ثارت أمريكا وأقطابها من توجه صنعاء لمعالجة مشكلة العملة التالفة بتلك الطريقة المهنية، الراقية، والواعية لمعنى طباعة عملة جديدة.
الامتعاض الأمريكي لم يكن وحسب لأن ذلك يأتي ضد مخططه، فيعالج تداعيات حربه على الاقتصاد الوطني وضرب العملة الوطنية التي كان وعد بها السفير الأمريكي، وإنما لأن التوجه اليمني كان مؤشرا موفقا على اقتدار آخر لمواجهة هذه الحرب غير الأخلاقية التي تمس حياة المواطن.
صنعاء بمثل هذا الإجراء تستمر في إحراق أوراق ظلت ولا زالت تلعب بها واشنطن لإخضاع اليمنيين لإرادتها، وهو الهدف الذي يتصدر مقاصدها من كل هذه التحركات بغض النظر عن كل العناوين التي ظلت ترفعها كمبرر لعدوانها وحصارها، بدليل العروض الكثيرة التي قدمتها لصنعاء مقابل التوقف عن حصار الكيان الإسرائيلي، متجاوزة بها حتى السعودية والإمارات.
امتعاض أمريكا هذه المرة من الإجراء اليمني يبدو قاتلا لإدراكها أن دلالاته وإفرازاته ستحقق لليمن انتصارا آخر في معركة الاستقلال من هيمنة الآخرين على الجغرافيا والثروات.
زد على ذلك، أن واشنطن تحاول استباق أي تحرك آخر لا تعلم كنهه، كان محافظ البنك المركزي أعلن عن الإفصاح عنه بعد عيد الفطر المبارك، وتستند المخاوف على سابق تجربة بأن اليمنيين لا يقولون إلا إذا كانوا قادرين على الفعل، لذلك ولأن أمريكا لا تستطيع “تخمين” طبيعة هذه المفاجآت المتوقعة، تلوّح برفع معاناة اليمنيين في إشارة إلى تشديد الحصار لكنها مع ذلك تدرك أن مثل التهديد الذي ورد على لسان مبعوثها ليندركينج لا يبدو من السهل العمل به، خصوصا مع ما ظهرت به القوات المسلحة من جرأة على المواجهة، بل والتصعيد أيضاً.
تكابر أمريكا عن العمل وفق هذه الحقائق، لذلك تستمر على طريقتها في لعبة “التصريحات” لعل وعسى، ويبدو أنها بحاجة لصفعات متتالية لتعمل بالقناعة التي تحاول إخفاءها، بأن اليمنيين لا يمكن هزيمتهم، لسبب بسيط هو أنهم يستندون في مواجهتهم على امتلاك قضية، قضية منع الغرب- وكل قوى الغطرسة- استباحة البلاد ومقدراته، والتفافهم جميعا حول هذا الحق والهدف المشروع.