لم يكن السابع من أكتوبر المجيد 2023م يوماً عابرا أو مصادفة أفرزتها المرحلة الراهنة، بل نتيجة حتمية لتراكمات تاريخ طويل من الصراع والاشتباك مع المشروع الصهيوني في المنطقة، وعلى مدى أكثر من 70 عاماً من الاحتلال والقتل والتشريد والتهجير لأبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني..
مراحل وأزمنة مرت في تاريخ الأمة النضالي والجهادي .. بدأت المرحلة الأولى من الصراع بجمع شتات يهود العالم تحت شعار صهيوني نسجته المؤامرة اليهودية البريطانية تحت مسمى عقائدي من وحي خيالاتهم الكاذبة بما مفاده “إن الرب أمر بحياة أبدية هناك في فلسطين في جبل صهيون”..
فيما نحن أمرنا بشد الرحال إلى ثلاثة مساجد منها المسجد الأقصى، في إشارة للتنبه وعدم الغفلة أو التفريط.. وبرعاية مشؤومة من دولة بريطانيا العظمى التي حكمت العالم -آنذاك-، جرى التحضير لتلك المؤامرة بدعم الصندوق اليهودي في أسوأ سيناريو شهدته البشرية..
حدث ذلك في ذروة ضعف الأمة وتقاسم دول الغرب الاستعمارية لتركة الرجل المريض وبالتحديد أواخر أيام الاحتلال العثماني للأراضي العربية، ومن ثم تمكنت بريطانيا من فرض سيطرتها على عدد من دول ومناطق العالم ومنها أرض فلسطين وأجزاء من بعض الأقطار العربية والإسلامية، وبينما كانت بريطانيا تجر أذيال خيباتها وتلملم ما تبقى من أطماعها ووجودها تحت ضربات مقاومة الشعوب الحرة رفضاً لوجودها الاستعماري الناهب لثروات ومقدرات الشعوب ..
حينها أدرك الاستعمار الغربي أهمية الحفاظ على بقاء نفوذه ووجوده في المنطقة وفقاً لترتيبات مخططهم الجديد، وبما يضمن استمرار بقاء الهيمنة والسيطرة على مقدرات تلك الشعوب.. وظلت المنطقة العربية محط أطماعهم ومرتكز مخططاتهم التي فرضوا عليها نظرية المؤامرة التي تستهدف الأرض والإنسان والمقدسات… بدءاً باتفاقيات تقسيم الأرض العربية إلى دول، ومن ثم وضع حدود مصطنعة لتعميق الفرقة بين أبناء الأمة الإسلامية، حيث تم إعداد المخططات التي من شأنها إيجاد عداء مفتعل بين ما هو قومي عربي وما هو إسلامي، وتطور الأمر إلى إيجاد صراع عربي عربي وشمال وجنوب وشرق وغرب، مروراً بتقسيم المجتمع المتجانس إلى أحزاب وجماعات متصارعة عمدوا لتفريخ تلك الأحزاب والجماعات والفئات انطلاقا من شعار ” فرق تسد” ودعم ما بسمى بجماعة الإسلام السياسي وجماعات التطرف تحت مسميات القاعدة وداعش وغيرها من التيارات المغلفة بطابع عقائدي، وقد انساق البعض وراء تلك المخططات بوعي أو بدون وعي، لتبدأ الأمة معاناتها في مواجهة تأجيج الغرب للصراعات والحروب بين الأخوة تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان.
وكان الهدف من تلك الصراعات هو حرف بوصلة الصراع بين كل ما هو إسلامي ومعاد للإسلام والمسلمين من جهة، ومن جهة أخرى تمكين الحكام والأنظمة العميلة من السيطرة على أنظمة الحكم في الدول التي تمتلك مخزوناً كبيراً من الثروات النفطية مثل دول الخليج.
