الخطر الأكبر الذي يهدد بزوال نعمة الله في غيل حبان

أ.د. عبدالعزيز صالح بن احمد بن حبتور *

قال تعالى: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) أربع كلمات كافية شافية وافية، وهذا دليل منقطع النظير للمؤمن والمسلم وللإنسان ودافع لهم لحمل لواء التقديس لهذه المادة الحيوية التي تشكل عصب الحياة، ثم يلحق قول الحق تبارك وتعالى حينما قال:(وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) هذه أيضاً الإنارة القطعية الثانية ومن الأدلة التي تصبغ هذا المادة بهذه القدسية.
فقد وهب الله -جل في علاه- نعمة انسياب وجريان المياه النقية الصافية العذبة الصالحة للشرب والغسل والوضوء والتطهر من مياه غيل حبان، وعلى مدار العام، وقد توارث سكان غيل حبان، أو المسمى الطارئ له بغيل «السعيدي» هذه النعمة الربانية جيل بعد جيل وللأسف لا نعرف تاريخ محدد وحقيقي وموثق لأول مجموعة بشرية سكنت هذه البقعة الطاهرة من أرض واد حبان الشهير جهة منطقة حضرموت، نكرر أنها نعمة ربانية خالصة كانت ستبقى مكسب لسكانها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لو تمت المحافظة على هذه النعمة السماوية.
لكن يُقال في الأمثال والحكم القديمة بأن دوام الحال من المحال، ومنذ ما يقارب العشرين عاماً ونيّف حلت على أهل غيل حبان كارثة ومصيبة -والعياذ بالله- وحولت تلك النعمة الإلهية إلى ما يشبه النقمة القاتلة التي ستلحق الخراب والدمار وزوال النعمة أعلاه، وبالتالي سيغادر جميع سكانها من على ضفاف الوادي الخضير المسمى واد حبان.
ما هي تلك المصيبة والكارثة التي حلت بالغيل منذ ما يقارب العشرين عاماً ونيّف؟
مع تطور الحياة المعيشية وارتفاع منسوب الطلب الإنساني والاجتماعي على مشاريع توسع مياه الشرب للمواطنين، وهذا جاء نتاج ازدياد موجات الهجرة للداخل اليمني والى الخارج، وازدياد مداخيل المواطنين وارتفاع مستوى معيشتهم ومداخيلهم الشهرية والسنوية، وتوسع دعم المجتمع من مؤسسات خيرية خاصة وحكومية وربما أجنبية.
من هنا جاءت مشاريع مياه الشرب لمعظم سكان غيل حبان، لكن لم يصاحبها حتى مجرد التفكير للأسف في أمر تصريف المياه العادمة ومخلفات الصرف الصحي، وهنا جاءت الكارثة.
ماهي تلك الكارثة التي ستلحق أو قد لحقت بأهلنا في غيل حبان؟
الأدهى والأمر هنا أن مُعظم السكان في الغيل من جميع الفئات العمرية وكل المستويات العلمية الأكاديمية والثقافية والفكرية، ولا حتى فقهاء الدين الإسلامي المجتهدين وأهل الاختصاص الشرعي ما ولم يولوا هذه المصيبة أدنى اهتمام، والجميع الجميع دون استثناء ينتظر معجزة خارقة تهبط عليهم من السماء السابعة لتوقظهم وتوقظ ضمائرهم، وتُزِل الغمامة والغشاوة عن بصرهم وبصيرتهم!!!
نحن نعيش في القرن الخامس عشر من التاريخ الهجري، أي في العام 1445هـ، وقد ورثنا تراث إسلامي ثري وحافل بالتعاليم الإسلامية الحقة، وقد نهانا الله العظيم ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن لا ندنس الطريق وألاَّ نضع الإعاقات فيها، وألاَّ ننجس المياه العذبة الصالحة للشرب والري والوضوء والتطهر، أين نحن يا أهل الغيل من كل تلك التعاليم والتوجيهات؟
وإليكم يا أهلنا ويا إخواننا ويا أبناءنا الكرام ويا معشر الناس الساكنين بجوار غيل حبان وغيل الغُرير ونبع تموره العذب العديد من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة بهدف الاستيقاظ والصحوة من غفوتنا وسباتنا وغيبوبتنا (وزمبلتنا العبثية).
1- نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن التبول في الماء الراكد.. فقال: «لا يبولَنّ أحدُكم في الماءِ الراكدِ.. ثم يغتسلُ فيه».
«لا تَبُل في الماءِ الدائم الذي لا يجري.. ثم تغتسل فيه» رواه مسلم.. وابن ماجة والنسائي، الترغيب والترهيب، ج1ص84.
2- نهى النبي صلوات الله عليه وعلى آله عن التبول على الحجر الملساء.. أو على الأرض الصمّاء حتى لا يتطاير البول.
3- قال صلى الله عليه وآله وسلم:
* «اتقوا الملاعنَ الثلاثَ:
البراز في موارد الماء
وقارعة الطريق
والظلّ».
رواه أبو داود في-كتاب الطهارة، ج1ص7.
هذا الحديث النبوي الشريف يؤكد حرص الإسلام على سلامة البيئة من كل ما يلوّثها ويؤذي الناس.. ويضر صحتهم.. ويعمل على نشر الأوبئة السارية.. والجوائح المرَضية.. وانتقال الأمراض.
