هي المسافات وما أدراك ما المسافات التي تحول بين اليمانيين وفلسطين..
المسافات المزروعة بالأشواك، والخيانات والحدود التي رسمها أعداء الأمة، ونصبوها تماثيل يعكف عليها حكامٌ صنعوهم على أعينهم، وأنشأوا جيوشاً لحراستها، لا لشيء سوى أن شياطين الغرب أرادت ذلك كرمى لعيون «إسرائيل» وكي تبقى الأمة شذر مذر متخالفين متخاصمين متنازعين وفاشلين، قد خمدت نيرانهم، وذهبت ريحهم…
وأنت يا سيّدي من جاء ناصحاً أميناً، ورائداً لا يكذب أهله، فرفضه المعاندون، ولكن الله الذي استجبت له أرادك أن تكون حجر الزاوية لبناء جديد أُسّس على التقوى من أول يوم ناقضاً للبناء الذي أسّس ليكون مأوىً للحيّات والعقارب، ومجمعاً لأصنام الجاهلية ولسان حال القوم يقول: «لا خبرٌ جاء ولا وحي نزل»..
ومع أول صرخة طفل تحت الأنقاض، وعويل ثكلى في غزة كنت يا سيّدي حاضراً تعيش أوجاعهم وآلامهم، وتواسيهم بالفعل قبل القول، وقد مددت لهم بساطاً للأمل والرجاء، وكنت الحاضر من بين أمّة أدمنت الغياب، وأغلقت في وجه الفلسطيني الأبواب، بينما هي مشرّعة للأعداء..
سيّدي.. يداك المبسوطتان مسحتا دموع الأطفال والثكالى، وبلسمت جروح قلوب منكسرة أدماها الحقد اليهودي الأمريكي، وفجعها خذلان من غُلّت أيديهم وتبّت من حزب أبي لهب ومن قبيلة ابن سلول..
وأنت بعد يا سيّدي برغم هذا الحضور الباذخ البهي تشكو من البعد، ومن الفاصل الجغرافي، وأنت من يقف في حلق الرّدى، وفي قلب الوطيس، وفي نقطة الصفر مع فلسطين..
يا لقلبك الأوسع من هذا العالم الكنود الذي ضاق على أهل غزّة..
يا لفؤادك الأرق في عالم تحجّرت فيه القلوب والمآقي حيث لا ماء ولا دمع ولا ضمير..
يا ليقينك العظيم في زمن اللّا يقين.. زمن الريب والشك والتردّد والتواطؤ والردّة..
تشكو يا سيّدي من بعد المسافة عن فلسطين، وهل البعد إلّا بعد الأرواح وانكسار الإرادات والمواقف، وأنت صاحب الروح التي استمدت ريحانها من أمر الله جلّ وعلا، فجعلت فلسطين قبلةً لجهادها، ومنزلاً لأشواقها، ودمعةً لحزنها، وسيفاً لفتحها، وقد حملت همّها وهمّ الأمّة…
تشكو يا سيّدي من البعد عن غزة، وأنت حبل وريدها، ونبض قلبها، وصخرة قدسها، وعبق زعترها، وزيت زيتونها، وحجارة تلالها، وطريق جلجلتها، ونخلة ميلادها، ومنبر جمعتها، وملح بحرها، وأنتّ يا سيّدي صوتها ولسانها الذي حاصره الأقربون والأبعدون…
وكما جئت يا سيّدي لليمن من وراء الزمان، ومن وراء المكان فكذلك جئت لفلسطين، فأنت صاحب الزمان وصاحب المكان في أطلس الوقت والجغرافيا وقد طويا لك في مقام المعيّة الإلهية، وما هذا البقاء الأجلى إلّا مظهر لفنائك في الله، وذوبانك في خط جدّك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا هو السر المكنون الذي فضضت بكارته بحول الله، وسافرت في سرادقات معرفته بقدمي التوكل واليقين، ورجعت إلينا في عالم الأشباح حاملاً حقائق المكاشفات وطمأنينة القلوب السليمة، تتلو علينا الكتاب حق التلاوة، كأنّنا للتّو نسمعه بتنزله المحدث، وببيانه الأول الأكمل، ولا عجب، فأنت ممّن ورثوا الكتاب ومصداق الإيمان والحكمة وفصل الخطاب، ومن كان هذا حاله كان الأقرب والأنفع..
سيّدي: لأنك أسلمت وجهك لله، وسجدت له سبحانه فاقتربت، فأنت الأقرب إلى غزّة وفلسطين، وإلى أفئدة المستضعفين، وأنت الجار ولو نأت الدّار…
رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية – الإيرانية