجتمع اليمني تأتي بعد السياسية والاجتماعية فيمكن القول أن ذلك مصدر سلبية تأثيرها في الإسهام الفاعل في ترميم تشظيات المشهد اليمني.. إضافة إلى أنها في الأصل متقوقعة على نفسها كما هو الحال بالنسبة للأكاديميين والمثقفين”.
وذهب الدكتور المطري إلى أن غالبية أفرادها ينتمون إلى أحزاب وجماعات وبالتالي فإن رؤيتهم وأنشطتهم خاضعة لمصالح وأفكار تلك الأحزاب والجماعات كما هو الحال بالنسبة لمن ينتمون إلى المؤتمر والإصلاح والاشتراكي وأنصار الله (الحوثيين) كما أن المستقلين منهم لا يحظون بفرصة المشاركة في تحقيق تلك المهام الوطنية كالمصالحة الوطنية – مثلا – أو المساهمة في تجاوز أزماتها رغم أن هذه الفئة هي أكثر الفئات التي يمكنها المساهمة في تحقيق تلك الأهداف كون رؤيتها ونشاطها مرتبطاٍ بتحقيق مصالح الأمة وتخلو من أهداف شخصية أو فردية..
ويضيف : يمكن القول أن النخبة العلمية الفكرية ليس لها أي دور ايجابي فيما جرى ويجري من أحداث والملموس فقط تأثيرها السلبي المقترن بالأحزاب والجماعات أما ما يسمى النخبة السياسية فهي إما مرهونة بمصالحها الشخصية والحزبية أو مهمشة من قبل المسيطرين على مقاليد الأمور خلال هذه المرحلة وبالتالي فإن دورها يتسم بالسلبية أيضا..
وبالمقابل يرى أن النخبة الاجتماعية ليس لها وجود فعلي لأن أفرادها ينتمون إلى مختلف النخب المذكورة وعليه يمكن القول انه لم يكن للنخب الوطنية الفعلية أي تأثير على مجريات الأمور سواء في عملية الحوار أو ما سبق هذه العملية من أحداث ومتغيرات وإضرابات.
أما ما يتعلق بأن الجماهير العريضة هي صاحبة المبادرة في إستباق النخب والنزول إلى الشاعرع بهدف إحداث تغيير وتوجيه الأحداث نحو مسارات بعينها في ظل غياب تأثير تلك النخب فيقول الدكتور المطري أن هذا قول غير دقيق قبل أن يجهض ويمسخ من قبل الحزبيين الذين ركبوا موجته وانتزعوا من الشارع قيادة الأمور ووجهوها نحو غايات جماعاتهم وأحزابهم ..
لكنه يؤكد أن الفعل الوحيد الذي يمكن أن يصنف على انه تحرك شعبي يتمثل فيما قام به الشباب المستقلون من تحرك في عام 2011م ومن ثم فليس صحيح أن أبناء الشعب غير الحزبيين هم القوة الفاعلة والمؤثرة فيما يجري وبالتالي فإن التحرك الملموس والعملي مرهون أيضا بالأحزاب والجماعات المنظمة وليس بعامة أبناء الشعب.
ويؤيد الدكتور المطري الاتجاه الذي يرى أن كلا من النخب وأبناء الشعب غير الحزبيين ليس لهم أي تأثير عملي ملموس وهذا أهم عامل سلبي يحول دون حدوث تغيير حقيقي ايجابي يحقق الأهداف والغايات التي ينشدها أغلبية أبناء الوطن من سيادة القانون والعدل والمساواة وسيادة الاستقرار السياسي المقترن بثبات آلية حقيقية لتداول سلطة الحكم بما يسمح بتحقيق تنمية وتطور حقيقيين لا نكون فيهما رهناٍ لأي قوى خارجية.
لم تقم بواجبها
من جانبه يبين الدكتور عبد الوهاب الو شلي – مدير مركز الدراسات القانونية والتحكيم :
أن للنخب السياسية والأكاديمية والدينية والاجتماعية في كل المجتمعات دوراٍ كبيراٍ في التأثير على الرأي العام أولا ثم على القيادات في الدولة من حيث تقويمها نحو تحسين أدائها عند الانحراف إلا أننا في اليمن عشنا فترة اخْتزلت في السلطة التنفيذية كما اختزلت السلطة التنفيذية في المركز ولم يكن هناك أي دور للسلطة القضائية وسلطة البرلمان.
وقال: جميع النخب سياسية وأكاديمية واجتماعية تهافتت نحو مصلحتها الشخصية وقدمت ولاءها لنخب الحكم من اجل الحصول على منصب ولم تقم بواجبها الديني والقيمي الإنساني والوطني في تقديم النصح الصادق خوفا من غضبها عليهم حتى وصل الأمر الى تدهور أوضاع الدولة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا حتى ثورة فبراير 2011م.
وأضاف الوشلي :استمرت هذه الثقافة الخاطئة بعد ثورة 11 فبراير التي توجت بالمبادرة الخليجية في ظل غياب دور مؤسسات نخبوية فاعلة أثرت السكوت ومناهضة الفساد وهذا في تصوري استدعى مشهد الشارع من جديد للتعبير عن معاناته بسبب غياب وتغييب النخب عن المشاركة الايجابية في تحقيق مصالح الناس.
