بعد رحيل الزعيم جمال عبدالناصر، وضع النظام السعودي نفسه كحاضن للأمتين العربية والإسلامية وانه حامي العروبة والإسلام ولكن الملك فيصل اصطدم بالسادات وطموحه والحامل لكل قيم النرجسية القاتلة، فيما بقي يواجه عقبات رسمية عربية أبرزها القضية الفلسطينية تليها حسابات ومواقف أنظمة عربية تتمثل في سوريا والعراق والجزائر وليبيا والسودان وهذه الأنظمة كانت تمثل شكلاً من أشكال التحدي أمام طموح فيصل في زعامة الأمتين العربية والإسلامية، إلا أن الرجل بدهائه المقتبس من دهاء والده مؤسس النظام، عمل على استقطاب مجاميع ثقافية وسياسية واقتصادية وأكاديمية من النخب العربية المنتمية لمختلف التيارات السياسية والمدارس الفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومنحهم مكانة في بلاط الحكم وأغدق عليهم بالإمكانيات المادية ثم راح يطوع رأس النظام في مصر مقدما له كل أشكال خاصة في مواجهة التيار القومي واليساري ورافعا شعار الرغبة (في الصلاة داخل المسجد الأقصى)..!
ومع تفجر حرب أكتوبر 1973م سجل الرجل موقفا أشاد به العرب والمسلمون وأحرار العالم المناصرون للقضايا العربية، حين اقدم على قطع النفط عن أمريكا والغرب وأوقف أعمال الشركات النفطية الأجنبية في البلاد..!
وكان المناخ الجيوسياسي مؤهلا لمنح السعودية مساحة نفوذ على الخارطة إلا أن هذا الحلم سرعان ما تبدد بقبول السادات رؤية ومبادرة وزير خارجية أمريكا (هنري كيسنجر) ورجل الأعمال الأمريكي (روكفلر) صاحب (بنك مانهاتن) واحد أكبر أثرياء العالم وأحد صناع القرار الأمريكي، وكانت خطتهما- أي كيسنجر وروكفلر- تتمحور في إقناع السادات بإنهاء حالة العداء مع الكيان الصهيوني وهذا ما تحقق ليخرج السادات بعد بدء محادثات الكيلو 101 على طريق الإسماعيلية بين قادة عسكرين صهاينة ومصريين وبحضور أمريكي ليصرح بأن (حرب أكتوبر هي آخر الحروب)، وأدرك فيصل أن هناك لعبة أمريكية تستهدف دور بلاده الجيوسياسي، فانقلب على السادات حين زاره يطلب دعما لمصر لتعويض خسائرها في الحرب ورفض فيصل تقديم دعم للسادات الذي طلب خمسة مليارات دولار من الدول العربية النفطية، فكانت السعودية أول المعتذرين وطبعا ليبيا كانت في حالة خصومة مع السادات وحذت دول الخليج الأخرى حذو الرياض، واعتذرت العراق فيما الجزائر التزمت بسداد ديون مصر للاتحاد السوفيتي الذي قطع السادات علاقته به قبل حرب أكتوبر وطرد الخبراء السوفيت من مصر، رغم انه خاض الحرب بسلاح السوفييت..!
كان كيسنجر قد أجرى حوارا ساخنا مع فيصل لإقدامه على إيقاف تصدير النفط وإيقاف أعمال الشركات الأجنبية في المملكة، وضمن ما قاله كيسنجر للملك فيصل (إن هذا النفط ملكنا ونحن من نتحكم به وليس انتم، فأنتم لستم إلا قبائل متخلفة، نحن من أقعدناكم على براميل النفط)، فكان رد فيصل (نعم نحن قبائل وبدو كما زعمت ولا ننكر اصلنا، وبإمكاننا إحراق هذه الآبار والعيش بدونها وسنعود لعادتنا في اعتلاء الخيول والابل ولا نحتاج سياراتكم)..!
فكانت الحصيلة تصفية الملك فيصل علي يد ابن أخيه بإيعاز أمريكي، وقيل إنه مختل عقليا..!
التخلص من فيصل جعل أمريكا تحكم السيطرة على أسرة آل سعود وإعادتها إلى مسارها الصهيوني الاستعماري، ليعتلي العرش الملك خالد الذي شهد عهده تطور الحرب الأفغانية والصراعات الدامية في اليمن بشطريه، وأحداث جهيمان العتيبي والثورة الإيرانية، وكان لا بد من تحصين النظام، فتم التخلص من الملك خالد عن طريق (حقنه بإبرة مسمومة خلال قيامه بإجراء فحوصات طبية روتينية في أحد مستشفيات البلاد) ويقال إن من تكفلت بإعطائه الحقنة المسمومة هي ابنة الملك فهد..!
مثَّل عهد الملك فهد عهد (الزواج الكاثوليكي المقدس بين الوهابية والصهيونية) بعد أن منحت اتفاقية كامب ديفيد للنظام السعودي شرعية العبث بالمشهد العربي /الإسلامي، وكما كان مبارك في مصر أخطر وأهم من خدم الصهاينة والأمريكان، كان عهد فهد بمثابة العهد الذهبي للصهاينة والأمريكان في المنطقة..!
لتدخل المنطقة في دائرة الفوضى والعبث، وتدشين فكرة الصراع العربي -الإيراني، بهدف إسقاط الثورة الإيرانية ثأرا لإسقاطها الشاه صديق الصهاينة والأنظمة العربية العميلة وشرطي أمريكا في المنطقة..!