فلسطين والسقوط العربي

طاهر محمد الجنيد

وضع العلامة عبدالرحمن بن خلدون- رائد علم الاجتماع- إحدى نظرياته السياسية والاجتماعية بناءً على تأثير ما يأكله الإنسان على سلوكه وأفعاله وسرد جملة من الشواهد كما يلي: اكل الأتراك لحم الخيول فأخذوا منها القوة والشراسة ، واكل العرب لحوم الابل فأخذوا الصبر والحقد، واكل الأفارقة لحوم القردة فأخذوا منها اللهو والطرب، وأكل الأوروبيون لحوم الخنزير فأخذوا منها الدياثة، وهكذا كل إنسان يتأثر سلوكه بما يداوم على أكله، واذا كانت الابل هي رفيقة العرب في الجاهلية والإسلام والخيل، فإنه لم يؤثر على العرب في جاهليتهم والإسلام انهم اعتمدوا في مطاعمهم على لحوم القردة والخنازير التي حرمتها الشريعة الإسلامية وهو تحريم معلوم بالضرورة ولا يعذر أحد بجهله.
وبعيداً عن التعميم وجدنا من المفارقات العجيبة أن هناك أصواتاً ارتفعت ومسيرات في دول الغرب والشرق تضامنت مع الأشقاء في ارض غزة، منددة بجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية والحصار والتهجير، تحركات بدوافع إنسانية، فقد تكون رأي عام عالمي أثر على صناع القرار الإجرامي المساند للصهاينة في إجرامهم واحتلالهم، حتى أن الرأي العام الأمريكي الجديد الذي يمثله الجيل الصاعد، يرى أن إزالة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هي الحل وليس التوطين البديل للفلسطينيين بنسبة 95% منهم، وهذا التحرك رغم أن معظم أبناء تلك المجتمعات مسموح لهم تناول لحوم الخنازير، وفي المقابل وجدنا من الحكومات والأنظمة والنخب السياسية والإعلامية العربية من ذهب لدعم الاحتلال الصهيوني بكل أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي، بما في ذلك كفالة أطفال اليهود الذين قتلوا النساء والأطفال وأبادوا الأخضر واليابس على أرض غزة، حتى أن الموائد الرمضانية احتفت بهم ضيوفاً عليها إضافة إلى الهندوس وغيرهم، رغم أن العرب يتميزون بالشهامة والنجدة والحمية، وحماية الأعراض والأنساب وأغلب أكلهم لحوم الابل والأنعام التي أباح الله أكلها، ولذلك فقد استغربت كثيراً من حديث الصحفية اليهودية لوسائل الإعلام بأن هناك دولاً عربية لا تريد وقف الحرب بجرائمها وبشاعتها وقذارتها على غزة، وانها تضغط على الكيان الصهيوني للاستمرار فيها وأن ذلك يشكل أداة مساومة للصهاينة للمساهمة في تقاسم تكاليف الحرب الإجرامية إلى جانب بقية الحلفاء أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأستراليا وغيرها من الدول الداعمة، وأشارت إلى اهم هذه الدول وهي الإمارات والسعودية وطبعاً إضافة إلى دول الطوق التي لم تستطع السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، واكتفت بالإنزال الجوي لها في عرض البحر حتى لا تخالف تعليمات وتوجيهات الصهاينة والحلف الصليبي المساند لهم.