الحكمة
بنظرة فيها قدر عال من التفاؤل يرى المحامي أمين الربيعي – المدير التنفيذي لمنظمة سواسية للتنمية والعدالة أن النخب السياسية اليمنية قامت بعمل المصالحة الوطنية وإنجاح مؤتمر الحوار الوطني ويتضح جلياٍ الجهد الذي قامت به هذه النخب عندما نقارن ذلك بما حدث في بلدان الربيع العربي واعتبار اليمن إحداها إذ انه بفعل النخب السياسية تم تجنيب اليمن الحرب وتم تحقيق المطالب بحل توافقي ظهرت فيه الحكمة اليمانية واضحة جلية.
وحول الدور المطلوب من النخب اليوم يقول الربيعي : الدور الايجابي موجود كقوة دافعة الى جانب دور الجماهير في الساحات وتقديم حلول للاحتجاجات بما يؤدي إلى عدم هيمنة طرف أو فصيل على المشهد السياسي اليمني منفردا وهو ما نلاحظه من تحالفات معلنة وغير معلنة.
وينظر المحامي الربيعي إلى دور الشارع في المشهد منذ 2011نظرة ايجابية ويقول موضحا: الشعب اليمني تعود على فكرة الخروج للشارع للمطالبة بحقوقه وهذا يشكل وعياٍ جمعياٍ يساهم في ثقافة اللاعنف للوصول إلى حقوقه.

نخب غير واعية
أمل الماخذي المدير التنفيذي للمركز اليمني لحقوق الإنسان تقول : ” كلمة نخب عندما نسمعها نعتقد ان المسألة تتعلق بأولئك المثقفين والصحفيين والشعراء وأساتذة الجامعة لكن عندما نلاحظ أي صراعات ونزاعات تكون هذه النخب مْصطفة مع أحد الأطراف تحرض وتنتقد الطرف الآخر بكل ما أوتيت من قوة “.
وتنتقد الماخذي وجود نخب سلبية ليس فقط فيما يتعلق بدورها في المصالحة الوطنية بل لدورها في تأجيج الصراع وتقول : “هناك فرق كبير بين الثقافة والوعي .. نخبنا مثقفة لكنها غير واعية.
ثقة الناس
ومن خلال متابعته لدور النخب الاجتماعية والسياسية في المرحلة الحالية يقول نشوان السْميري – خبير إعلامي ومدرب : ” نلاحظ أن هذه النخب استطاعت بعد مخاض طويل وبعد موجة من الصراع الوصول إلى اتفاق عرفناه بعنوان المبادرة الخليجية وهنا يسجل التاريخ نجاحا ظرفيا جنب البلاد موجة مدمرة أخرى من العنف وإقصاء الآخر وكان المظهر الأكثر بهاء لهذه النخب هو اجتماع “الأخوة الفرقاء” تحت قبة واحدة موضوعها الحوار الوطني”.
ويضيف السْميري : ومع تنامي الصراع بسبل شتى –حتى المسلح منه- واختفاء الحوار رأينا بعض هذه النخب تقف في موقف المتفرج وبعضها انحاز سريعا إلى أحقاده وأضغانه ولونه السياسي أملا في القضاء على خصومه التقليديين أو المفترضين وهذا من أعجب ما يمكن ملاحظته فلم يعد الهم الحقوقي والإنساني الذي ناضلت من أجله بعض هذه النخب لفترة من الزمن يشكل الأولوية في الرؤية والمبدأ لديهم..فيما شكل فريق اخر من النخب مجموعة تتلمس مصلحتها لدى هذا الطرف أو ذاك حسب المنفعة وتوقعات الربح والخسارة فأصبحت “حرباء” بامتياز.
ومضى يقول: ” رغم كل ذلك مازلنا نأمل من هذه النخب الخير وأن تشكل حلقات الوصل المفاوضة بين المتقاطعين قد لا يكون تأثيرها قويا غير أنها تصلح لتشكل الوسطية في رؤية الصراع وطبيعته في مرحلة ما وقبل أن يتحول إلى مظاهر عنف واقتتال ندفع فيه كمواطنين ثمن فشل كل النخب في القيام بدور مركزي لمنع الانجرار المريع إلى مربع الاقتتال الذي لن يخدم سوى أمراء الحروب وتجاره ووكلاء المصارعين الإقليميين في اليمن ولا عزاء بعدها لأحد”.
ويخلص السْميري إلى القول:” في الحقيقة لم تعد النخب موضوع ثقة لدى عامة الناس فقد تمادت هذه النخب في الفساد والسلبية واللامبالاة بشأن الناس لصالح أجندات خاصة ولذا فإن تصدر الموطن العادي للمشهد السياسي هو تطور ملموس على صعيد السعي والمحاولة لتفعيل القدرة على الفعل الذي لمسه الناس في أحداث ما سمي بالربيع العربي.
وبالتالي فإن إثبات الوجود وتغيير الواقع السياسي في البلاد والضغط لجعل المواطن ومصالحه ومستقبل أجياله هو المركز في تفكير هذه النخب لا في مصالحها وحسب..هو الفعل المركزي في معادلة النخب..ولابد من الاشتغال عليه”.

قد يعجبك ايضا