اليمن تُحرر العرب من الشيطان

وديع العبسي

 

ما بات وأصبح واضحاً وجلياً، أن العدوان الصهيوني على غزة لم يكن ردة فعل للطوفان الذي عصف بالكيان في السابع من أكتوبر الماضي وحسب، وإنما تنفيذاً لمخطط تم وضع تفاصيله قبل الطوفان، فقبل ذلك كثُر الحديث في الوسط المتطرف على ضرورة التحرك لتصفية الساحة الفلسطينية من أي تحرك مقاوم، ولتطبيع واقع الفلسطينيين مع حقيقة الاحتلال بشكل نهائي، لذلك جاء العدوان بهذه الصورة الشرسة التي لم تراع أي محاذير، أو سقوف.. فقصَف كل شيء وقتَل كل حي، ولم يحترم العالم ومواثيقه الإنسانية.
كشفت جولة العدوان هذه المرة عن نوايا خطيرة تتجاوز كل الاتفاقات والقرارات، إلى تصفية المقاومة، وإثر ذلك تصفية القضية الفلسطينية نهائياً ليصير الفلسطينيون بعدها إلى أقلية يعيشون في كنف الدولة العبرية.
الصهاينة بما فيهم أمريكا، وجدوا خلال العقد الأخير أن اتفاق أوسلو لم يعد يتناسب مع مطامعهم القديمة الجديدة، لذلك عملوا على إرباك الوضع في المنطقة عموما لإعادة صياغته وفق المخطط الجديد لما يسمّونه بالشرق الأوسط، يكون الكيان بعده المسيطر والموجّه لمسارات الأحداث في المنطقة كيفما تماشى مع مصالح المستعمر الأمريكي الصهيوني، ثم عمد إلى هذا العدوان السافر.
فغزة في وضعيتها الحالية لا تتوافق مع هذه الأهداف، خصوصاً وأن الثروة الغازية الهائلة في بحر غزة باتت حقيقة مكشوفة ومعروفة لكل العالم، إضافة إلى تمكين الكيان بان يكون مطلاً بكل أريحية على البحرين “الأحمر والمتوسط” بلا عوائق، وهي أمور لم تعد مجهولة، لذلك يُطرح في سياق هذا العدوان، إمكانية إعادة احتلال غزة وإن لم يكن بصورة مباشرة، كنشر قوة حفظ سلام من جنسيات مختلفة (أمريكية الهوى) وهو ما يجري تداوله حالياً.
وبطبيعة الحال، وجد العدو أن الواقع الذي تعاني منه الأمة العربية والإسلامية من وهن كبير، هو الوقت المناسب لتوجيه الضربة القاتلة وتحقيق هذه المآرب، وهو الواقع الذي عملوا هُم على صناعته طوال العقود الماضية من أجل هذه اللحظة، إلا أنه في ذروة الشعور بنشوة الثقة للسير قدماً، غاب عن من خطّط للعملية العدوانية الأخيرة الكثير من الاحتماليات الواردة، وبمعنى أدق، رتبوا الأمر على أساس تصورهم بان ما اشتغلوا عليه طويلاً قد أمات القضية الفلسطينية في الذهنية العربية ولم يعد لها أثر، مستندين في ذلك، إلى سلبية مواقف العرب والمسلمين تجاه جولات العدوان الصهيوني المتكررة التي ظل يمارسها ضد الشعب الفلسطيني ولا يجد لها صدى على صعيد التحرك، على الأقل سياسياً، وهو أضعف الإيمان.
إنما الحقائق الماثلة تنسف كل هذه الأصوات وذهبت جهود التخطيط والتآمر سدى، فالهجمة العدوانية أعادت من جهة حضور القضية في نفوس العرب، وأوجدت وعياً بشأنها لدى الجيل الناشئ الذي تم تغييبه تماماً عن هذه القضية، كما أن هذه الهجمة الحيوانية من جهة أخرى وهو الأهم ولّدت تحركاً عربياً جريئاً صارماً داس كرامة أمريكا وإسرائيل والغرب عموماً، وهو التحرك اليمني الذي يستهل – كما يبدو – التحام القوى الحرة لإعادة الغرب إلى جغرافيته وتحرير الأرض والثروات- العربية نهائياً من هيمنة أمريكا وأتباعها.

قد يعجبك ايضا