منحت أبو ظبي إمكانية إخراج الاحتلال من العزلة الاقتصادية في المنطقة التي تفرض حظراً على البضائع الإسرائيلية
الإمارات بوابة “إسرائيل” في المنطقة في ذروة أطماعها وعدوانها في المنطقة العربية
الثورة / متابعات
تبرز دولة الإمارات بوصفها بوابة “بقاء إسرائيل” في ذروة أطماعها وعدوانها في المنطقة العربية ويرى الاحتلال أن أبو ظبي هي حليفه بالتمدد إقليمياً في المنطقة.
فبعد مرور عام على “طوفان الأقصى” للمقاومة الفلسطينية، وهو الحدث الذي غيّر مسار الصراع “الإسرائيلي الفلسطيني” بشكل جذري وحطم الافتراضات التي طال أمدها بأنها “الدولة التي لا تقهر”، تبرز أبو ظبي بما تقدمه للاحتلال من دعم سياسي وعسكري واقتصادي وحتى إعلامي للتغطية على جرائمه في الأراضي الفلسطينية.
وبحسب مراقبين فقد هزت “طوفان الأقصى” كيان الاحتلال وداعميه الغربيين، وكشفت عن نقاط ضعف عميقة في الاستعداد العسكري الإسرائيلي، وجهاز الاستخبارات، والنظرة الاستراتيجية الأوسع، كما أعادت الحرب الوحشية بعد ذلك تشكيل مكانة إسرائيل في المنطقة، وعلاقتها مع حلفائها وخصومها.
وعلى مستوى أعمق، أعاد العام الذي انقضى منذ الهجوم التأكيد على حقيقة أساسية: “يجب على إسرائيل أن ترسم مسارا جديدا لتحقيق أمنها مع انهيار أسس الأمن القديمة”.
يقول كارلوس روا الباحث الأمريكي في معهد السلام والدبلوماسية: “بدلا من ذلك، يجب على إسرائيل أن تتبنى استراتيجية تتمحور حول التكامل الاقتصادي الإقليمي باستراتيجية تتماشى مع مصالح جيرانها، وتقلل من التوترات، وتخلق إطارا للاستقرار على المدى الطويل”.
عند الحديث عن التكامل الاقتصادي والإقليمي للاحتلال الإسرائيلي يبرز “اتفاق التطبيع” مع أبو ظبي، الذي يتمسك به صانع القرار السياسي في أبوظبي رغم المذابح وجرائم الحرب في قطاع غزة ليفتح نافذة الضوء الوحيدة للاحتلال للبقاء مع انهيار الأسس القديمة لأمنه.
وتوجد ثلاث ركائز رئيسية اعتمد عليها الاحتلال خلال السبعين عاما الماضية:
الأولى “الوحدة الداخلية”: كانت قدرة المجتمع المتعدد من كل دول العالم تجمعهم الديانة اليهودية وحدها على التماسك أمام التهديدات الخارجية ضرورية للبقاء، لكن الاستقطاب السياسي والتغيرات الديموغرافية داخل المجتمع غير ذلك؛ حيث كان من الواضح ارتفاع صوت العرب قبل الحرب الوحشية على غزة، والجيل الجديد من أبناء المحتلين الذين يرفضون الخدمة العسكرية، والاستقطاب السياسي الذي يظهر واضحاً في الأزمة الدستورية.
الثانية “الانقسام العربي”: استفاد الاحتلال الإسرائيلي من المنافسات والانقسامات بين الدول العربية، مما حال دون تشكيل جبهة موحدة ضده، لكن الديناميات الإقليمية تغيرت، مما أثر على هذه الاستراتيجية، حيث ظهر محور المقاومة كفاعل رئيسي في الحرب وليس الأنظمة العربية التي كانت تطبع علاقتها مع الاحتلال علناً، أو من تحت الطاولة.
الثالثة “الدعم الغربي”: كان الدعم الغربي، وخاصة من الولايات المتحدة وأوروبا، حجر الزاوية لأمن إسرائيل، ومع ذلك، أدت الحرب الأخيرة إلى تآكل هذا الدعم داخل قطاعات من المجتمع الأمريكي والأوروبي.
وطوال عام كان الآلاف يخرجون أسبوعياً للتظاهر ضد جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وضغطت الشعوب عبر برلماناتها وأحزابها على تبني مواقف لم تكن لتحدث من قبل، ودفعت عديد من الدول إلى الإعلان عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأصبحت إسرائيل معزولة أكثر في معظم الدول التي كانت دعامة تقليدية لها، ومن المتوقع أن تتزايد هذه العزلة على المدى المنظور.
أبو ظبي في قلب الاستراتيجية الجديدة
منذ إعلان التطبيع، كانت أبو ظبي النافذة الوحيدة لإسرائيل في المنطقة تحت مبرر “التكامل الاقتصادي الإقليمي” وهي الاستراتيجية الجديدة التي تُشير إلى أن إسرائيل بحاجتها من أجل البقاء مع انهيار أسس أمنها القديمة.
سياسياً: تعتبر الإمارات قوة وسطى في المنطقة، وقوتها الناعمة المتنامية منذ أكثر من عقد إلى جانب علاقتها الجيدة، فرصة للاحتلال الإسرائيلي للحصول على اعتراف وقبول من خارج الجغرافيا المحيطة به، وتجاهل القضية الفلسطينية؛ وهو ما حدث بالفعل؛ حيث سعت أبو ظبي لتوسيع ما تُسمى “اتفاقيات أبرهام” ليشمل البحرين المغرب والسودان، كما سعت لتطبيع السعودية وموريتانيا مع الاحتلال.