وبناءً على النظرية الخلدونية سالفة الذكر، فقد طالعت تقريرا اخباريا نشرته الجزيرة الاقتصادية عن الدول المستوردة للخنازير (لحوما ودهوناً) أثناء أزمة (انفلونزا الخنازير) في العام 2009م، فقد استوردت الإمارات في غضون شهر (54 طناً مترياً لحوم) ومصر والبحرين وفقا لبيان وزارة الزراعة الأمريكية، مع العلم أن أمريكا ليست المصدر الوحيد، فهناك أكثر من مصدر من دول الشرق والغرب)، وتأتي ثلاث دول عربية من بين أوائل الدول المستوردة وهي (الإمارات ومصر والسعودية) على الترتيب وفقا لإحصائيات 2023م، ومن بينها لحوم وشحوم الخنازير، وهو ما يؤكد أن الخطوات الانفتاحية بتحليل المحرمات وإباحتها وسن القوانين المنظمة، تؤكد صحة النظرية السابقة، حتى أن التحول نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني ودعم جرائم الإبادة، والجرائم ضد الإنسانية بحق أشقائنا في أرض غزة وفلسطين، هو أحد التأثيرات لتناول لحوم الخنازير وشحومها التي أصبحت اليوم تستورد بالأطنان ويتم إدماجها في كافة المنتجات الصناعية من البسكويت والشكولاته، والأدوية ومعجون الأسنان، وغيرها من المنتجات، ولم يبق سوى إصدار الفتوى بالتحليل، أسوة ببقية المحرمات- كالخمر والمثلية والدعارة والدياثة وغيرها.
وإذا كانت الإمارات والبحرين قد سبقتانا في هذا المجال فإن السعودية وغيرها في الاتجاه ذاته، فقد تمت إباحة الخمر بدعوى أنه ممزوج بماء زمزم وسن القوانين لإتاحة المجال أمام المرأة لتفعل ما تشاء وبذلك يتم هدم بنيان الأسر والمجتمعات.
لقد تحولت تلك الدول العربية والإسلامية إلى النقيض في توجهاتها السياسية والاقتصادية والدينية وفي كافة المجالات – تحت ذرائع شتى، منها محاربة الإسلام السياسي، ومكافحة التطرف الديني، ووصل الأمر بوزير الخارجية الإماراتي إلى التحريض العلني على الجاليات والمسلمين في دول الغرب- ودعوته قادة تلك الدول لطردهم من بلدانهم واتهامهم بالإرهاب والتطرف، ولم يكتف بذلك بل إنه عمل على إلصاق اقذر وأحط الجرائم بها، فهي -حسب زعمه -أصوات تنادي بالقتل وسفك الدماء واستحلال ثروات الناس، نراها في (لندن وألمانيا واسبانيا وإيطاليا)، متناسيا أن أمريكا دمرت العراق وأفغانستان وغيرهما من البلدان العربية والإسلامية وأن الضحايا يتجاوزون الملايين، أما عن الثروات فهي تسيطر على نفط الخليج العربي، والآن ضمت إلى ذلك نفط العراق وسوريا.
وسواء كان هذا الانحدار السياسي والأخلاقي ناتجاً عن التأثير الذي أشار إليه العلامة ابن خلدون أنه أم ناتج عن نظرية أن المهزوم مولع بتقليد الدول المتحضرة، فإن اتجاه دول منظومة الخليج وغيرها من الدول العربية إلى إباحة المحرمات وإلغاء الأخلاق والقيم والمبادئ التي جاءت بها الشريعة الإسلامية وحفظت الإنسان ورفعته من السقوط إلى مراتع البهيمية واستبدال ذلك بالمنهج الغربي الذي يبيح كل شيء بدعوى الحرية، فإن كل ذلك لا يعني إعانة الكيان الصهيوني على إبادة الأشقاء في أرض فلسطين وتهجيرهم من أرضهم وبيوتهم ومزارعهم وتنفيذ أجندات الحركة الصهيونية العالمية، وخدمة التحالف الصليبي الصهيوني الذي يعمل على إطالة الفرقة والشتات بين أجزاء الوطن العربي من خلال السيطرة على أرض فلسطين وتوطين اليهود بها.. فهل يعي صهاينة العرب هذه الأسس والمبادئ والقيم ويعملون على تدارك أخطائهم قبل فوات الأوان؟، لأن المكر مهما كان فإن مصيره إلى زوال، فالله سبحانه وتعالى تكفل بإبطاله وهو القادر على كل شيء ” وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ».

قد يعجبك ايضا