إذا كنت عميلا مخلصا ووفيا لأمريكا ولم تقبل أن تكون كذلك بالنسبة للكيان الصهيوني وإن سرا، فإن أمريكا ستعمل على الإطاحة بك والتخلص منك..!
أن تكون عميلا وفيا لأمريكا وإن بنسبة 100٪ وأكثر من أي مواطن أمريكي، ولم تقبل أن تكون عميلا للكيان الصهيوني وعاشقا له، ليس بالضرورة علنا، بل سرا أيضا وأن تعمل كل ما بوسعك لمصلحته والدفاع عنه بطريقة تبدو مقبولة ومنطقية وغير ملفته للأنظار، إن لم تعمل كذلك، فلن ترضى عنك واشنطن وستعمل على أن تلقي بك في أول مزبلة دون أن تراعي وفاءك وإخلاصك لها..
إن الكيان الصهيوني بالنسبة لأمريكا في منزلة (القديس) الواجب عبادته..!
وقد أدرك الكثيرون هذه الحقيقة منذ عقود، فعملوا على أن يجعلوا من (تل آبيب) مفتاحاً، يفتحون به أبواب (البيت الأبيض)..!
لكن عليك أن تدرك أنك ومهما قدمت خدمات لأمريكا والكيان الصهيوني ومهما كانت أهميتها واستراتيجيتها، أو كانت تبعاتها، قد أنقذت الكيان وخدمته أو غيرت مسار تاريخه، فإن كل هذا قد ينتهي إذا عبرت في لحظة عن غضبك أو تذمرك من تصرفات هذا الكيان..!
.. لا أعتقد أن (السادات) مثلا كان أكثر من خدم أمريكا والكيان الصهيوني من خلال اتفاقية (كامب ديفيد) وإقامة (السلام مع الكيان)، فهناك حكام وأنظمة عربية وشخصيات ونخب عربية خدمت الكيان ولاتزال تخدمه أكثر بكثير مما قدم (السادات)..!
السادات يمكن أن يكون قد أزال الحواجز النفسية وهدم (سورا) كان مشيدا بين الأمة والكيان، السادات أحدث ثغرة في هذا السور يمكن أن نشبه عمل السادات بعمل (فأر سد مارب)..!
غير أن كاريزمية السادات ونرجسيته وإحساسه بالعظمة التي زرعها في نفسه صديقه الثعلب (هنري كيسنجر) وصديقه الآخر الأكثر مكرا ودهاء (روكفلر- رئيس مجلس إدارة بنك مانهاتن) أحد أكبر بنوك الرأسمالية الحاضن لكل ثروات العالم المنهوبة التي نهبها أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة والسمو، إضافة لثروات كبار المسؤولين العرب والمسلمين ورجال المال والأعمال..
قبل اغتيال السادات ببضعة أشهر أقدم رئيس وزراء الكيان الصهيوني على استصدار قرار صادق عليه الكنيست قضى باعتبار هضبة الجولان العربية السورية جزءا من أرض دولة (إسرائيل) واعتبار (القدس عاصمة لدولة إسرائيل) هذا القرار أثار غضب السادات الذي لم يتردد في استدعاء السفير الصهيوني في القاهرة طالبا منه أن يغادر القاهرة فورا حاملا رسالة شفوية من السادات لرئيس وزراء الكيان مناحيم بيجين فحوى الرسالة أنا أنور محمد السادات- رئيس جمهورية مصر العربية، مصر التي عبر جيشها القناة، وكان بمقدوره الوصول إلى (تل أبيب)، لو لم يجد نفسه يحارب أمريكا وهو في وسط سيناء، وان من صنع الحرب هو أيضا من صنع معك السلام، فأنا بطل الحرب والسلام وقد اتفقنا وبرعاية أمريكية أن لا يتخذ قرار ضم الجولان والقدس، حتى لا يضعنا أمام واقع محرج، فلست أنا من اضحي بمصالح الأمة من أجل مصلحة بلدي، وأضاف السادات مخاطبا السفير الصهيوني: بلغ بيجين احتجاجي وغضبي، وبلغه أنني من عملت معه السلام وانا مستعد أن ألغيه إذا بقي يمارس سياسة لي الذراع، بلغه أن السادات ليس من أولئك الذين يقبلون بمنطق الأمر الواقع)..!
كانت المخابرات الصهيونية والأمريكية والغربية بشكل عام دارسة سيكولوجية السادات وطغيان نرجسيته وحبه في البروز والشهرة ربما لمعاناته من عقدة الشعور بالنقص خلال فترة زعامة ناصر..!
يقول (الأستاذ هيكل) -رحمة الله عليه- :فوجئت ذات مرة بالرئيس السادات يطلبني هاتفيا بعد منتصف الليل، تصورت أن الرئيس لن يتصل بمثل هذا الوقت إلا إذا كان هناك أمر جلل، فسارعت إليه لأجده يبلغني أن إحدى أهم كبرى المجلات الأمريكية نشرت صورته على غلافها للمرة الثانية خلال عام، وهذا لم يحدث مع عبدالناصر التي نشرت المجلة صورته لمرة واحدة حين أمم شركة قناة السويس..!