وفي الحديث:
«من آذى المسلمين في طُرُقِهِم.. وجبت عليه لعنتهم» رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن، الترغيب والترهيب للمنذري ج2- ص83..
فكيف بمن آذى المسلمين في غيولهم.. وسيولهم.. وآبارهم.. ومزارعهم.. ومصادر شربهم.. لقد استوجب من يفعل ذلك (اللعنة): أي الطرد من رحمة الله..
اتقوا اللعانين:
– الذي يتخلى في طريق الناس.
– أو في ظلهم..
رواه أبو داود في (كتاب الطهارة).. باب (المواضع التي نهى النبي عن التبول فيها.. سنن أبي داود ج1ص7..
* وهذا النهي النبوي بالوعيد الشديد.. واللعن الأكيد.. والطرد من رحمة الله.. موجّه لفرد واحد يتبول في الطرقات. أو مجاري السيول والغيول والأودية.. أو لمن يبول تحت ظلال الأشجار..
فما بالكم بمن يرمي مياه الصرف الصحي.. ويلقي بكل النجاسات في مجرى غيل حبان.
* ومخلفات الغسيل.. وفيها البراز والبول.. ودماء الحيض والنجاسات.. وغسل الجنابة… يرمي كل ذلك في المياه الصالحة للشرب التي يستخدمها الإنسان العاكف فيه والباد!!
وفي هذه الأحاديث النبوية علاج وقائي من تلوّث المياه حتى لا تنقل الأوبئة والأمراض.. ولكي يشرب الناس المياه وهي نقية صافية ليس فيها شوائب..
ولأن هذا يؤثر على صحة الإنسان.. وإنتاجية النبات والمحاصيل..
* إذ أن الإسلام يأمرنا بأن نبعد ونزيح كل ما يؤذي الناس.. فقد صح الحديث:
*»وإماطتُكَ الحجرَ والشوكَ والعظم عن الطريق صدقةٌ لك»..
-أخرجه الترمذي وحسنه مرفوعاً في سُبُل السلام ج4ص568..
فكيف بمن يلقي ويرمي القمامات والأوساخ ومياه المجاري في موارد المياه التي يشرب منها المسلمون؟!..
ومثلما يجب إماطة وإبعاد الأذى عن طرقات المسلمين.. يجب كذلك إبعاد الأذى عن مسارب الغيول والسيول والوديان.. بحسب القاعدة النبوية «لاضرَرَ ولاضِرار»..
وقد ورد في بعض الروايات
* «من آذى مسلماً فقد آذاني.. ومن آذاني فقد آذى الله»..
فيا عباد الله.. اتقوا الله.. فإن من آذى (مسلماً) يعني مسلم واحد فقط..
فكيف بمن آذى المسلمين أجمعين.. والمسلمات جميعاً وهم المنتفعين من زراعة الغيل ومن شربه والتطهر منه.
ألا يخاف الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات.. من عقوبة الله.. فإنهم يؤذون الله ورسوله.. قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا).. الأحزاب:58..
إلى أهلنا الكرام الأعزاء في غيل حبان ونبدأ من قرية الصفاة شمالاً مروراً بقرى الصُر والمشباب والمعافر والرديحة والنبوة وكرب ودبون والعادية والغُرير وقرن بامحرز أو قرن الحبيب الهاشمي مولى الصاع:ــ
لقد أوردت أعلاه جملة من الآيات القرآنية الطاهرة من كتاب الله عز وجل، وعدد من الأحاديث النبوية الشريفة باعتبارنا جميعاً مسلمون سنيون صوفيون أقحاح، ولأهلنا في هذه البقعة المميزة الطاهرة آثار ودروس وحكم تاريخية عظيمة يتشرف بالانتساب لهم كل إنسان شريف ومحترم وعاقل ومُصلح، تلك التعاليم الإسلامية تخص كل فرد وعائلة وأسرة تسكن وتنتمي للغيل، وتلك التعاليم الإسلامية تطلب من كل مسلم أن يستوعبها ويتفهم لها ويعمل بها، وإلا ما فائدة وما جدوى الادعاء بالانتماء لدين الله وسنة نبيه، والحليم منا قد أوعز الله ونبيه الكريم بأن يكون إنساناً صالحاً مفيدا لواقع الحال المحيط به من أهله وذويه وأقاربه وأحبابه ومحبيه.
هذه ذكرى ومُذكرة علّ الحق تبارك وتعالى بأن يغفر بها لنا ما اقترفته أيادينا من ضُر وأذى بغيلنا الحبيب ومياه الله العذبة التي سخّرها لنا ووهبنا إياها كرماً وعطفاً وعطاءً سخياً دوناً عن غيرنا في المنطقة الذين يتمنون مجرد الأُمنية أن يكونوا من سكانها أو المنتمين إليها، والله أعلم منا جميعاً.
إنني أذكر أهلنا جميعاً في غيل حبان بما سيخلفه ذلك السلوك غير السوي وغير الصائب من تصريف المياه العادمة وبقايا مخلفات الصرف الصحي وقذفها في مجرى الغيل النقية أو حتى بجواره، وما سيخلفه من أمراض قاتلة خطيرة وأوبئة مدمرة، وفوق هذا وذاك بأن نتحمل آثام ومعاصي الدنيا والدين، طالما وديننا الإسلامي الحنيف قد نهانا عنه ومنعنا منعاً باتاً من القيام به.
قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟!
(وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ).

*رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال

قد يعجبك ايضا