عسكرياً: تتفق أبو ظبي وواشنطن والاحتلال الإسرائيلي على ضرورة وجود هيكل دفاعي مشترك جديد (ناتو- شرق أوسطي) لمواجهة مزاعم نفوذ إيران الإقليمي وبرنامجها النووي.
وتهدف إسرائيل في المقام الأول إلى إنشاء نظام دفاع جوي جماعي، والبناء على القدرات العسكرية المشتركة للحلفاء العرب، وتوفير ثلاث فوائد محددة كما تقول مجموعة الأزمات الدولية؛ فعلى المستوى العسكري البحت، ستتمكن من الوصول إلى أجهزة الاستشعار الموجودة في دول الخليج، مما سيمنح الإسرائيليين مزيداً من الوقت للتحضير للرد على أي هجوم إيراني.
ثانياً، من شأن تشكيل تحالف أن يعزز فكرة أن الخيارات العسكرية الإسرائيلية تتضاعف، مما يعزز موقفها الرادع.
وأخيراً، من شأن التحالف أن يعزز التحالف السياسي ويجعل إسرائيل مقبولة في دول الخليج والشرق الأوسط بشكل عام.
اقتصادياً: منحت أبو ظبي إمكانية إخراج الاحتلال من العزلة الاقتصادية في المنطقة التي تفرض حظراً على البضائع الإسرائيلية، وبمرور الوقت يمكن أن يمنحها قبولاً -كما يفكر الإسرائيليون- فالبضائع الإسرائيلية -وفقاً للاتفاقية الاقتصادية الشاملة- تستخدم موانئ الإمارات لإعادة تصديرها تحت العلامة التجارية للإمارات ما أدى إلى تغلغل المنتجات الصهيونية في العالم العربي خارج الحظر المفروض عليها.
وترفض أبو ظبي تعليق التجارة مع الاحتلال، وارتفع التبادل التجاري في 2023م قرابة 3 مليارات دولار بزيادة 17% مقارنة بالعام الذي سبقه. ورغم التباطؤ الذي حدث في 2023م خاصة في الربع الأخير من العام بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة إلا أنه سرعان ما ارتفع بحلول العام الجاري.
وخلال الأشهر الستة من العام 2024 بلغ “حجم التجارة الثنائية 1.66 مليار دولار، بزيادة 7% مقارنة بالأشهر الستة الأولى من عام 2023م”، ويتناقض هذا بشكل صارخ مع إجمالي تجارة إسرائيل مع العالم الخارجي، التي انخفضت بنسبة 18%.
كما أن أبو ظبي وإسرائيل تتشاركان في مشاريع إقليمية مثل مشاريع الطاقة والبنية التحتية، كمشروع الطاقة الشمسية مع الأردن، وهذه صورة أخرى من صور تعزيز القبول الإسرائيلي في المنطقة.
أبو ظبي في اليوم التالي
بعد الحرب على غزة، سيحتاج الاحتلال بشدة لأبو ظبي لبناء علاقات جديدة في المنطقة كنوع من غسيل السمعة لجرائم الاحتلال في غزة والضفة الغربية ولبنان، تحت شعار “التكامل الاقتصادي” مدفوعاً بحاجة الحكومات العربية لتحقيق انتعاش اقتصادي مع توسع الأزمات الاقتصادية.
وخلال العدوان الوحشي على قطاع غزة دائماً ما قدمت أبو ظبي هذا النوع من غسيل السمعة مع الحصار الإنساني للسكان بالحديث عن جسور إغاثة ووصول المساعدات.
منذ بدء التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي اندفعت أبو ظبي لتحقيق كل المكاسب الممكنة من علاقتها بالاحتلال خاصة الاستثمارات في مجال التكنولوجيا والأسلحة، والتبادل الاقتصادي، وسط نشوة من الإسرائيليين بهذا الاندفاع وصولاً لمحاولات فاشلة للتطبيع الشعبي الإماراتي.
ويعود ذلك إلى أن إسرائيل من خلال الاقتصاد تبني استراتيجية “خلق تبعيات متبادلة”؛ أي إذا تضرر اقتصاد إسرائيل بفعل الحرب فإن اقتصاد شركائها يتضرر أيضاً ليكون من مصلحة الدول “أمن واستقرار إسرائيل”، حتى لوكان ذلك على حساب حقوق الفلسطينيين والعرب، مع نوايا توسيع دولة الاحتلال على حساب الدول العربية الجارة، وتحقيق أهداف الاحتلال بـ”إسرائيل الكبرى”.
كما ترى إسرائيل في قيام أبوظبي بالدور الذي تريده عاملاً مساعداً على تعزيز أمنها القومي من خلال توريط دول التطبيع في علاقات اقتصادية متشابكة، ما يقلل من احتمالية الصراع، ومساعدتها في الأخطار كما تفعل أبوظبي بعد “طوفان الأقصى”، وتحقيق ما تصفه الولايات المتحدة والاحتلال بـ”السلام الاقتصادي”.
وإذا ما تمكنت أبو ظبي من فتح الطريق للاحتلال الإسرائيلي في باقي دول المنطقة في التكامل الاقتصادي -كما تسميه أبوظبي والاحتلال- فإنه ينوع تحالفات الاحتلال ما يقلل من اعتماد الاحتلال على القوى الغربية من خلال بناء شراكات اقتصادية مع الدول العربية، ويضعف التأثير المحتمل للتغيرات التي طرأت في الركيزة الثالثة من الأسس القديمة لأمن إسرائيل والمتوقع أن تزيد حدة في المستقبل القريب.