كانت المخابرات الصهيونية والأمريكية على يقين أن السادات قد ينسف كل شيء تم إنجازه، لذا عملوا على تصفيته وهو بين قواته التي عبر بها (خط بارليف) ويوم عيد نصره وعلى يد (أبنائه، أو أولاده)، إذ كان يطلق على الجيش اسم (أولادي) وفي هذا تدليل ورسالة واضحة تعبر عمَّن أرسلها والأهداف المرجوة منها .!
بمعزل عن مزاعم الجماعات الإسلامية وقصة (الزمر، والإسلامبولي) اللذين قد يكونا بدورهما لا يعرفان أن ثمة جهة شيطانية سهلت لهما مهمة القيام بتصفية السادات، وهما على قناعة انهما بطلا العملية تماما كقناعة (بن لادن والقاعدة) انهما من قاما بتفجيرات 11ايلول سبتمبر في أمريكا..!
كان من خطط لتصفية السادات قد أعد البديل، والبديل الاستراتيجي بنظرهم الذي خدم (الكيان الصهيوني) أكثر بكثير مما فعله السادات وقدمه..!
قد يستغرب القارئ إن عرف أن أكثر من خدم الكيان هو الرئيس مبارك، لكن أكثر منه ولاء للكيان هما النظامان (الأردني والمغربي) وهذان النظامان قدما للكيان الصهيوني ما لم تقدمه سابقا وحاليا أنظمة الخليج مجتمعة..!
بيد أن سياسة أمريكا تعتمد بعلاقتها مع أنظمة المنطقة على مدى قربهم ومتانة علاقتهم مع الكيان، ليس بالضرورة أن تكون هذه العلاقة علنية، بل يمكن أن تكون سرية، المهم ان تكون موجودة..
ما حدث تحت مسمى (الربيع العربي) الذي استهدف دول وأنظمة الجمهوريات العربية المتبقية بعد أن تم إسقاط نظام العراق ودولته وتحويل العراق إلى مجتمع فاشل متناحر عرقيا ومذهبيا وطائفيا وكانت الرغبة الأمريكية -الصهيونية تعميم تجربة العراق أو نموذج العراق إلى كل أقطار الوطن العربي، لكن نصيحة بريطانيا أحبطت رغبة أمريكا، مع العلم أنه كان بمقدور الرئيس صدام حسين التفاهم مع أمريكا وهو ارتبط بعلاقة متميزة مع كبار مسؤوليها حين وقع الغزو، أبرزهم (رامسفيلد) الذي عرف بصديق الرئيس صدام وكان حلقة وصل بينه وبين الإدارة الأمريكية لفترة طويلة، لكن مشكلة صدام انه يرفض الكيان الصهيوني ولا يمكن أن يغير مواقفه منه، فتم التخلص من صدام ونظامه..!
الأمر لا يختلف مع القذافي ونظامه، إذ يقول (برنار هنري ليفي) مهندس وعراب الربيع العربي في مقابلة مع قناة 24الفرنسية التي تبث بالعربية: “لا يهمنا أي نظام يأتي في ليبيا بعد نظام القذافي، وأيا كان النظام الذي سيعقب مرحلة القذافي فإنه لن يكون حاملا لكراهية (إسرائيل) بذات القدر الذي كان عليه نظام القذافي..!
سوريا الأسد وكل ما يجري فيها هو بسبب كراهية دمشق للكيان الصهيوني ورفضها أي شكل من أشكال التطبيع معه أو التعايش إلى جانبه..!
معركة طوفان الأقصى أكدت هذه الحقيقة، وليس هناك أدل على ذلك من انه وبعد سقوط أكثر من مائة وأربعين ألف مواطن عربي فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود، وبعد كل هذا الدمار نرى واشنطن تتحدث عن مساومة رخيصة تربط فيه مصطلح حل الدولتين (بالتطبيع مع السعودية)..!
بنظر واشنطن يعد التطبيع مع السعودية إنجازاً استراتيجياً من شأنه أن يعزز ويرسخ الوجود الصهيوني في المنطقة، فيما الحال مع إيران سيخضع للمساومة وتخييرها بين مواصلة برنامجها النووي أو عزلها عن قضايا المنطقة وتقليم أظافرها، لكن تبقى المقاومة بصمودها بمثابة إيقونة، فيما ظهر أصدقاء الكيان من الخليج إلى المغرب العربي ومصر أكثر (تعرياً) وظهرت (عوراتهم)، ولكنهم لم يجدوا من الأوراق ما يمكنهم من سترها غير التواري خلف مساع يدَّعون أنها إنسانية، وهي لا تعبر إلا عن ارتهانهم وتبعيتهم المذلة لكيان أهانهم ويهينهم على مدى أيام العدوان.. غير أن اللافت أن ما حاولت أن تكرسه أمريكا في الوطن العربي، فقدت القدرة على السيطرة عليه في ولاياتها وبين شعبها والشعوب الأوروبية وكأن الأقدار استعانت بتلك الجماهير تعويضا عن ارتهان العرب شعوبا وأنظمة.