والكيان الصهيوني مستمر في جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين في الأرض المحتلة، 170 دولة تنتصر للشعب الفلسطيني وتؤكد حقه في تقرير مصيره، ما يشير على الأقل في ظاهر الإجراء، إلى الرفض الدولي الواسع للاحتلال، فضلا عن رفض الممارسات الهمجية العبثية للاحتلال الإسرائيلي، التي ترمي لإخضاع أصحاب الأرض للقبول به والتعايش معه كأمر واقع.
تفيد التفاصيل بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة – وفي لجنتها المختصة بحقوق الإنسان والشؤون الإنسانية – اعتمدت قراراً أيدته (170) دولة، يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرض دولته، وحقه في الاستقلال والحرية والانعتاق من الاحتلال الإسرائيلي دون أي تأخير، باعتباره حقاً غير قابل للتصرف، ولا يخضع لأي شروط أو تحفُّظ وغير قابل للمساومة والتفاوض.
ورغم النسبة الضئيلة من الدفعة المعنوية الإيجابية التي يمنحها القرار إلا أنه للأسف لا يعني شيئا وإنما يُضاف فقط إلى سلسلة القرارات التي تؤكد على هذا الحق لكنها تبقى حبيسة الحجرة التي شهدت التداول والإقرار.
سيقول قائل إن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليس لها سلطة إلزامية، مع ذلك فإنه حتى إذا اتجهنا إلى حجرة مجلس الأمن سنجد الكثير من القرارات التي صدرت منه تقضي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، لكنها أيضاً ظلت حبيسة جدران التداول والنقاش.
ليس ذلك وحسب بل أن قرارات هيئات أخرى جاءت على نفس السياق، إنما لا أكثر من جمع التوقيعات، إذ ظلت حبراً على ورق، فقرار الجمعية العامة – على سبيل المثال – يؤكد على ما جاءت به محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري حول عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي والمطالبة بإنهائه دون أي تأجيل، لما يشكله كعقبة أمام قدرة الشعب الفلسطيني على ممارسة حقه في تقرير المصير واستقلال دولته، مع ذلك لم نرَ بموازاة هذا الإقرار فعلا على الواقع يترجم هذه القتاعات، وكأن مثل هذه التوافقات الدولية لا أثر لها طالما والقرارات لا تنسجم مع إرادة ورغبات أمريكا المارقة.
معارضة أمريكا المتطرفة للقرار – وبِحِدة أعلى من الكيان الصهيوني نفسه – تؤكد أن الفكرة إجمالا من الاحتلال إلى الزحف بالاستيطان إلى دورية ممارسة العنف ضد الشعب الفلسطيني البريء صاحب الأرض والتاريخ ومصادرة حقه الإنساني بالعيش الكريم، في تلك الجغرافيا، إنما تتبع أمريكا المحكومة بطبيعة الحال بإرادة الحكام الصهاينة المتوارين خلف الستار، مع ذلك ستظل الإرادة الدولية بحاجة لتحرك عملي ينتصر للقيم الإنسانية، وإنهاء حالة الهيمنة الأمريكية التي تسير في اتجاه واحد يتجاهل الإجماع الدولي ويفرض إرادته.
(170) دولة، ألا تستطيع على الأقل أن تلزم الكيان الصهيوني بالسماح لوصول الماء والغذاء والأدوية إلى المحاصرين شمال غزة وكل القطاع؟، ألا تستطيع معارضة ومنع قرار الاحتلال بوقف عمل (الأونروا)، وهي المنظمة الوحيدة التي لا يزال بمقدورها – على الأقل – المحافظة على بعض ملامح الحياة الطبيعية للشعب الفلسطيني؟
إذا كان العجز أمرا واقعا وهو سيّد الموقف فإنه إنما سيعني أن المخطط يشتمل مثل هذه المحطات التخديرية للأمة، ويعزز هذا الاستنتاج استخفاف الكيان الصهيوني بهذا القرار واستمراره في قتل الفلسطينيين ومنع الغذاء عنهم دون أن يكون لهذه الدول أي تحرك، أو حتى تصريحات إدانة مواكبة لمستجدات مشهد الإبادة.
منذ عام والتنكيل الذي يمارسه العدو الصهيوني بحق الفلسطينيين يتواصل وليس بحاجة للنقاش، مشهد كاف لأن يكون خلفية شرعية تستند عليه أي قرارات تُجبر العدو على الإذعان للمجتمع الدولي ومغادرة نطاق الوهم الذي يصور له أنه بمقدوره التوسع وتحقيق شكل الدولة المرسوم من قبل المجلس الصهيوني، عدا ذلك ستبقى مثل هذه المواقف وهذه القرارات مجرد تجديف في نهر.
ولتأكيد مصداقية الموقف، حتى مع العجز في التحرك، فعلى الأقل لن يكون صعبا على هذا المجتمع الدولي الإنصاف، حين يرى دولا حرّة في المنطقة أخذت على عاتقها مهمة تحرير الفلسطينيين من هذا الاحتلال وإنهاء مأساته من البطش الإسرائيلي الأمريكي، وإذا كانت فعلا تقف إلى جانب الحق الفلسطيني فعليها دعم هذه المقاومة وتأكيد سلامة موقفها.