السعودية والحرب الاقتصادية

يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد

 

بدأت دول العدوان تتخذ مساراً جديداً للحرب، وهو المسار الاقتصادي، ظنا منها أنها ستبلغ بقوت الناس ومعائشهم ما لم تبلغه بالحرب العسكرية، وهذا المسار كان جزءا من المعركة العسكرية، ولم يكن منفصلا عنها، فقد أطبقوا الحصار على صنعاء جواً وبحراً وبراً، ولم يكد يتنفس أحد إلا وكان لهم راصد يرصده عبر تقنية التجسس التقني، وكل التفاعلات التي تحدث اليوم مرت بها صنعاء عبر سنوات العدوان واستطاعت تجاوزها, ولن يضيرها اليوم ما يحدث، فقد اعتادت الحصار والجوع، واعتادت الأزمات وكل أصناف شظف العيش في السنوات الماضية، وهي في مرحلة الدفاع ومرحلة الضعف، لكنها اليوم غيرها بالأمس، فالسنوات العشر التي سلفت قادرة أن تصنع ماردا يعيد ترتيب المعادلة في الخارطة .
لم يعد اليوم متاحا لأي قوة أن تفرض حصاراً على اليمن، ولا أن تفرض خياراتها أو تمس مؤسساتها إلى درجة انهيار المجتمع والسقوط في هاوية الجوع كما يفعل اليهود بأطفال غزة، الموضوع تجاوز مرحلة الضعف، ورموزه قالها الواقع لكن ثمة من لا يفهم معادلة الوجود ولا يعتبر من تجارب الزمن .
السعودية اليوم تظن في نفسها القوة والمنعة وتناست مشاهد تساقط عساكرها من على قمم جبال الدخان وغيرها، وربما لم تعد تتذكر أرامكو والنيران تشتعل فيها، ولذلك تمعن اليوم في الغي دون إدراك للعواقب التي قد يتركها ذلك الغي، فالمعادلة الوجودية وفق نسقها الثقافي الكائن في صنعاء ترى أن المساواة في الظلم عدل، فالموت جوعا أو فناء يجب أن يعتام الجميع دون استثناء، فالرفاه الذي وصل اليه المجتمع السعودي بلغ تمامه وكماله وربما ساقه عمه الطغيان إلى مزالق النهاية على يد الحفاة الجائعين المحاصرين في اليمن، وقد رأت السعودية من بأسهم الشيء الكثير خلال سنوات عدوانها، لكن البأس الشديد ما زالت صنعاء تعد له العدة وهو قادم لا محالة حتى تبلغ مقادير الله غايتها .
قد تصبح السعودية فقيرة في لمحة بصر واحدة، وقد تصبح محاصرة براً وجواً وبحراً، في لمحة بصر، وقد تضطرب الحياة الاجتماعية وتموج حركة الناس لتصريح تحذيري واحد يصدر من ناطق القوات المسلحة اليمنية، وقد تصبح أرامكو والمؤسسات المالية والموانئ البحرية والجوية كطلل كأنه لم يغن بالأمس، خيارات صعبة لنا لكنها أصبحت ضرورة وجودية حتى يشعر المتغطرس السائر في ركب أمريكا وفي ركب الباطل أنه جانف الحقيقة ولم يحسن السياسة ومن لا يحسن السياسة تخلعه السياسة وتتركه في مهب الريح تسفه الذكريات، وتعصف به أخلاق الجنوح إلى الباطل والمروق عن الدين ومناصرة اليهود في حرب الإبادة لغزة وسكانها، فالله يمد الطغاة في بهرج الحياة أمداً قصيراً ثم يصيبهم بالعمه ومن ثم بالهلاك كما كان يفعل بالأمم السابقة التي وردت قصصهم في القرآن، وكما فعل بالأمم التي عاشت أزمنة وعصوراً وتحدث عنها التاريخ سواء القديم أو الحديث.
لم يعد لدى صنعاء شيء حتى تخاف خسرانه سوى الكرامة، ولذلك فكل تاريخ اليمن يقول أن الكرامة عند أهل اليمن معدن نفيس لا يمكن التفريط به إلا بالموت، ولذلك يتناقلون منذ عصور سحيقة قولا مأثورا يجري مجرى المثل يقول : ” تموت الحرة ولا تأكل بثدييها ” والمعنى وفق نسقه الثقافي التاريخي هو أن سكان نجد كانوا يذهبون إلى حواضر العرب لتأجير نسائهم كمرضعات حتى يقتاتوا بنشاطهم ذاك وبما يسد رمقهم لكن أهل اليمن كانوا يرون ذلك عارا وشنارا ويفضلون الموت عزة وكرامة على الاشتغال بمثل ذلك العمل، وظل هذا المثل كمبدأ ثابت في النسق الثقافي اليمني ثم تداخل مع مبدأ آل البيت في هيهات منا الذلة فجاء التناغم تعبيرا عن نسق ثقافي تاريخي، وهذا التناغم كان عنصرا مهما في التمكين السياسي للزيدية منذ القرن الثالث الهجري إلى اليوم .
على السعودية أن تدرك أن الصهيونية العالمية وأمريكا على توافق كامل في إعادة تقسيم خارطة بلاد العرب على أسس ثقافية وعرقية وطائفية حتى يتشرعن الوجود الصهيوني في الخارطة العربية، وهم يسعون إلى الوصول إلى غاياتهم بطرق وأساليب قذرة، منها تنمية التباعد الطائفي والتمايز الثقافي ويشتغلون على العرقيات بحيث يصبح التقسيم ضرورة إنسانية، وحتى يتمكنوا من السيطرة على مصادر الطاقة ويتحكموا في الغذاء، وفي فرض ثنائية الخضوع والهيمنة على الشعوب، فالسعودية وفق خططهم قد تصبح ثلاث دول، دولة في نجد وحائل، ودولة في الحجاز، وقد يعود إقليم عسير وجيزان إلى اليمن وفق مساره التاريخي ونسقه الثقافي أملا منهم في فصل جنوب اليمن كدولة هشة يفرضون السيطرة على منافذها البحرية حتى يتمكنوا من تحقيق التوازن السياسي والاقتصادي مع الصين التي تتواجد في الشاطئ المقابل للشواطئ اليمنية في ميناء غوادر، والنظام السعودي لم يدرك أنه محاصر بالعداوات من جنوبه ومن شماله ومن شرقه، فما أحدثه في اليمن لا يمحوه الزمن من ذاكرة الأجيال، وما أحدثه في العراق لا يمكن نسيانه، وما فعله في سوريا سيظل يتحرك في الوجدان الجمعي للجماعات والأفراد وقد يشكل ذلك عنصرا مهما في التقسيم برضى الجماعات والأفراد، وما تقوم به هيئة الترفيه من هدم للتطبيقات ومن تغيير في الأنساق الثقافية، ومن تهجين لا ينفصل عن المخطط الكلي للصهيونية العالمية التي تسعى إلى إقامة دولة إسرائيل الكبرى .
خلاصة الفكرة أن السعودية تسعى إلى النهايات التراجيدية من خلال حزمة الضغوط على صنعاء بنصائح أمريكية وصهيونية وهي لا تدرك حجم التآمر عليها ولا على العرب والمسلمين ونحن قد نُجبَر على خوض غمار شر ما من مجانبته بد لو كان فيهم من رجل رشيد .

قد يعجبك ايضا