عندما يصرح وزير خارجية الكيان الإسرائيلي يسرائيل كاتس صراحة بأن إيران تهرب الأسلحة عبر سوريا ومن ثم الأردن فالضفة عبر الحدود الأردنية، فإن عودة سياسة القضم والضم، ومشروع توسعة الكيان – على حساب الدول المحيطة – تبدو هي المغزى.
أسطوانة تهريب السلاح، هي ذاتها لا تزال ومنذ أشهر طويلة تخيم بظلالها على حدود الأراضي الفلسطينية مع مصر، في مسعى للهيمنة على محور فلادلفيا والتمكن من قضم سيناء للفلسطينيين، بلا أي اعتبار لكامب ديفيد، وحتى الآن لم تتخلص مصر بعد من مخاطر هذه الطموحات الصهيونية على أراضيها، فيما لا يزال الأردن يُخضع مواقفه لحسابات اتفاقات (وادي عربة)، وهو الذي عليه أن يكون واقعيا في التعاطي مع ما يجري، وعدم الاكتفاء بتكذيب مثل هذه الادعاءات، فالكيان يتعمد دحرجة الأمور في اتجاه خلق وقائع جديدة على الأرض.
الكيان بطبيعة الحال ليس بحاجة لمن ينكر عليه صدق ما يقول لأنه يعلم أنه كاذب، وهو يتعمد ذلك لغرض ما بات واضحا من محاولات لفرض خارطة جديدة لوجوده، إن لم يكن اتساقا مع مخطط الدولة الصهيونية الكبرى فعلى الأقل من باب توسيع المساحة الفاصلة الآمنة أو العازلة مع دول المحيط، وفي كل الأحوال، تفعيل استراتيجية القضم أكثر فأكثر من أراضي دول الطوق، للتمدد أكثر فأكثر، بلا أي اعتبار لاتفاقات التطبيع، وربما يبدو القادم مظلماً لهذه الدول مع ارتفاع فرص وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وهو المتطرف لهذه الفكرة وهذا التوجه.
وعمليا بدأ الكيان مواجهة العالم بمساعيه لما ينبغي عليه اليوم التالي للحرب على غزة، من خلال سعيه لفرض حضور جديد لوجوده في الأراضي الفلسطينية يتجاوز كامب ديفيد، وهي مسألة ربما ليست بالغريبة أو الجديدة، فالكيان لديه فعليا ما يسمى برئيس الإدارة المدنية تابعا له، وإنما الجديد، هو الحديث عن تعيينه حاكما لغزة تحت مسمى “رئيس الجهود الإنسانية-المدنية في قطاع غزة”، تصفه حكومة الاحتلال بضابط غزة، والمخطط له أن يقوم شاغل هذا المنصب – وهو المدعو العاد غورون – بإدارة شؤون الفلسطينيين في القطاع، حسب برنامج حكومة نتنياهو، ما يعني العودة لاحتلال القطاع، وهو ما كان أكده الوزير المستقيل من مجلس الحرب الصهيوني ورئيس الأركان غادي آيزنكوت، بقوله “إن خطة نتنياهو الخفية هي احتلال قطاع غزة وفرض حكم عسكري عليه”.
ربما ليس بالغريب الحديث عن الطموحات والمخططات التوسعية لكيان الاحتلال، وخفوت تداول هذا الموضوع خلال الماضي القريب لم يكن يعني تراجع المؤسسة الصهيونية عن هذه الطموحات، ولم يكن في الأمر حتى تأجيل لها لأنها عمليا كانت قائمة إلى حد مقبول للكيان، فالسياسة التوسعية في جوهرها السيطرة على الجغرافيا وتوجيه السياسات وفق ما يخدم واقع ومستقبل الكيان، لذلك لا يمكن تجاهل أن حال المنطقة خلال السنوات الماضية كان في أدنى مستويات الخضوع والرضوخ للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية بأنظمة مكلّفة بإدارة شؤون المنطقة، أي الدولة التي تحت يديها.
وكان التطبيع في مستوى غير معهود نتج عنه إقامة علاقات بين الكيان وبعض الأنظمة فيما أخرى تنتظر إعلان الدخول في حلف المطبعين، وأخرى تمارس التطبيع وإن بشكل غير رسمي أو معلن، من هنا كان واقع الكيان يمنحه فرصة التحكم بالمنطقة إلى مستوى بعيد، ذابت معه في بعض الدول هويتها الدينية والعروبية أو تكاد، حتى كان فجر السابع من أكتوبر.
أظهر طوفان السبت أن ما سلّم به العدو كنتائج مُرضيَة لسياسة الاستهداف لكل المنطقة من قبل المؤسسة الصهيونية، لم يكن أكثر من خيط دخان، إذ صدمت المقاومة الفلسطينية – وهي في المحيط القريب جغرافيا من مركز العدو – هذه الحالة من الركون إلى التربع على عرش العرب والمسلمين، حين ظهرت بهذا الاقتدار الكبير ونسفت كذبة الجيش الأقوى على مستوى المنطقة.
ثم جاءت الصدمة الثانية ببروز أنياب ومخالب محور المقاومة، فزاد هذا وأربك وخلط وبعثر كل أوراق المخطط الصهيوني الأمريكي، ليظهر العدوان على غزة بهذا الشكل من العنف والوحشية وليظهر الدعم الأمريكي بهذا المستوى من التماهي المعلن، وليتحدد الهدف بالقضاء الحاسم على المقاومة مع إعادة إحياء سياسة القضم للأراضي العربية، ابتداء بتهجير الفلسطينيين من شمال الضفة في اتجاه غور الأردن، وجنوبا من غزة في اتجاه سيناء مصر، مع كل الإحباطات التي يعيشها الكيان فإن محاولاته استعادة توازنه من خلال فتح جبهات صراع حتى مع الدول المسالمة معه، تستحق لأن تضع الدول المطبعة اتفاقات السلام على الطاولة، ولو من باب حفظ أمنها القومي على الأقل؟.