(بايدن) والمبادرة المشبوهة…؟!

طه العامري

 

 

طبخت واشنطن بالشراكة مع الكيان مبادرة إنقاذ الكيان وإخراجه من مستنقع غزة الذي ادخل نتنياهو وعصابته الكيان فيه، كان الاتفاق أن تبقى المبادرة سرية حتى يحقق الكيان وان بعضاً من أهدافه المعلنة، لكن وبعد أكثر من شهر من صياغة المبادرة وأكثر من أسبوعين من دخول جيش الاحتلال إلى مدينة رفح واحتلال المعبر ومحور فلاديلفيا أو صلاح الدين، لم يجد الرئيس الأمريكي بداً من إعلان المبادرة وفرضها على حلفائه الصهاينة ليس بدوافع إنسانية ولا رحمة بأطفال فلسطين ، ولا إنقاذا لسكان قطاع غزة، بل أعلن بايدن المبادرة رغبة منه في إنقاذ الكيان الصهيوني وإخراجه من مستنقع الهزيمة الذي يوما بعد يوم يفقد فيه الكيان المزيد من قدراته ومهاراته وصورته، فيما الضغط الدولي يلتف حول الكيان، ودول كانت صديقة له أخذت تقطع علاقتها به وتغلق سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية وطرد ممثلي الكيان من عواصمها..
المهم أن مبادرة بايدن التي تم صياغتها بالشراكة مع الكيان، تحولت إلى أزمة بين أمريكا وحليفها المدلل بعد أن فجرت المبادرة بصيغتها الأمريكية _الإسرائيلية خلافا علنيا داخل القيادة الصهيونية من جهة وبين القيادة الصهيونية والبيت الأبيض من جهة أخرى، وفيما تؤكد واشنطن أن المبادرة هي بالأصل (إسرائيلية) تقول إسرائيل أن ما قدمه بايدن فيه الكثير من النواقص، وفيما جاهرت القيادة الصهيونية برفضها المبادرة تطلع واشنطن وتصرّ في كل تصريحاتها بأن الكرة في ملعب حماس..!
حالة إرباك بين واشنطن والكيان، وحماس التي رحبت بالمبادرة وفق الضوابط التي سبق وان سلمتها للوسطاء.
أمريكا وجدت نفسها في حالة إرباك من موقف نتنياهو وحكومته، ومع ذلك تذهب لمطالبة المقاومة بالقبول بالشروط الصهيونية، في ذات الوقت تواصل واشنطن الضغط على الوسطاء للضغط على حماس للقبول بما لم يقبل به الكيان الصهيوني بعد..!
التصريحات التي يطلقها مسؤولو البيت الأبيض تتناقض مع تلك التي تأتي من الصهاينة وتختلف بالمطلق عن تلك التي يتحدث بها الوسطاء وخاصة ما حمله بيان الوسطاء الأخير بعد اجتماعهم بالقاهرة..!
حماس التي رحبت بكل إيجابي حمله بيان الرئيس الأمريكي، وأكدت على ثبات مطالبها التي أبرزها وقف إطلاق نار دائم وتبادل أسرى، وإدخال المساعدات وفتح المعابر والانسحاب الكلي من قطاع غزة..
الملاحظ أن البيت الأبيض مؤخرا وفي آخر التصريحات الصادرة من واشنطن يؤكد أنه ينتظر الرد الإسرائيلي؟!
فإذا كانت المبادرة إسرائيلية أصلاً فكيف تنتظر واشنطن الرد؟ وان كانت أمريكية لماذا لم تصرح بهذا واشنطن وتقول إنها فرضت هذه التخريجة بهدف إنقاذ إسرائيل خشية أن تجد نفسها منبوذة دوليا ومحاصرة إقليميا، ولماذا تربط واشنطن مبادرتها بالتطبيع مع الرياض مع أن الرياض أعلنت صراحة إنها لن تعترف بالكيان قبل قيام الدولة الفلسطينية التي لا تريدها واشنطن، ولا يريدها الصهاينة..؟!
وما هي الغاية من توجيه أصابع الاتهام إلى المقاومة ومطالبتها بسرعة قبول المبادرة وأنها فرصة مناسبة لها والشعب الفلسطيني، مطالبة مقرونة بالتهديد بأن في حال عدم قبولها فإن إسرائيل سوف تواصل الحرب..!
حالة إرباك مركب تعيشه واشنطن والكيان وربما حتى الوسطاء الذين لم يصرحوا بمواقفهم وسط صخب التناقضات المتبادلة صهيونيا وأمريكيا..!
و اللافت أن هذا الصخب القائم بين واشنطن وتل أبيب اقترن بحملة اتصالات مكثفة يجربها البيت الأبيض مع عدد من زعماء المنطقة، وكذلك يفعل وزير خارجية أمريكا، يحدث كل هذا دون أن يغفل أطرافه دعواتهم للمقاومة بسرعة قبول المبادرة وان لا تتأخر بالرد عنها، في الوقت الذي لم توافق إسرائيل عليها، وواشنطن تبدو عاجزة عن فرضها على حليفها الصهيوني، ثم تتحدث مع الوسطاء عن ضرورة الضغط على المقاومة وحركة حماس وكأن واشنطن تريد من حماس أن تخرج حاملة الراية البيضاء تقول لبايدن (لبيك اللهم لبيك حماس والمقاومة وقيادتها بين يديك مر تطاع )..؟!
فالمبادرة قطعا ملغومة، ورغم ذلك تعكس وتعبّر عن حقيقة هزيمة الكيان وجيشه رغم دعم أمريكا والعالم له، ويدرك الكيان وقادته وجيشه وأجهزته هذه الحقيقة ويعرفون انهم هزموا على يد المقاومة في أكتوبر الماضي، وهزموا في المواجهة الميدانية طيلة ثمانية أشهر لم يحققوا أيا من بنوك أهدافهم المعلنة.. لكن واشنطن من خلال المبادرة تسوق لهم نصرا أخر بديلاً وهو التطبيع مع السعودية الذي تحاول تسويقه واشنطن وكأنه نصر للكيان بديلا عن النصر العسكري الميداني..!
الأمر الأهم أن واشنطن ترى ما لم يره القادة الصهاينة، وهو خوف واشنطن من عزلة دولية تحيق بهذا الكيان، واتساع دائرة الصراع وخروجه عن النطاق الفلسطيني وجبهات الإسناد ليتحول إلى صراع إقليمي شامل، الأمر الثالث والأخير هو رغبة واشنطن بإنها نيران المنطقة والتفرغ لحربها في أوكرانيا التي تشكل قلقا لها على ضوء تقدم الجيش الروسي في أكثر من جبهة من جبهات الحرب..
إذا من سيجبر الآخر نتنياهو أو بايدن؟ أم تبقى المبادرة بيد المقاومة وهي صاحبة القرار الأخير في المعادلة؟ هذا ما سوف تكشف عنه تداعيات الأيام المقبلة.

قد يعجبك ايضا