الثورة / وكالات
في أغلب أنحاء العالم ينتظر الناس فصل الشتاء بفارغ الصبر، ولهم فيه ذكريات وطقوس يأملون أن تمر عليهم مجدداً بهدوء وتجمعات عائلية دافئة؛ إلّا أهالي غزة الذين يترقبون هاجس الأمطار وسط حالة النزوح والعيش في خيام بسبب العدوان الإسرائيلي.
ومع مرور عام على حرب الإبادة المستمرة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، فإن غالبية سكان غزة يعيشون في أشياء يطلقون عليها “خيام”، لكنها أقل بكثير من أن توسم بهذا الاسم في غالبها، والتي هي مزيج من أقمشه وقطع نايلون، والمحظوظ من كانت خيمته مغطاة بما يعرف بـ”الشوادر” أو من الخيام الجاهزة التي تصل نادرا عبر المساعدات الخارجية.
ولهذا كله أصبح الشتاء كابوساً يطارد أهل غزة حتى قبل حلول موسم الشتاء، فبعض الأمطار الخفيفة التي سقطت على القطاع خلال الفترة الماضية مع بداية فصل الخريف، دقت ناقوس الخطر، عبر غرق الخيام وتطاير بعضها وظهور عيوب غالبيتها.
وما يزيد الطين بلة، هو غلاء ما توفر من أشياء قد تساعد على إعادة تأهيل هذه الخيام وجعلها قابلة لاستقبال الشتاء أو على الأقل استقباله والتعايش معه بأقل الأضرار.
فوفقاً لمتابعة مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“، فقد أصبح سعر الشادر يتراوح ما بين (400 -600) شيكل (الدولار 3.8 شواكل)، فيما يتراوح سعر المتر من النايلون على اختلاف أنواعه ما بين (10 – 30) شيكل، وهذه أرقام كبيرة تمثل ارتفاعاً باهظاً في الأسعار يفوق العشرة أضعاف.
الشتاء.. كابوس
“أبو محمد” هو رب أسرة مكونة من 3 أبناء و4 بنات، من مدينة رفح، وهو يعيش اليوم في خيمة لا تتجاوز مساحتها 20 متراً مربعاً، مغطاة بالأقمشة وقطع النايلون، يسير في سوق مدينة دير البلح هائماً على وجهه يبحث عما يمكنه من تجديد خيمته وإصلاحها وتهيئتها لاستقبال موسم الرياح والأمطار.
يقول أبو محمد لمراسلنا: “من يريد تجديد خيمته أو صناعة خيمة جديدة يحتاج إلى قرض” في إشارة للمبلغ الباهظ الذي يحتاجه، ويتابع: “كل شيء سعره مرتفع، ومع الأوضاع الحالية وتوقف العمل وتعطلنا عنه لا يمكن أن نجاري هذه الأسعار أو نتأقلم معها مطلقاً”.
أبو محمد كان عامل بناء في الفترة السابقة لاندلاع الحرب الإجرامية المستمرة، ويؤكد أن ما كان يحصل عليه لم يكن يسعفه لتوفير شيء فهو بالكاد كان يستطيع تأمين لقمة عيشه، وبعدما توقف عن العمل وطالت المدة أصبح يعيش على المساعدات التي أصبحت نادرة وتكاد لا تكون موجودة بفعل تضييق الاحتلال على دخولها خاصة بعد بدء العملية العسكرية في مدينة رفح وإغلاق معبر رفح البري.
البحث عن مأوى
هذا الأمر لم يختلف كثيراً عند الأم “منال” والتي فقدت شريك حياتها وزوجها ووالد أبنائها الخمسة شهيداً في غارة صهيونية استهدفت الشارع المقابل لمنزلهم في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
فبعد أن اضطرت منال وأبناؤها على النزوح إلى بلدة الزوايدة هرباً من القصف المتواصل لمنطقتهم القريبة مما بات يعرف بـ”محور نتساريم”، وجدت نفسها في العراء بدون أي شيء في مخيم يجمع عدداً كبيراً من النازحين، فقضت أشهر الصيف في مكان يلفه القماش ودون سقف نهائياً، وهو الأمر الذي قد يكون ممكناً في فصل الصيف لكنه ليس ممكناً مع قدوم فصل الشتاء.
