الحتمية المستقبلية.. يا أحرار العالم اتحدوا..!!

يكتبها اليوم / مطهر الأشموري

 

بين ما درسناه في المناهج الدراسية ما سميت الثورة العربية الكبرى، وهذه الثورة العربية الكبرى انتهت أو وئدت لأن الاستعمار البريطاني حنث بوعد أو تعهد قطعه على نفسه لشريف مكة آنذاك “الحسين”، فكيف ترتكز ما سميت ثورة عربية كبرى على وعد أو تعهد من الاستعمار البريطاني؟..
ما عرفت بثورات الربيع العربي هي في رأيي الشخصي محطة أمريكية كما كانت الثورة العربية الكبرى محطة بريطانيا، وإذا المحطة البريطانية ربطت بإشراف مكة فالمحطة الأمريكية 2011م أسميتها “محطة أمريكية مأخونة” من حقيقة ربطها أو ارتباطها وأي استثناء ـ افتراضا ـ لايصلح أساساً للحكم على محطة بريطانية كانت أو أمريكية..
يعنينا أن نكون قد وصلنا إلى استحقاقات الوعي من مثل هذه المحطات لأن روسيا أسمت ثورات 2011م بامتداداتها إلى أوكرانيا 2014م “الثورات الملونة” وهذا المسمى يعترف بمضمون “محطة أمريكية”..
من حق أي استثناء في محطات كهذه أن يدافع عن سماته وعن استثنائيته، ولكن أمريكا تحدثت وقبل أعوام من 2011م عن الفوضى الخلاقة القادمة في الشرق الأوسط، وفعلاً فالمنطقة منذ ذلك التاريخ وهي في حالة فوضى غير مسبوقة، بمعنى أن الفوضى تحققت فيما مفردة “الخلاقة” هي بمثابة المحسن البديعي في اللغة أو التحسين الإبداعي لما ليس حسناً ولا به أي حسن..
لو قلنا أن اليمن تعيش مستوى من الفوضى كُمسْلمة فحكومة الإنقاذ في صنعاء والشركاء فيها سيقولون إن السبب هو أمريكا وأتباعها في المنطقة وهم بهذا الطرح يربطون الفوضى بأمريكا وهذا يعني مدلول مسمى “محطة أمريكية”..
شخصياً لم أخض في جدل الصراعات الأضيق على أساس أن ما حدث عام 2011م في اليمن أو غيرها هو ثورة أو ليس ثورة ولكنه محطة أمريكية بتوصيفه الإجمالي وإن انبثقت منه ما يمكن توصيفها ثورة مستقلة عن الخط الأمريكي وعن المحطة الأمريكية..
الذي أراه أن الحرب في أوكرانيا وطوفان الأقصى واصطفاف الصراع العالمي الرافض لاستمرار القطبية الواحدة وللهيمنة والعولمة الأمريكية والذي يسير في خيار التعددية القطبية الأكثر عدالة ومساواة على مستوى العالم هو بمثابة ثورة ضد كل المحطات الأمريكية ومتراكمها، وهي فعلاً ثورة عالمية ضد الاستعمارين القديم والحديث..
من هذا الفهم والاستيعاب البعيد لمختلف الأبعاد فإن غزة وطوفان الأقصى أحدثا تغييراً عالمياً هائلاً، ولعل “نتنياهو” – الجناح الأشد تطرفاً في حكومته – هما اللذان لم يستوعبا المتغير والتغيير في هذه الثورة العالمية الكاسحة والقائمة وبات تعاملهم مع هذا الحدث الأكبر بمثابة شيء من تعامل العرب مع محطة بريطانية حتى المحطة الأمريكية..
لم نعد في زمن محطات بريطانية أو أمريكية ولكننا في محطة عالمية وثورة عالمية لم يعد يجدي معها وفيها استعمال مفردة “الإرهاب” لتركيع المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس كفصيل وطني فلسطيني..
