مختصون” الأسرة تتحمل المسئولية وتزامن رمضان مع العطلة الصيفية يفاقم المشكلة
كثيرة هي المظاهر السلبية التي تْصاحب أيام وليالي رمضان وتكون سببا رئيسيا في خلق المشاكل بين السكان الذين ينشدون الراحة والطمأنينة لاسيما في هذه الليالي المباركة, ولعل ظاهرة الإزعاج هي أبرز تلك المظاهر السلبية التي أصبحت مع الوقت جزءاٍ من مشهد رمضاني يتكرر عاماٍ بعد آخر دون إيجاد أي حلول للحد منه.
لماذا يزداد الإزعاج في رمضان وما مصدره وماهي الأسباب والحلول¿
هذا ما ناقشناه في الاستطلاع التالي:
لم تكن قد مضت أكثر من سويعات قليلة على حلول الشهر الكريم حتى وجد المواطن محمد النمري نفسه محجوزا لدى قسم الشرطة وذلك بعد أن قام بالاعتداء على جاره إثر مشادة بينهما بسبب إزعاج الأطفال تطورت بعد ذلك إلى اشتباك بالأيدي والعصي بين الاثنين وكان نتيجتها إدخال احدهما ” الحجز” وإسعاف الثاني إلى المستشفى.
ووفقا للمعلومات فإن المواطن النمري لم يستطع تحمل إزعاج أبناء جاره له صباح رمضان من خلال صياحهم وصراخهم المصاحب للعبهم في الحارة خصوصا وانه يسكن في الدور الأرضي من المنزل , فخرج إليهم وصاح فيهم آمرا لهم بالسكوت وعدم الإزعاج .. ثم عاد وكله أمل في إغماض جفنه قليلا , غير أن الأطفال زاد عنادهم للرجل واستمروا في الإزعاج بشكل اكبر ,فما كان منه سوى الخروج إليهم مرة ثانية وإمساك احدهم – الاكثر ازعاجا- من يده وشده بقوة إلى باب منزلهم قائلا له :”العب في بيتكم”.
استغل الطفل هذا الأمر ودخل يوقظ والده وهو يبكي وقال له أن جارهم اعتدى عليه بالضرب, فقام الأب وانطلق يطرق باب جارهم بقوة مصاحبا الطرقات بعبارات سب وشتم وتحد في الخروج ومواجهته بدلا من الاعتداء على الاطفال .. فخرج الجار واشتبك الاثنان وكانت النتيجة كما ذكرناها آنفا.
طماش
حادثة أخرى شهدتها منطقة حدة بأمانة العاصمة , حيث كان بعض الأطفال يلعبون بالمفرقعات ” الطماش” مسببين الإزعاج لجيرانهم الذين بعضهم استحملوا هذا الإزعاج وصمتوا , غير أن احدهم لم يتحمل ذلك وخرج إلى الأطفال ثم اخذ منهم ما بحوزتهم من العاب نارية, وعاد لمواصلة النوم.
وكرد فعل تجاه هذا التصرف قام الأطفال بقذف الأحجار باتجاه منزل هذا الجار , متسببين بكسر زجاج نافذة المنزل , الأمر الذي زاد من غضب الرجل فأمر ابنه البالغ من العمر17 عاما بالخروج لمعرفة من قام بهذا العمل الشنيع وتأديبه وحين خرج الفتى شاهد طفلا واحدا كان لا يزال يحمل حجرا في يده فانطلق نحوه وشعر الطفل بالخوف وقام بالفرار وهو يصرخ ويستغيث بوالده وحين سمع والده صراخه اطل من النافذة وشاهد ابن جارهم يطارد ابنه فصاح فيه ثم خرج يريد الاعتداء على ابن جارهم وهكذا كادت القضية تصل الى معركة حامية الوطيس لولا تدخل الجيران وعاقل الحارة وتهدئة الوضع.
منتصف الليل
ولا يقتصر الإزعاج على ساعات النهار فقط , فهناك من الأطفال من يخرج الى الشارع بمجرد الانتهاء من تناول وجبة العشاء ويستمر اللعب والإزعاج حتى بعد منتصف الليل.
ملاعب
في الجانب الآخر تتحول بعض الحارات إلى ما يشبه الملاعب , فتجد بعض الشباب والفتيان يشغلون وقت الفراغ بلعب كرة القدم ويكون ذلك في ساعات الصباح الأولى أو وقت العصر غير مبالين بما يسببونه من إزعاج لأهاليهم القاطنين في تلك الحارات ..
وفي احد الأحياء القريبة من الجامعة القديمة اضطر احد المواطنين إلى إطلاق النيران في الهواء من سلاحه “الكلاشنكوف” بسبب الإزعاج الذي كان مصدره مجموعة من الشباب كانوا يلعبون كرة القدم في الحارة وكانت الكرة تضرب في باب منزل هذا الرجل , فخرج وطلب منهم اللعب في مكان آخر وقام بتوبيخهم على هذا التصرف خصوصا وأنهم ليسوا أطفالا , ولكنهم لم يستمعوا لكلامه وواصلوا اللعب واستمر ضرب الكرة في باب منزله , فما كان منه سوى اخذ السلاح والخروج وإطلاق عياران ناريان في الهواء كإنذار أخير لللاعبين.
