لاتزال القصيدة تواصل دورها الثوري وحضورها الإبداعي الحامل سماتها الموغلة في أرضية الثبات والصمود رغم بساطة لغتها التي يظن المتلقي بسهولة التعامل معها.
بلغة واضحة وبكلامتها الصامدة ومعانيها الخالدة كتبها شاعرها المبدع الراحل سميح القاسم وحدد لها هدفها واتجاهها وأطلقها في سماء النضال الفلسطيني وأحرار العالم.. فكانت القصيدة القذيفة والقصيدة القاهرة التي لا تعرف الصمت أو الهمس.. إنها قصيدة النشيد الإنسانية المناضل الباحث عن حقه في الحياة والكرامة والعزة..
هذه القصيدة (تقدموا.. تقدموا) رغم أنها كتبت في أيام الانتفاضة الأولى إلا أنها صارت قصيدة النضال الفلسطيني الخالد.. تجدها في مقدمة المسيرات والمواجهات ضد العدو الصهيواني.. رافعة صوتها الحر الأبي الشامخة قائلة له: هذا وطني وهذا التراب ترابي وليس سواي من يملكه ويتصرف فيه.. أنها أرضي.. ووطني.. ولي سوى المحتل أن يرحل من وطني العظيم.. الذي ترفرف في سمائه ألوانها فقط.
***
تقدّموا
تقدّموا
كل سماء فوقكم جهنّمُ
وكل أرض تحتكم جهنمُ
يموت منّا الطفلُ والشيخُ
ولا يستسلمُ
وتسقط الأم على أبنائها القتلى
ولا تستسلمُ
تقدموا
تقدموا
بناقلات جندكم
وراجمات حقدكم
وهدّدوا
وشرّدوا
ويتّموا
وهدّموا
لن تكسروا أعماقنا
لن تهزموا أشواقنا
نحن القضاء المبرمُ
تقدموا
تقدموا…
طريقكم وراءكم
وغدكم وراءكم
وبحركم وراءكم
وبركم وراءكم
ولم يزل أمامنا
طريقنا
وغدنا
وبرنا
وبحرنا
وخيرنا
وشرنا
فما الذي يدفعكم
من جثة لجثة
وكيف يستدرجكم
من لوثة للوثة
سفر الجنون المبهم
تقدموا
وراء كل حجر
كفُّ
وخلف كل عشبة
حتفُ
وبعد كل جثة
فخٌّ جميل محكم
وإن نجت ساق
يظل ساعدٌ ومعصمُ
تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل ارض تحتكم جهنم
تقدوا
تقدموا
حرامكم محلَّلُ
حلالكم محرم
تقدموا بشهوة القتل التي تقتلكم
وصوبوا بدقة لا ترحموا
وسدّدوا للرحم
إنّ نطفة من دمنا تضطرم
تقدموا كيف اشتهيتم
واقتلوا
قاتلكم مبرَّأ
قتيلنا متّهمُ
ولم يزل رب الجنود قائمًا وساهرا
ولم يزل قاضي القضاة المجرم
تقدموا
تقدموا
لا تفتحوا مدرسة
لا تغلقوا سجنا
ولا تعتذروا
لا تحذروا
لا تفهموا
أوّلكم
آخركم
مؤمنكم
كافركم
وداؤكم مستحكم
فاسترسلوا واستبسلوا
واندفعوا وارتفعوا
واصطدموا وارتطموا
لآخر الشوق الذي ظلّ لكم
وآخر الحبل الذي ظل لكم
فكل شوق وله نهاية
وكل حبل وله نهاية
وشمسنا بداية البداية
لا تسمعوا
لا تفهموا
تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل أرض تحتكم جهنم
تقدموا
تقدموا
لا خوذة الجندي
لا هراوة الشرطي
لا غازكم المسيل للدموع
غزة تبكينا
لأنها فينا
ضراوة الغائب في حنينه الدامي للرجوع
تقدموا
من شارع لشارع
من منزل لمنزل
من جثة لجثة
تقدموا
يصيح كل حجر مغتصب
تصرخ كل ساحة من غضب
يضج كل عصب
الموت لا الركوع
موت ولا ركوع
تقدموا
تقدموا
ها هو قد تقدم المخيّم
تقدم الجريح
والذبيح
والثاكل
والميتّم
تقدمت حجارة المنازل
تقدمت بكارة السنابل
تقدم الرضع
والعجز
والأرامل
تقدمت أبواب جنين ونابلس
أتت نوافذ القدس
صلاة الشمس
والبخور والتوابل
تقدمت تقاتل
تقدمت تقاتل
لا تسمعوا
لا تفهموا
تقدموا
تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل أرض تحتكم جهنمُ.