اعتمدت الدبلوماسية الأمريكية على مدى عقود، استراتيجية سياسية الخطوة -خطوة في تعاطيها مع القضايا العربية وعلاقتها مع العرب، وتحقيق أهدافها ومصالحها في المنطقة عبر هذه السياسية التي ابتكرها وزير خارجيتها الأسبق (هنري كيسنجر) سيئ الصيت والسلوك..!
هذه الاستراتيجية اعتمدتها واشنطن في الجانب العسكري وفي سياق الصراع العربي -الصهيوني من ناحية، والصراع مع بقية محاور الرفض لهيمنتها في المنطقة خاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق وتدمير الدولة العراقية وتمزيق نسيجها الاجتماعي وإيجاد كانتونات طائفية تحل محل المجتمع والدولة والنظام القومي..!
الغزو الأمريكي للعراق كان الهدف منه -أمريكيا – إعادة تشكيل المجتمع العراقي طائفيا ومذهبيا، وتعميم التجربة العراقية على المجتمعات العربية من محيطها إلى خليجها..!
هذه الاستراتيجية الشيطانية الأمريكية -الصهيونية تكرس اليوم في جوانب المواجهة العسكرية المندلعة داخل المنطقة من فلسطين إلى لبنان إلى سوريا والعراق وصولا لليمن والسودان وليبيا..!، إذ تفجرت (الحروب بالوكالة) التي أشعلتها أمريكا، إلى ابتكار حروب الخطوة _خطوة أو الحرب بالتقسيط التي تدور رحاها في فلسطين ولبنان تحديدا..!
ففي فلسطين تخوض أمريكا وليس الصهاينة الذين هم أدوات بيد واشنطن، حربا ضد حركة المقاومة وتحديدا ضد حركة (حماس)، وتؤكد أنها بهذه الحرب تستهدف (حماس) وليس الشعب الفلسطيني ولا السلطة الفلسطينية..!
وفي لبنان تقول إنها تستهدف (حزب الله) وليس لبنان والدولة والشعب اللبناني..!
وفي اليمن هي تستهدف (الحوثي) وليس الدولة والحكومة (الشرعية) والشعب اليمني..!
وهي في سوريا ضد (ديكتاتورية النظام) وليس ضد الشعب العربي السوري، وفي العراق هي ضد مليشيات إيران وأذرعها وليس ضد الحكومة والشعب العراقي، وفي ليبيا هي ضد نظام القذافي وليس ضد الشعب الليبي، وفي السودان تمارس ذات السلوك التدميري من وراء ستار.. وفي إيران هي تعادي النظام وليس الشعب، والحقيقة أن أمريكا تعادي كل من يعادي الصهاينة ويؤيد الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني..
هي لا تريد حربا شاملة في المنطقة حتى لا تتعرض مصالحها ومصالح الصهاينة للخطر، لكنها بذات الوقت تمارس وتسمح لحليفها الصهيوني أن يمارس إلى جانبها (حربا بالتقسيط)..!
قتلت أكثر من 60 الف عربي فلسطيني خلال الأشهر الماضية وجرحت أكثر من 150 ألفا وشردت قرابة مليوني مواطن ودمرت القطاع وكل مقومات الحياة فيه وحاصرت وجوعت شعبا بكامله، بذات الوقت الذي ما انفكت فيه تطالب بعدم توسيع نطاق الحرب..!
تقدم للكيان الصهيوني الدعم العسكري والاستخباري والمادي والدبلوماسي والإعلامي والسياسي وتجاهر وبكل وقاحة بهذا الدعم وتؤكد حق كيان العدو في الدفاع عن نفسه، في المقابل ترى حق الآخرين المعتدى عليهم عملاً إرهابياً ومن يتعاطف معهم إرهابياً..!
إن العدوان بالتقسيط استراتيجية أمريكية هدفها التفرد ببؤر المقاومة في الجسد العربي والتخلص منها واحدة بعد الأخرى وتحرص على ألا تكون هناك حربا شاملة، لأن هذا ضد مصالحها وليس في مصلحة حليفها الصهيوني وبقية حلفائها من أنظمة المنطقة التي تبارك خطواتها هذه وتدعمها ..!
إن أمريكا وحليفها الصهيوني يخوضان حربا مدمرة ضد الوجود العربي والحقوق العربية، وضد محاور المقاومة العربية وجيوب الرفض العربية المناهضة للهيمنة الأمريكية والاحتلال الصهيوني وتحظى بدعم حلفائها من الخونة العرب الذين ربطت أمريكا مصيرهم في الحكم بالتبعية المطلقة لسياستها الهمجية والاستعمارية الوقحة..!
وهي ترفض المواجهة الشاملة، لكنها تتفنن في إدارة حروب التقسيط، كما هو ماثل اليوم أمامنا، ومنذ تفجرت معركة طوفان الأقصى، حرَّكت أمريكا وكل الدول الغربية أساطيلها ومدمراتها وأطلقت التهديدات السرية والعلنية ضد كل دول وأنظمة المنطقة وبؤر المقاومة من الانخراط ومساندة الشعب العربي في فلسطين، الذي يذبح بأحدث الأسلحة الأمريكية _الغربية، وتمنح الصهاينة حق العربدة واستهداف كل من يمد يد العون للأشقاء في فلسطين، ثم تتحدث عن ضبط النفس وعدم توسيع دائرة الصراع..!
بمعنى أن أمريكا اعتمدت استراتيجية حرب الخطوة -خطوة اقتداء بسياسة الخطوة -خطوة، والهدف استنزاف قدرات الأمة ومكامن القوة والممانعة فيها واستكمال تطويع وتدجين الأمة، لتصبح أسيرة في الإسطبل الأمريكي -الصهيوني..!