أدى الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية الكبيرة والعريقة احتجاجا على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الجيش الصهيوني ضد الفلسطينيين، إلى ردود فعل وصلت إلى حد الهستيريا سواء من قبل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، أو من قبل حكومة الاحتلال الصهيوني، ورغم الإجراءات القمعية والبوليسية الشديدة واستخدام الطائرات واستخدام القوة وفتح المعتقلات للطلاب، إلا أن المظاهرات تتصاعد يوما بعد يوم، وكأن الله سبحانه وتعالى يقول لنا كعرب ومسلمين “وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ”، فإذا خذلت الأنظمة العميلة والخائنة فلسطين، ولم تسمح بالمظاهرات، وعملت على شيطنة كل من يدعم المقاومة، بعد أن شيطنة المقاومة لصالح الصهاينة وخدمة لهم، فها هو العالم يقف مع الفلسطينيين وها هي المظاهرات تجتاح الجامعات وتطوف الملايين في الشوارع، تهتف “الحرية لفلسطين- دعو غزة تعيش- لا لحرب الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، والحصار والتجويع”.
إن التحرك الطلابي للجامعات الأمريكية يعني انهيار الأساطير الوهمية التي تتحرك في إطار السياسة الأمريكية لدعم ومناصرة الصهاينة، فالجيل المتعلم والذي سيكون عليه الدور في قيادة أمريكا لم يعد يؤمن بأهمية الكيان الصهيوني، بل يؤمن بحرية فلسطين، وبأهمية أن تعيش غزة، بعد أن شاهد عمق وخساسة الإجرام الصهيوني الذي يبيد كل شيء على الأرض، فقد ألقى ما يزيد على (75.000) طن من القنابل والمتفجرات على مساحة من الأرض لا تزيد عن 64كم2، مما أدى إلى تحطيم كل شيء عليها.
حكومة الاحتلال الصهيوني وعلى لسان رئيس وزرائها وكما هو معهود عن اليهود الكذب وتحريف الكلم عن مواضعه، وصلت حالة الهستيريا لديها إلى أن وصفت المتظاهرين بأنهم “عصابات معادية للسامية استولت على الجامعات الرائدة، ويدعون إلى تدمير إسرائيل ويهاجمون الطلاب والمحاضرين اليهود”، المظاهرات والاعتصامات لم ينقل عنها أي تهديد لليهود سوى ترديد شعار الحرية لفلسطين، ودعوا غزة تعيش، لكن من طبيعة وتكوين اليهود تحريف الكلم عن مواضعه، وكأن الدعوة لحرية فلسطين وإيقاف الجرائم الوحشية على غزة تدمير لإسرائيل.
ومن العجيب أن يقارن الـ”نتن ياهو” ما يحدث في الجامعات الأمريكية من مظاهرات بالحراك النازي الذي حدث في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي مما يعني أنه يصف المناصرين للحرية والمناهضين للإجرام الصهيوني مثل النازيين (هتلر)، والملاحظ هنا أن توجيه اللوم لبعض رؤساء الجامعات، والإشادة بالمسؤولين المحليين والفدراليين الذين حركوا قوات الأمن والطائرات لقمع المظاهرات، فالسيطرة لليهود على المسؤولين، أما المتعلمون والنخب المثقفة فقد أدركوا عمق الإجرام الصهيوني وتحركت لمواجهته على أرض الواقع.
والغريب مما سبق أن ينكر رأس الإجرام وأساسه الحقائق الواضحة التي شاهدها ويشاهدها مئات الملايين في مشارق الأرض ومغاربها ويتحركون للتنديد بها، فيقول (إسرائيل متهمة ظلما بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والتجويع الجماعي)، إذا كان الأمر كذلك فماذا يسمي المجرمون الإجرام؟ هل سيطلقون عليه اسما آخر؟ وكأن تلك الجرائم التي يسعون من خلالها لإبادة الشعب الفلسطيني هم ضحاياها، حتى أنه يقول (يدعون إلى إبادة إسرائيل)، في استخفاف واضح بالعقول وما تراه العيون وما تنقله وسائل الإعلام، وما يشاهده العالم من مجازر يندى لها جبين الدهمة ما عدا القتلة والحلف الإجرامي والخونة والعملاء.