تقول: ” زوجي الشهيد كان يعمل بأجر يومي، وبعد استشهاده أصبحنا دون معيل ونعتمد في طعامنا على مساعدة “التكية” القريبة من مخيمنا، لكننا حتى الآن لا نعرف كيف يمكننا صناعة ولو خيمة صغيرة تقينا برد الشتاء وأمطاره التي بدأ هطولها مبكراً هذا العام”.
وأوضحت أنها قبل عدة أيام وفي وقت هطول المطر والذي لم يستمر طويلاً تعرضت لغرق كل مقتنياتها بعد أن باغتتهم الأمطار، ما اضطرهم للهروب والاختباء في خيمة قريبة مكتظة بأصحابها، حتى توقف المطر.
وتقول الأم الأرملة، إنها ذهبت لكثير من المؤسسات لمحاولة الحصول على خيمة أو أي شيء يساعدها على بناء خيمة صغيرة، إلا أنها لم تحصل سوى على الوعود المرتبطة بسماح الاحتلال بدخول المساعدات وخاصة الخيام والشوادر، مؤكدة أنها تستطيع الصبر، لكن هل تتوقف أمطار الشتاء وبرده عن مباغتتهم خلال الأيام والأسابيع المقبلة، وفق تعبيرها.
اهتراء ومنع دخول خيام جديدة
وقال المكتب الإعلامي الحكومي، إن 100 ألف خيمة من خيام النازحين من أصل 135 ألفا أصبحت غير صالحة للاستخدام بسبب الاهتراء.
وبيّن المكتب في بيان صحفي سابق، أن تلك الخيام مصنوعة من الخشب والنايلون والقماش، واهترأت مع حرارة الشمس ومع ظروف المناخ في غزة، وخرجت عن الخدمة بشكل كامل، خاصة بعد مرور قرابة العام من النزوح والظروف غير الإنسانية المرافقة له.
وأكد، في عدة بيانات رسمية، أن الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال آلاف الخيام إلى قطاع غزة في ظل هذا الواقع المرير.
نداء استغاثة
ولهذا السبب أطلق المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة نداء استغاثة إنسانيًا عاجلًا لإنقاذ مليوني نازح في القطاع، قبل حلول فصل الشتاء واهتراء خيام النازحين، محذرا من كارثة إنسانية حقيقية على النازحين.
وأشار المكتب الإعلامي إلى وجود 543 مركزا للإيواء والنزوح في قطاع غزة، نتيجة ارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي جريمة التهجير القسري، مؤكدا أن أعداد النازحين تتزايد يومًا بعد يوم، حيث بلغ عدد النازحين بشكل عام من 1.9 إلى مليوني نازح في مختلف محافظات القطاع.
وطالب “الإعلامي الحكومي” المنظمات الدولية والأممية والمؤسسات العالمية ذات العلاقة بـ”الخروج عن صمتها وتقديم الإغاثة الفورية والعاجلة للنازحين الذين هم بأمس الحاجة إلى مأوى مناسب يقيهم من برد الشتاء.
صعوبات كبيرة
من جهتها قالت، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، إنها تواجه صعوبات كبيرة في إدخال المواد الضرورية لفصل الشتاء لأهالي غزة.
وأوضحت “أونروا”، في تصريح صحفي سابق، أنها تواجه – وجميع الوكالات الإنسانية – صعوبات كبيرة في إدخال المواد الضرورية إلى قطاع غزة، لافتة إلى أنه بمجرد وصولها سيتم توزيعها فوراً على المحتاجين.
وأضافت الوكالة: “نبذل في غزة كل جهد ممكن لتقديم المواد الضرورية لفصل الشتاء بشكل عاجل، بما في ذلك الأغطية البلاستيكية، الخيام، المراتب، الحصر، البطانيات، ومجموعات الكرامة، وغيرها من المواد الأساسية”.
ودعت إلى وقف تدمير المنازل والملاجئ، مطالبة بفتح المعابر؛ لتمكين الوكالات الإنسانية من إيصال الإمدادات الأساسية لآلاف العائلات المحتاجة، مؤكدة على ضرورة وقف إطلاق النار الآن لضمان توصيل المساعدات بأمان واستدامة، ومنح العائلات فرصة لإعادة بناء حياتها بأمان، وفق تعبيرها.