بالمقابل أرى أهمية العودة إلى فترة المد السوفيبتي، فذلك المد مثّل أيضاً ثورة عالمية بدعوته للتحرر والمساواة والعدالة، ولكني أرى أن الخطأ في تلك الثورة وأهم عامل لفشلها كان في فرض واشتراط الأيديولوجيا أو النظرية الشيوعية وذلك ما مثل لاحقاً نقطة الضعف التي أدت إلى تفتيت الاتحاد السوفييتي..
ولهذا فالثورة العالمية الحالية صوبت هذا الخطأ حيث لم يعد يوجد طرف يشترط الشيوعية الأيديولوجيه أو النظرية بل إن الصين مثلاً التي لا زال الحزب الشيوعي الصيني يحكمها تتبنى ومنذ زمن عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد وترك الأنظمة لخيارات شعوبها وحسب بما في ذلك التدخل تحت عناوين زائفة أو مخادعة كما الديموقراطية وحقوق الإنسان..
الثورة العالمية هي ضد استمرارية هيمنة أمريكا والغرب التي استمرت أكثر من خمسمائة سنة حتى الآن..
إنها ثورة عالمية ضد الاستعمار القديم والاستعمار الجديد الذي تمثله أمريكا، وبالتالي فكل العناوين الزائفة والمخادعة لم تعد تفيد أو تجدي للاستعمار القديم والجديد..
هذه الثورة العالمية باتت قادمة في مسار وستصل إلى النجاح كحتمية عالمية لا بديل لها أو عنها لكل العالم..
والواضح أن الغرب الذي منحنا عنوان “ثورة عربية كبرى” أو الذي تبنى عنوان “الربيع العربي” لم يكن يتوقع تصويب الخطأ السوفييتي ـ باشتراط الشيوعية ـ كما لم يكن يتوقع هذا التفاعل العالمي المتسع المتسارع مع ثورة عالمية هي ضد الاستعمار القديم والاستعمار الجديد بشكل أساسي..
لو كان يوجد مثل هذا التوقع ما كانت أمريكا تسير في تفعيل محطة 2011م ولما دفعت النظام الأوكراني إلى هذه الحرب مع روسيا..
توسع “الناتو” شرقاً إلى حدود روسيا وما يمارسه تجاه الصين في بحرها الجنوبي وفي جزيرة تايوان الصينية يقدم غطرسة وجبروت الاستعمار القديم والجديد..
الحرية للعالم وفي العالم هي التحرر من الاستعمار القديم والجديد كأولوية وهذا هو أساس وهدف الثورة العالمية..
لم يعد مقبولاً عالمياً بأن تمد أمريكا – وهي الاستعمار الجديد أمنها القومي إلى العراق أو أفغانستان أو إلى داخل الصين “تايوان” فماذا تبقي هذه النزعة الاستعمارية من أمن قومي للصين أو روسيا ومن ثم بقية دول العالم؟!..
ما لم يتحرر العالم من الاستعمار القديم ومن الاستعمار الجديد فكل ما تسمى ثورات لا قيمة لها ولا أهمية لأنها ثورات لصالح استمرار الاستعمار قديمه أو جديده ومثل ذلك ينطبق على ما سميت ثورة عربية كبرى ثم ما سمي “الربيع العربي” ولذلك فإننا لم نعد بصدد الشعار القديم الذي ربط بالنظرية الشيوعية “يا عمال العالم اتحدوا”، وأصبح الشعار العالمي هو “يا أحرار العالم اتحدوا”..
الزمن والتطورات عالمياً تجاوزت بقاء أمريكا كاستعمار عالمي هو الامتداد للاستعمار القديم وكل العناوين التي هدفت لإبقاء وضع هيمنة الاستعمار انفضحت وفشلت..
لعل الرئيس الصيني في آخر خطاب له في مؤتمر تجمع شنغهاي يختزل كل هذا في قوله “إن الصين تقف في الجانب الصحيح من التاريخ”..
فالتاريخ هو تاريخ الاستعمار القديم والاستعمار الجديد، والتاريخ هو أن الثورة العالمية للتحرر من هذا الاستعمار قديمه وجديده هو حق العالم في الثورة، واستحقاق للعالم لا بد أن ينتصر وأن يأتي ويتحقق لا محالة ولا حل للعالم بدون تحققه.!!

قد يعجبك ايضا