الفئة الاضعف
وفي هذا الصدد ترى أخصائية علم النفس الدكتورة نهى عبدالخالق أن الابناء هم جزء من الأسرة التي يأتي رمضان فيتغير نظامها المتبع بشكل كامل بما في ذلك مواقيت النوم والراحة والسهر والعمل , موضحة أن الأطفال هم الفئة الأضعف في هذا التغيير ففي حين يستطيع الجميع تقسيم أوقاتهم كما يشاءون بين العمل والعبادة والترفيه ,يْجبر الأطفال على التأقلم مع ما يطلب منهم او ما يفرضه عليهم الكبار ومن ذلك على سبيل المثال إجبارهم على تعلم الصيام لساعات معينة بالإضافة على عدم حصولهم على وجبات الأكل والشرب التي اعتادوها أيام الفطر , وكل هذه الأشياء تسبب لهم بعضا من الإرباك في نفسيتهم.
وتضيف أخصائية علم النفس قائلة :” الكثير من الأسر سواء في المجتمع اليمني أو غيره تجد صعوبة في تأقلم الأطفال مع وضعهم الجديد في رمضان , وخصوصا مواقيت النوم واللعب فتضطر إلى اتباع طريقة وحيدة لتفادي غضب الآباء أو من هم كبار في السن وما قد ينتج عن ذلك من مشاكل اسرية بسبب الإزعاج الذي يصدره الأطفال اثناء اللعب داخل المنزل , فيتم إرسالهم الى اللعب خارج المنزل, وهنا تتحمل الاسرة مسئولية كبيرة في إزعاج الجيران الاخرين ممن ليس لديهم ابناء او من يمنعون أطفالهم من الخروج للعب وقت يكون الاخرين نائمين”.
أضرار نفسية
وتشير الدكتورة نهى إلى ان النظام البيولوجي للطفل يجعله بحاجة الى ممارسة اللعب وانشطته التي اعتاد عليها والتي تتناسب مع عمره وسنه وقيام بعض الأسر بحجزهم في المنازل وتقييد حريتهم ومنعهم من ممارسة هذا النشاط , قد يتسبب بأضرار نفسية سيئة للأطفال , وهنا – والكلام مازال لأخصائية علم النفس- تكون المهمة الرئيسية للأسرة في تنشئة أبنائهم وتربيتهم التربية الصحيحة بدنيا ونفسيا .. فيجب على الآباء والأمهات تهيئة أطفالهم نفسيا قبل حلول رمضان بأيام وتعليمهم أن رمضان له خصوصيته دون بقية الأشهر وان مواعيد العب ستتغير و ساعات الصباح الأولى ستكون مخصصة للنوم وان إزعاج الآخرين ممنوع وهكذا…
انحراف
وتحذر الأخصائية النفسانية نهى عبدالخالق من سهر الأطفال وبقائهم خارج المنزل حتى ساعات متأخرة من الليل , مشددة في هذا السياق على دور الأسرة في رقابة أطفالهم , قائلة:” من الأخطاء الفادحة التي ترتكبها بعض الأسر في حق أطفالها دون شعور بفداحة ذلك الخطأ, هو تركهم يلعبون في الشوارع حتى وقت السحور , فالأسرة بهذا التصرف تجعل أطفالها يتعودون على قضاء معظم الوقت بعيدا عن أسرهم ومن جهة أخرى تجعلهم عرضة للكثير من المخاطر التي قد تحدث لهم خارج المنزل وتحت غطاء الظلام في وقت يكون الآباء والأمهات مشغولين عنهم بالمسلسلات والبرامج التلفزيونية او غيرها , وهناك العديد من الدراسات التي تؤكد أن انحراف الأطفال سببه البقاء خارج المنزل لساعات متواصلة في ظل انعدام الرقابة الأسرية”.
مراكز صيفية
وتختتم الدكتورة نهى عبدالخالق حديثها بالإشارة إلى المسئولية التي تقع على الجانب الحكومي في هذا الأمر , موضحة ان تزامن شهر رمضان مع العطلة الصيفية للمدارس يلعب دورا كبيرا في ظاهرة الإزعاج التي نتحدث عنها , مطالبة وزارات التربية والتعليم والشباب والرياضة والأوقاف , أن تقوم بواجبها في استغلال فراغ أبنائنا والاستفادة من العطلة الصيفية في تنمية مهارات ومواهب جيل المستقبل وذلك من خلال فتح المراكز والنوادي التعليمية والثقافية والرياضية وبما يعود بالنفع على الأسرة والمجتمع والوطن بشكل عام.