بعد أول “كامب ديفيد” جاء مستشار الأمن القومي الأمريكي إلى المنطقة، وكان بين أهم من التقاهم ملك السعودية “فهد” ورئيس مصر “السادات”، وأقنعهما ودفعهما إلى تبني وتمويل الجهاد الإسلامي في أفغانستان..
وحين عبرا عن مخاوف ورد الفعل ربطاً بفلسطين، قال لهما قضية الشرق الأوسط محلولة أمريكياً وتلتزم بها أمريكا، وذلك جاء لاحقاً فيما عرف بمؤتمر مدريد وصولاً لاتفاق “أوسلو”..
اسم المستشار الأمريكي كما أتذكر “بريجنسكي”، وهو قدم مقترح أو فكرة الإلحاد للاستعمال الإعلامي، حيث كانوا يقولون إن الأولوية للإسلام مواجهة الإلحاد قبل فلسطين وأهل الكتاب..
الذين قادوا ومولوا جهاد أفغانستان باعوا دينهم وعروبتهم وبات مسارهم أمركة وصهينة، لأن فلسطين هي الأولى بالجهاد إسلامياً وعربياً، والدليل هو أن أحداً من الذين قادوا ومولوا ذلك الجهاد الأمريكي لا يستطيع مجرد القول إن ذلك الجهاد ليس له أي علاقة بالإسلام والعروبة، وهو ليس أكثر من جهاد أمريكي وصهيوني بتفعيل الأسلمة كعنوان والتضليل ليس فقط على الشعوب ولكن على العامة الذين دفع بهم إلى هذه الحرب كمسلمين ومجاهدين، وبالتالي فثنائية القيادة والتمويل هي المقوادة وهي الأمركة والصهينة مسلمة أولاً، ثم كمعطى ونتيجة بعد نصف قرن تقريباً من هذه الحرب..
الذين فرضوا حرب أفغانستان كقيادات وتمويل هم الذين يقولون إن فلسطين هي مشروع إيراني، وباستقراء ذلك واقعياً وتاريخياً فمرجعية هؤلاء فيما يقولونه اليوم هي الأمركة والصهينة وهي ذاتها مرجعيتهم فيما عرف بجهاد أفغانستان..
الاتحاد السوفييتي كان الإلحاد بالتوصيف الأمريكي، والشيعية وفلسطين هي الإلحاد بالتوصيف الأمريكي أيضاً، وعندما يقولون إن فلسطين هي مشروع إيراني فتلك دعوة لإبادة الشعب الفلسطيني وإغلاق قضية اسمها فلسطين..
ومع هذا لا يريدون حتى مجرد الإشارة إلى أمركتهم وصهينتهم مع أن هذه الحقيقة يقدمها تاريخهم وهي ما يتجسد في أفعالهم وسلوكهم، ومجرد طرح أن فلسطين هي مشروع إيراني لا يثبت إلا أمركتهم وصهينتهم معاً..
مثلما يطرح السؤال تاريخياً عن جهاد أفغانستان ويجيب التاريخ أنه كان جهاد أمريكياً بالمسلمين وباسم الإسلام، فهل لهؤلاء أن يجيبوا تاريخياً عن المشروع العربي القومي للزعيم عبدالناصر وللجزائر وليبيا واليمن، فإذا كان مشروعهم لعقود كان “فلسطين” فأيرنته كعنوان هو في إطار الاستعمال الأمريكي الصهيوني لأدواتهم ولعملائهم كأنظمة أو تيارات وقيادات..
إنها النقلة من مواجهة الالحاد الشيوعي إلى مواجهة مع بديل الشيعة، فتحل الشيعة كبديل للشيوعية فيما تظل الصهينة والأمركة تحت منع وقمع على أنهم “أهل كتاب”، فهل يستطيعون إدراج الشيعة تحت حماية ومحمية “أهل كتابهم” وكتابهم القرآن الكريم ونبيهم خاتم الأنبياء والمرسلين..
الأمركة والصهينة وأمركتهم وصهينتهم المتراكمة تمنعهم من ذلك، وبالتالي فدينهم وكتابهم ونبيهم بات هو الأمركة والصهينة وإن ظلوا بالتأكيد يحتاجون إلى تخريجات تحافظ على إسلامية أو عروبية كعنوان وغطاء لا يستطيعون أدواراً تناط بهم إلا من خلال ذلك، أليس هؤلاء هم أهل النفاق أو الأشد كفراً ونفاقاً؟..
هؤلاء وصلوا إلى وضع يبعث على الإشفاق لأنهم لا يتحدثون عن المشروع الأمريكي الصهيوني ويحاربون فلسطين لأنها مشروع إيراني..
الجهاد يكون في أفغانستان والجزائر وسوريا وبلدان أخرى لكنه في فلسطين حرام أو محرم، فماذا عن هذا إن لم يكن صهينة؟..
حين التحرج من تاريخهم المؤمرك المصهين يتحدثون عن أمريكا على أنها المجتمع، وهكذا يعيشون جرائم التاريخ ومراكمة الإجرام في واقع الحياة وواقع الشعوب، ومع ذلك يريدون تبني خطاب الفضيلة في ظل وفرة وكثرة الفضائيات بموازاة وفرة وكثرة الخونة والعملاء، وكأن الرذيلة تقول عن نفسها إنها الفضيلة..
هؤلاء بالمناسبة ليست مشكلتهم أنهم لا يعون ولا يفهمون ولكن مشكلتهم أنهم ينفذون أوامر وتعليمات الصهينة والأمركة، حين تقول لهم عدوكم الشيوعية أو الشيعية وحين يقال لهم فلسطين مشروع إيراني، ودائماً يحتاجون وسيظلون لعناوين غطاء وتغطية فيحتاجون لظهور مع فلسطين كواجهة وحاجية شيعية وهم في السلوك والأفعال والتفعيل في واحدية الأمركة والصهينة وضد فلسطين بل وضد العروبة والإسلام، ومن لم يعرف فإنه حتماً سيعرف لأنه حين تلاقي التاريخ بمتراكمه والواقع بوقائعه في الإدانة فسيعي من لا يعي ويفهم من لا يفكر، ومن التكرار قد يعي ويفهم حتى الحمار!!.