وقد تولت الأنظمة العميلة مهمة إشعال الحروب وتغذية الصراعات بين أبناء ومكونات الأمة الواحدة، والهدف الرئيس كما أشرنا، هو صرف أنظار أبناء الأمة عن قضيتهم المركزية فلسطين والأقصى الشريف كقضية وهوية جامعة لأبناء الأمة العربية والإسلامية…
بينما تمحورت المرحلة الثانية من المخطط التآمري في تأمين الكيان ظهر الكيان الصهيوني وتعزيز وجوده لضمان بقائه.. بما في ذلك تسليم أرض فلسطين كوطن قومي لليهود الصهاينة بديلاً عن شتات العالم واسترضاء لليهود الصهاينة بعد تعرضهم لمحرقة الهولوكوست في ألمانيا وان الغرب لن يجد مظلومية أشد حقدا على من حولها من هذه الشرذمة الحقيرة..
وبعد أن ضمنوا ولاء الأنظمة العربية والإسلامية العميلة التي زرعت في جسد الأمة العربية والإسلامية لتؤدي الدور المتخاذل إزاء نصرة القضية الفلسطينية وضمان أمن كيان العدو الإسرائيلي المحتل..
وانطلقت العصابات الصهيونية بدعم غربي أمريكي بريطاني وبعض الأنظمة العربية، وبكل ما أوتيت من قوة للبطش بالشعب الفلسطيني الأعزل، وارتكاب المجازر والجرائم وحرب الإبادة الجماعية وعلى مرأى ومسمع من العالم والمجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة، والذي جرى تدجينه وتطويعه لحماية قوى الهيمنة والاستكبار العالمي بقيادة أمريكا وبريطانيا واللوبي الصهيوني.
لم يكتف العالم المنافق بالصمت إزاء تهجير أبناء الشعب الفلسطيني والتوسع في بناء المزيد من المستوطنات، بل تجاوز ذلك إلى الأبعاد الحقيقية لمعركة طوفان الأقصى وهي مؤامرة هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم، وهذا لن يتأتى لهم إلا من خلال تحقيق حلم تحقيق إقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ..
وتمثلت أخطر المراحل والمنعطفات في الخيانة التي كانت تتعرض لها المقاومة الفلسطينية، ولكن المقاومة استطاعت أن تتجاوز كل المؤامرات والخذلان، لتنتقل من انتفاضة الحجارة إلى تشكيل المقاومة المسلحة وأبرزها كتائب القسام وحماس والجهاد وغيرها من حركات النضال والتحرر العربي كحركة أمل وحزب البعث العربي الاشتراكي وصولا لتشكيل محور المقاومة الإسلامية.
وبذلك يكون محور المقاومة قد أثبت وهم تلك الأباطيل والأكاذيب التي طالما روجت لها الدوائر الغربية والصهيونية من محاولاتها تعميق العداء المفتعل بين العروبة والإسلام من جهة وبين المذاهب الإسلامية بعضها البعض من جهة أخرى ، وذلك لإشغال الأمة بمعارك هامشية، ومن ثم إفساح المجال لقوى الاستكبار العالمي والصهيوني في السيطرة والاستحواذ على مقدرات الأمة وانتهاك سيادتها ومقدساتها..
وفعلا فإن محور المقاومة الذي تشكل من قوى إسلامية محسوبة على الشيعة وأخرى محسوبة على السنة وثالثة من قوى وطنية وقومية كحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا واليمن ولبنان وبعض الأحزاب القومية الأخرى كالأحزاب الناصرية وحركة أمل والعديد من الأحزاب والقوى الحية في دول محور المقاومة.. أثبت محور المقاومة إمكانية وحدة الأمة وإعادة ترتيب استراتيجية المقاومة لتضم كل أحرار الأمة العربية والإسلامية لمواجهة قوى الهيمنة والاستكبار العالمي بقيادة أمريكا وبريطانيا واللوبي الصهيوني ولهذا تم التخطيط والترتيب لمعركة طوفان الأقصى..
انطلاقاً من حجم وعظم المسؤولية الملقاة على عاتق الأحرار والشرفاء، وكل الاعتبارات الدينية والقومية والأخلاقية والإنسانية، وصولاً لإعلان بدء معركة طوفان الأقصى ومن ثم الاجتياح الكبير والمشرف لمستوطنات غلاف غزة.. والذي يشكل أول هزيمة نكراء وضربة موجعة يتلقاها كيان الاحتلال الإسرائيلي المجرم والغاصب، منذ أن تم زرعه في جسد الأمة في عام 1948م بعد انسحاب بريطانيا وتمكينها اليهود الصهاينة من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وبدعم من بريطانيا وأمريكا والغرب لإقامة دولتهم في فلسطين تحت مسمى دولة إسرائيل المزعومة.
