الصماد.. روح الصمود والنصر

يكتبها اليوم/ عبدالكريم الوشلي

 

“مسح الغبار عن نعل مجاهد أشرف من كل مناصب الدنيا”، مقولة تجلت فيها ذروة البهاء القيمي والأخلاقي والإيماني لدى الشهيد الرئيس، شهيد الرؤساء، رئيس الشهداء، وصِفه بما شئتَ، فهو الأكبر من كل الأوصاف.. إنه صالح الصماد.
نعم هو هذا الذي غدا عنوانا لأرقى النماذج القيادية التي يتطابق فيها المبدأ مع سلوك المؤمنين به، والفكرة مع واقع المفكرين بها، والذي كان استشهاده مخسارة مؤلمة للشعب اليمني في فترة حرجة من تاريخه، كما كان أيضا كاشفا قويا لقبح قتلته الظلاميين وبشاعة منزعهم الإجرامي الهيمني وحقدهم الأسود على اليمن شعبا وتاريخا وحضارة وأحلاما وتطلعات.
ولأن أعداءنا أولئك.. لا يريدون في منطقتنا قادة أحراراً يتحركون وفق أوامر ونواهي ربهم الذي خلقهم، ويستمدون سياساتهم من إرادة شعوبهم ووفق مقتضيات مصالحها.. ولأن أولئك الأعداء أيضا لا يقبلون أو يتعايشون مع أنظمة نابتة من تربة أوطانها، بل يفضلون دمى تتحرك بحركة أصابعهم، ومعلباتٍ نفطيةً وبترودولارية يضعونها على الكراسي التي تناسب مصالحهم حصريا.. فقد أقدموا على اغتيال الرئيس الشهيد الصماد في ذلك اليوم المشؤوم قبل ستة أعوام، بغطاء تنفيذي من وكيلهم العدواني وخادمهم السعوإماراتي، ضمن سياق عدوانهم الجهنمي على الشعب اليمني..
هذه الجريمة النكراء، كسواها من جرائمهم، وما أكثرها! كشفت حقد وبربرية ووحشية القتلة المعتدين، وبرهنت -في المقابل-على غبائهم الفاحش، فالدم المظلوم المُحق يرتد وبالا على القاتل ويثأر منه على نحو يصعب على هذا القاتل تصوُّرُه والتحسب له.. وهذا ما حدث بالفعل، ونرى واقعه اليوم.. فقد بقيت روح الصماد كامنة في عزائم اليمنيين الأحرار ومجاهديهم، تشحذ أسلحتهم البسيطة التي يجترحونها وتُلحق -بقوة الله- بالغ الأذى بالمعتدين في عقر دارهم، وترغم أنوفهم، متفوقةً على سلاحهم الأحدث والأكثر تطورا.. فليس عجبا أن يكون “صماد” بأجياله المتعددة المتوالية حتى “صماد”٤، ضمن طيراننا اليمني المسيَّر، في صدارة الذراع الحيدري اليماني الذي ضرب وسيضرب الأعداء في أكثر مفاصلهم حساسية وحصانة، إلى جانب قوتنا الصاروخية الفتية المتنامية أيضا، بالزخم ذاته.. والعنفوان عينه.. وكفى بذلك، إلى جانب ما تمثله الشهادة من فوز عظيم لنائلها، عزاءً لشعبنا ولكل أحرار وشرفاء أمتنا في مصاب فقده الفادح..
هذا إذن، هو الصماد في الوعي والذاكرة اليمنية، حيث خلوده الدنيوي الممتد من خلوده الأبدي عند الله تعالى، بجوار أعظم وأسمى البشر الخالدين من الأنبياء والأولياء والصديقين.
هذا هو القائد المثال، الذي جسد أرقى وأنصع المبادئ الإنسانية والقيادية، سلوكا وواقعا عمليا.. وكساها-إلى ذلك-حللا من بليغ القول الصادق، فكانت لديه “إماطة الغبار عن نعل مجاهد.. أشرف من كل مناصب الدنيا”.
ولأنه الإبن البار للمشروع القرآني العظيم، ونجيبُ الرحم الطاهر لمسيرته التحررية النهضوية المباركة.. لم يكن تسنُّمه أعلى المناصب القيادية، رئيسا للمجلس السياسي الأعلى، في تلك المرحلة الحرجة من التاريخ اليمني.. مدعاةً للإصابة بخدر المنصب وسكرة الإنتشاء بكرسيه الرفيع الوثير !كحال معظم من تبوأ أو قد يتبوأ أمثال هذا المقام الاستثنائي.. بل أعطى نموذجا قياديا نادرا، قوامُه التواضع ونكرانُ الذات وحميميةُ الالتحام بالناس وصدقُ التفاني في خدمة الشعب والوطن وقضيتِه التحررية العادلة.. وكان بذلك، وبحنكته وحكمته وفوحِ البصيرة القرآنية، العاطر في سيرته الجهادية ومسلكه القيادي الفريد.. واضعا الأسس القوية لمشروع الدولة اليمنية المنشودة العادلة والقوية، وما تشترطه وتستدعيه من أداء مؤسسي خلاق.
إنها الدولة التي للشعب، بمغايرة للوضع المعكوس الذي ساد ردحا من زمن يمني مضى.. حين كان الشعب للدولة!،وإنها الدولة التي من عناوينها الصمادية الذهبية العريضة وبالغةِ الدلالة “يد تحمي، ويد تبني”، هذا العنوان الذي صاغه -بصدق القول وإخلاص العمل -الرئيس الشهيد.. ومن خلاله يعبُر اليمنيون نحو دولتهم المأمولة التي طال انتظارها، في سني التيه والتخبط والارتهان للخارج، وهذه الدولة آتية حتما مهما كانت الصعوبات في طريق الوصول إليها.
والحقيقة الماثلة أمامنا هنا، وبكل جلاء ووضوح، أنه ما كان لسفينة الصمود والحق اليمني المستعاد أن تصل إلى مرافئ الظفر والنصر، لولا السندُ الإلهي وعظمةُ عطاء وتضحيات المؤمنين الصادقين الشرفاء من أبناء هذا الشعب، وحنكةُ الربابنة الأكفاء، ومنهم صالح الصماد الذي لاتبارح وجدانَ شعبه وذاكرتَه مقولتُه الخالدة “دماؤنا نحن اليمنيين غالية، وليس لها ثمن إلا النصر أو الجنة”.

قد يعجبك ايضا