منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ يعيش العالم فلسفة المقارنة بين الشرق والغرب، ممّا لا شك فيه أنَّ المنتصر الأساسي في الحرب العالمية الثانية على المستوى الاستراتيجي هو الأمريكي الذي وضع منذ تلك المرحلة مخطّط الشرذمة بهدف السيطرة على كلّ شيء.
يعمل الغرب على توحيد صفوفه، بشكل دائم، على مستوى القرارات الاستراتيجية، ويمكننا إنصاف هذه التجربة بالرغم من عدم الموافقة على أخلاقيات الدول الغربية في الوصول إلى أهدافها.
لقد نجحت أوروبا تدريجيًا في الوصول إلى اتحاد أوروبي جامع ومتكامل ومتماسك، فكانت تجربة اليونان المالية خير دليل على أهمية وحدة الاتحاد الأوروبي، في المقابل كذلك كان خروج بريطانيا منه عبارة عن تجربة إيجابية للاتحاد الذي بقي متماسكًا بعد خروجها.
الوحدة الغربية كذلك ظهرت في الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الحليفة لها في الغرب بهدف السيطرة على ثروات الشعوب، فكان تثبيت الدولار عملةً مشتركة للتبادلات المالية والنفطية معيارًا للوحدة الغربية بهدف التحكّم بأسعار النفط.
في المقابل؛ سكتت الولايات المتحدة الأمريكية على الدور الأوروبي في التحكّم بدول إفريقيا لسنوات، بالإضافة إلى تقاسم التلاعب في منطقة غرب آسيا بهدف الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الغربية.
انطلاقًا من الحقبة عينها التي تحدثنا عنها- أي نهاية الحرب العالمية الثانية- كانت خريطة غرب آسيا هدف الغرب للشرذمة وكذلك شرق آسيا، فكانت حرب فيتنام ومحاولات إفشال صعود الصين، أحد عناوين الشرذمة في شرق آسيا.
أما في منطقتنا؛ فكان مشروع وجود الكيان الصهيوني بين مجموعة دول قُسمت بحسب اتفاقية سايكس –بيكو، بداية الشرذمة في غرب آسيا، وقد تكون أخطر عناصر الشرذمة تلك التي حصلت بين الدول العربية عبر عدة حروب وفتن مثل: الفتنة السنية – الشيعية، الحرب على سوريا، الحرب في ليبيا، تقسيم السودان، بالإضافة إلى ما سُمّي حينها بالربيع العربي.
لم تُخفِ الولايات المتحدة الأمريكية مشاريع الفتنة والتقسيم؛ فكانت مشاريع كونداليزا رايس في الشرق الأوسط، وأمثلة غيرها كتلك التي نشرها الجنرال المتقاعد في الجيش الأمريكي رالف بيترز عنوانًا للشرذمة على أسس دينية.
بين وحدة الغرب والشرذمة الشرقية؛ صعدت دول وواجهت مشاريع الغرب عبر توحيد الجهود الاستراتيجية في الشرق المتشرذم.
هذه المواجهة أسهمت في عدم نجاح مشاريع عديدة؛ مثل إسقاط سوريا، أو إسقاط القضية الفلسطينية؛ حيث نشهد اليوم وحدة الساحات في مساندة غزّة، بالإضافة إلى عدم إسقاط اليمن.
مشروع مواجهة الشرذمة في الشرق تخوضه اليوم دول المواجهة للمشروع الغربي مثل إيران وروسيا والصين وحلفاء لها في العالم عبر منظمة شنغهاي ومجموعة دول البريكس وغيرها.
كاتب وباحث لبناني