ولكن معركة طوفان الأقصى كشفت زيف الأقنعة وأظهر الصهاينة العرب على حقيقتهم أكثر قبحاً في تاريخ الأمة، ما يتطلب من أحرار الأمة اليوم العمل على تصحيح تلك الأخطاء ومحاسبة أنظمة التطبيع والعمالة والانبطاح الموالية لأعداء الأمة أياً كانت مبرراتهم..
وهنا لا بد من وقفة أمام البطولات العظيمة التي سطرها المجاهدون بقيادة القائد يحيى السنوار، مهندس معركة طوفان الأقصى، والتي أظهرت العدو الصهيوني في موقف ضعف وأثبتت مدى هشاشته وحقيقة أن الكيان الصهيوني المحتل عبارة عن كيان مؤقت لا يمكن له الاستمرار والبقاء وأن مصيره إلى زوال..
وما يؤكد حقيقة اقتراب زوال كيان الاحتلال الإسرائيلي هو ردة الفعل الانتقامية من المدنيين والاستهداف المباشر لهم في منازلهم الأمنة وعلى مدى أكثر من عام، دمر كيان الاحتلال الإسرائيلي المجرم ثلثي المساكن في قطاع غزة وكل شمال القطاع، وقتل أكثر من أربعين الفاً من الضحايا معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وإصابة أكثر من مائة ألف من المدنيين، فضلا عن عشرات الآلاف من المحتجزين والمفقودين..
وتوسعت معركة طوفان الأقصى لتدخل اليمن ولبنان والعراق وسوريا في خط الاسناد والدعم لمعركة طوفان الأقصى، ومثل اليمن بقيادة القائد المجاهد عبدالملك الحوثي، الدور المحوري في دعم وإسناد الشعب الفلسطيني من خلال اطلاق المسيَّرات والصواريخ الباليستية والفرط صوتية التي استهدفت عمق العدو الحيوي في مدينة يافا المحتلة، ما يسميها العدو ‘تل ابيب” بعاصمة الكيان الغاصب..
ومن أبرز التأثيرات التي سجلها الموقف اليمني تعطيل ميناء إيلات من خلال قيام القوات المسلحة اليمنية باستهداف السفن المتجهة من وإلى الموانئ الفلسطينية التي يسيطر عليها كيان الاحتلال الصهيوني، وتحقيق نجاح غير مسبوق في إيقاف ومنع وصول إمداد كيان العدو الصهيوني عبر البحر الأحمر، ومن ثم توسيع المعركة لتشمل البحر الأحمر وباب المندب والبحرين العربي والمتوسط…الأمر الذي كبد كيان الاحتلال وداعميه خسائر فادحة، كما توسعت المعركة بعد التدخل الأمريكي البريطاني، لتشمل كافة السفن التابعة للعدو الصهيوني وداعميه وكل من أنضم لما يسمى بتحالف الازدهار، والذي كان الهدف منه حماية كيان العدو الإسرائيلي والتغطية على الجرائم والمجازر البشعة التي يرتكبها بحق أهلنا في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة..
كما كان للدور المساند لدول محور المقاومة في لبنان والعراق وسوريا، تأثيره البارز في إسناد القضية الفلسطينية وما تتعرض له غزة ولبنان من مجازر وحشية وحرب إبادة جماعية، وتدمير ممنهج لكل سبل الحياة.. إضافة إلى استمرار الانتهاكات السافرة للأعراف والقوانين الدولية والإنسانية والأخلاقية.. وعلى مرأى ومسمع من العالم والمجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة وسط صمت معيب، وتخاذل مخز من دول التطبيع والعمالة لكيان العدو الإسرائيلي المدعوم من دول الاستكبار العالمي أمريكا وبريطاني ومن لف لفها…