الثورة / دينا الرميمة
على مدى مِائتَي يومٍ ونيِّفٍ من عمر الطوفان الفلسطيني وتطوُّرِ أحداثه والدعم اليمني العظيم له أصبح يتسلَّلُ إلى الأرواح المتعبة بجرح غزة وَفلسطين دفقةُ يقين أننا نعيشُ زمن تحرير فلسطين وأن تحريرها بات قريبًا، لا سيما أن الشعوب قد أصبحت تقف مع قضيتها التي كادت تطمر بعد أن عملت الصهيونية على تدجين أدمغتنا بأن تحريرها لن يكون إلا مع خروج المسيح وقرب قيامة الرحمن على الأرض، وجعلوا منها ثقافة آمَن بها الخانعون فانضموا إلى صَفِّ الصهيونية تطبيعًا أو صمتًا على احتلال الأرض وَالمقدسات، بينما رفضتها قلوب تؤمن بأن فلسطين عربية من البحر إلى النهر لا عبرية وأنه لا وطن لليهود الذين أودى بهم سوءُ فعالهم إلى التيه والشتات في أصقاع الأرض، كما ذكر ذلك الله في محكم كتابه، وَأثبته صمود الشعب الفلسطيني المتمسك بأرضه ومن ثم فجر السابع من أُكتوبر وما تلاه من حرب إبادة ارتكبها الكيان الصهيوني في غزة.
وإذا ما أتينا إلى جبهة الدعم اليمنية سنرى أنها الجبهة الأكثرُ دعمًا للطوفان الفلسطيني منذ لحظته الأولى ومنذ الخطاب الأول الذي ألقاه السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ثاني أَيَّـام الطوفان، بارك فيه عملية القسام البطولية وأدان فيه الحرب التي أشعلها الكيان الصهيوني على غزة والدعم الأمريكي والغربي لهذه الحرب مقابل صمت عربي وخِذلان لغزة وفلسطين، وفيه أطلق وعدًا للشعب الفلسطيني بأنهم ليسوا وحدَهم وأن اليمن ستكون معهم قولًا وفعلًا، وأن اليمنيين على أتمّ الجهوزية للمشاركة في المعركة، ووجّه تحذيرَه إلى الكيان الصهيوني من أن أي تجاوز للخطوط الحمراء سيجعلُ الصواريخ وَالمسيَّرات اليمنية تتساقط ويلاً وثبوراً عليهم!!
وبات لفلسطين كُـلَّ أسبوع خطابٌ للسيد القائد يحصي فيها الجرائم التي يرتكبها الصهاينة بغزة وانتصارات المقاومين، ويدعو الشعوب إلى التحَرّك الجَادِّ لنصرة غزة، وفيهِ يعلن تدرج الجبهة اليمنية في إسناد المقاومة؛ ابتداءً من المظاهرات كُـلّ جمعة في كُـلّ الساحات اليمنية التي لبست ثوبًا فلسطينيًّا؛ دعمًا لغزة ومقاومتها.
ومن ثَمَّ العمليات العسكرية بالصواريخ والمسيرات اليمنية إلى العمق المحتلّ؛ انتصارًا لغزة، وَكانت بداية إعلان دخول اليمن بشكل مباشر في المعركة تنفيذ الوعد الذي أطلقه للشعب الفلسطيني.
ومن ثَم إعلانه الحرب الاقتصادية على الكيان الصهيوني عبر الحصار لهم في المياه اليمنية وجعلها محرمة على السفن الصهيونية حتى رفع الحصار عن غزة، ثم منع سفن الدول الأُخرى من الوصول إلى ميناء أُم الرشراش المحتلة عبر المياه اليمنية.
إلى إعلانه جولة ثالثة من التصعيد في منع السفن الصهيونية وَالأمريكية وَالمرتبطة بالكيان الصهيوني في المحيط الهندي، وُصُـولاً إلى إعلانه عن جولة رابعة من التصعيد باستهداف كافة السفن المخترقة لقرار حظر الملاحة الإسرائيلية والمتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلّة من البحر الأبيض المتوسط في أية منطقة تطالها أيدي القوات اليمنية، وإذَا اتجه العدوّ الإسرائيلي لشن عملية عسكرية عدوانية على رفح فَــإنَّ اليمن ستفرض عقوبات شاملة على جميع سفن الشركات التي لها علاقة بالإمدَاد والدخول للموانئ الفلسطينية المحتلّة من أية جنسية كانت!!
الجدير بالذكر أن كُـلّ عمليات القوات المسلحة اليمنية في الجولات الثلاث كانت ناجحة ولم يستطع التحالف الذي تقوده أمريكا في البحر الأحمر والعربي والمحيط الهندي، التصدي لها وكان لها تأثيرها الكبير على الاقتصاد الصهيوني وتوقف ميناء “إيلات” عن العمل.
ومع هذا الفشل الذي تعيشه أمريكا في البحر، لجأت إلى حربِ المعلومات بقيادة الخائن عمار صالح وبعضِ خونة اليمن، وسرعان ما تم إحباطُ مؤامراتهم؛ ليكون هذا انتصارًا استخباراتيًّا إلى جانب النصر العسكري؛ ما جعل الكثير يتساءل عن سِرِّ هذه الاستماتة لليمنيين وقائدهم في الوقوف مع فلسطين؛ الأمر الذي جعلهم في أَتون حرب جديدة مع أمريكا، وما مصدرُ قوة اليمن التي ما زالت تعيشُ حربًا منذ تسع سنوات لم تنتهِ بعد؟؟
الجواب أن موقف اليمن الداعم لفلسطين ما هو إلا نتاج الوعي الذي أحدثه فيهم المشروعُ القرآني للسيد حسين بدر الدين الحوثي منذ عقدَينِ ونيِّف من الزمن ومن ثَمَّ نماه السيد عبدالملك عن خطر أمريكا والصهيونية وإحياء قضية فلسطين بخطاباته التي لم تخلُ من ذكرها؛ فخلقوا لدى اليمنيين وعيًا دفعوا ثمنه سنوات تسع من الحرب عليهم لاجتثاث هذا الوعي ولجعلهم خانعين لأمريكا وأذنابها من الصهاينة والعرب، غير أن حربهم ما زادت اليمن إلا قوة باتت تؤرقهم ويحسبون لها ألفَ حساب، وَعجزوا عن التصدي لها أَو النيل من هذا الوعي الذي كان لليمن السبق فيه وَبات اليوم ثقافة الشارع العالمي المنادي بالحرية لفلسطين وإدانة الكيان الصهيوني ودحض مخطّطاته للقضاء على الحُرية والإنسانية.