معاداة السامية
في كل جريمة يرتكبها الصهاينة أو حراك ضدهم يرفعون شعار معاداة السامية كمموا أفواه المفكرين والساسة في دول أوروبا وأمريكا ورغم جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية فإن الانتقاد والتظاهر يعد بمثابة معاداة للسامية، وهنا نجد نتنياهو يدعو السلطات الأمريكية لإيقاف تلك المظاهرات، لأنهم (يهاجمون إسرائيل، ولأنهم يريدون قتل اليهود أينما كانوا، ولأنهم يقولون الموت لإسرائيل، الموت لليهود) والأهم من وجهة نظره أنهم يقولون (الموت لأمريكا)، مع أن شعار الصرخة يردده محور المقاومة، أما الجامعات الأمريكية فهي تردد (الحرية لفلسطين- دعوا غزة تعيش)، مجرم الحرب وزير الدفاع أيضا يدعو لوقف المظاهرات والاحتجاجات، ليس لأنها معادية للسامية، بل لأنها تحريض على الإرهاب.
إن هذه العقلية الإجرامية هي التي تقود الكيان الصهيوني منذ نشأته وتوطينه على أرض فلسطين وهي ذاتها التي ارتكبت المجازر المتعددة وأبادت القرى والمدن الفلسطينية وهجَّرت الفلسطينيين إلى المنفى وهي التي تمارس أبشع الجرائم في حق الصامدين على أرضهم وفي بيوتهم وبعضهم استوطن الخيام ولم يخرج من المخيمات سواء في غزة أو الضفة الغربية، ورضي الاستشهاد ومعه أسرته حتى يروي تراب الأرض بدمه، ويعلم صهاينة العرب والخونة والعملاء ويعلم الحلف الصليبي الصهيوني الجديد أنه يدعم مجرمين متمرسين في كل صنوف الإجرام، ومع ذلك فإن المجني عليه والمعتدى عليه إرهابي يجب إبادته.
صحيح أن ما سلط على أشقائنا في أرض غزة يفوق على كل الآثار التي خلفتها الحروب الوحشية والبربرية والهمجية التي سبقتها أو التي تليها، لكنها عرت الكيان الصهيوني والداعمين والمؤيدين له، وأثبتت أن وسام الاستحقاق الذي أهداه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لفلسطين وسام مستحق عن جدارة، حيث قال “انما أخاف على أمتي الأئمة المضلين” وقال “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من يخذلهم حتى يأتي أمر الله”.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- فقد وجدنا – الأئمة المضلين يتهمون المقاومة الفلسطينية بأبشع الصفات، ووجدنا الخذلان من الأنظمة العربية والإسلامية للقضية الفلسطينية ووصل الأمر إلى دعم الإجرام الصهيوني، والحصار والتجويع لأهل غزة وفلسطين، ووجدنا مظلومية غزة تردد شعارا وتسير الجماهير مظاهرات في العالم وفي أوساط الجامعات الأمريكية، حتى أن عضو الكونجرس الأمريكي (يبرني ساندرز: يرد على نتنياهو بقوله: ليس معاداة للسامية أو تأييدا لحماس أن يسلط الضوء على أشهر مجازر حكومتك المتطرفة التي قتلت أكثر من (34) ألف فلسطيني، وجرحت أكثر من (78) ألفاً 70% منهم أطفال، ويوجه له النصح- لا تستهزئ ولا تستخف بذكاء الشعب الأمريكي).
إذاً لم تعد مظلومية الشعب الفلسطيني حدثاً يمكن تجاهله، أو تشويهه من خلال وسائل الإعلام المتصهينة والعميلة والخائنة، بل إنها أصبحت اليوم عنوان الحرية والكرامة وهي خطوات أولى في مواجهة جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، ومقدمة لتحرير الأرض من دنس الإجرام والاحتلال الجاثم على أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول صلى الله عليه الله عليه وآله وسلم.