يحتفل العالم في الثاني عشر من يونيو من كل عام باليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال إلا أن هذا التاريخ في اليمن يحمل أرقام المأساة لأكثر من مليون وستمائة ألف طفل يجنحون في مختلف أنواع العمالة في انتهاك صارخ لطفولتهم وما يتعرضون له من أخطار أودت بالعديد منهم إلى دياجير الموت ,, ولهذا جاءت مخرجات الحوار بحلول شديدة اللهجة والطرح ضد من ينتهكون الطفولة ويغتالون البراءة فإلى التفاصيل:
البداية وقفة مع التقرير الأخير لمنظمة العمل الدولية الذي أوضح أن أكثر من مليون وستمائة ألف طفل في سوق العمل من أجل مساعدة أسرهم مالياٍ تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات و11 سنة وبحسب التقرير فإن قطاع الزراعة يستقطب العدد الأكبر من الأطفال العاملين بنسبة ٪65٫1 يليه عمل المنازل (29 %) فالتجارة بالجملة والتجزئة (قرابة ٪8) فضلا عن قطاع البناء (٪2٫7 تقريبا). ويشكل الأطفال ما بين سن الخامسة والسابعة عشرة نسبة 34.3 % من سكان اليمن أي 7.7 مليون طفل.
55 مادة
وإثر التغيرات التي شهدتها اليمن مؤخرا وما لحقها من صراعات مسلحة فاقمت الوضع سوءا وشكلت بيئة خصبة لعمالة الأطفال تحت سقف الجوع ومبرر الفقر والحاجة , جاءت مخرجات الحوار بحزمة من الحلول تحمل محددات دستورية لهذه الظاهرة المأساوية وداعية إلى تكاتف الجهود الحكومية والمجتمعية للحد منها ومن ثم القضاء عليها .
مقرر الحقوق والحريات بمؤتمر الحوار الوطني ماجد فضائل يقول : إن الطفل حصل على اهتمام كبير ضمن فرق مؤتمر الحوار الوطني ووجدت العديد من المواد والموجهات الدستورية الخاصة بحقوق الطفل حيث نجد ان عدد المواد التي تتحدث عن الطفل ضمن الوثيقة الوطنية يصل إلى 55 مادة وموجه دستوري وقانوني وهذا يدل على الاهتمام الكبير بهذه الشريحة .
وحول ظاهرة عمالة الأطفال يرى فضائل أنها منتشرة في أوساط المجتمع المدني واعتبرها ظاهرة خطيرة وانتهاكا صارخا لحقوق والأطفال .
وقال : جاءت أوجه المعالجات التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني كحل مهم جدا وأساسي لمكافحة هذه الظاهرة فعلى سبيل المثال ما خرج به فريق الحقوق والحريات بدءا بتحديد عمر الطفل وتعريفه حيث اتفق على إن “الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز ثمان عشرة سنة شمسية وعليه يحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن الإلزام التعليمي في أعمال لا تناسب عمره و تمنع استمراره في التعليم وتتخذ الدولة جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية” كما جرم تجنيد الأطفال دون هذا السن كما لا يجوز إشراك الأطفال في الحروب والنزاعات المسلحة ولا يجوز تشغيل الأطفال بأي شكل وتتعهد الدولة بحماية الطفل من كافة أشكال الاستغلال وتلتزم الدولة برعايته وحمايته عند فقدانه أسرته.
أولويات وطنية
ومضى يقول : وأيضا جاء ضمن مخرجات فريق بناء الدولة في الأسس الاجتماعية حماية الطفل من سوء المعاملة أو الإهمال أو الاستغلال والحماية من ممارسات العمل المستغلة وألا يطلب منه أو يسمح له بأن يؤدي عملاٍ أو يقدم خدمات غير ملائمة لسنه أو تعرض مصالحه أو تعليمه أو صحته الجسدية والنفسية أو نموه العقلي أو الاجتماعي للخطر.
كما نبه فريق التنمية إلى ضرورة اتخاذ الدولة التدابير اللازمة لمكافحة وتجريم عمالة الأطفال وتهريبهم .
ويواصل حديثه بالقول:اما فريق استقلالية الهيئات فقد وضع أسسا جيدة لمؤسسة مستقلة تحمي الأطفال وذلك بإنشاء هيئة وطنية عليا لشؤون الأمومة والطفولة مستقلة تعمل على الحفاظ على القيم والبناء الاجتماعي وتراقب حقوق الطفولة والنشء بالوقوف على أسباب الفساد والاستغلال والإهمال في الصحة والتعليم والأمن الاجتماعي وتهيئة أفضل الظروف لبناء اجتماعي سليم وتقوم الهيئة بتقديم التوصيات الخاصة بالسياسات الوطنية وأولوياتها بالنسبة للأسرة اليمنية.
دور المنظمات
وعن دور منظمات المجتمع المدني في التوعية بمخرجات الحوار الوطني حول حقوق الطفولة أوضحت الدكتورة فائزة المتوكل ممثلة منظمات المجتمع المدني بالحوار أنه تم إنشاءهيئة تنفيذية موحدة لأكثر من 12 منظمة والمجال مفتوح لبقية المنظمات للانضمام وذلك من أجل التكاتف المجتمعي والمنظماتي حول هذه الحقوق وتوعية المجتمع بها لخلق بيئة آمنة للطفل بعيدا عن أي استغلال أو انتهاك يتعارض مع حق الطفل وتعريض كل من ينتهك ذلك للمساءلة القانونية والعقوبات الرادعة وفقا لما نصت عليه مخرجات الحوار وما ينبغي تضمينه في دستور الدولة الجديد
وتطرقت المتوكل في حديثها إلى العوامل التي ضاعفت من حدة هذه الانتهاكات ومن أبرزها الصراعات والحروب تحت أي منحنى سياسي أو مذهبي وما أنتجه ذلك من تدهور للوضع الاقتصادي في البلاد وفقدان العديد من الأسر معيلها الأمر الذي اضطر صغارها للخروج إلى سوق العمل .
أسباب وتداعيات
وترى الناشطة الحقوقية والاجتماعية سما الشغدري أن ظاهرة عمالة الأطفال تعد خرقاٍ للقانون الدولي حيث تقف خلف هذه الظاهرة عدة أسباب لعل أهمها التفكك الأسري في ظل غياب إطار ترعاه الدولة يكفل ضمانا اجتماعيا للأطفال الضحايا.
وتعتبر عمل الأطفال من أكثر الظواهر الاجتماعية المقلقة في معظم البلدان العربية التي تشهد نموا كبيرا منذ سنوات مع تزايد الفقر في المجتمع العربي.
موضحة إن عدد الأطفال العاملين دون سن العاشرة حوالي 20 %. وأكدت أن ظاهرة تشغيل الأطفال تترك أثارا سلبية تنعكس على المجتمع بشكل عام وعلى الأطفال بشكل خاص خاصة بعد أن أخذ هذا الاستغلال أشكالا عديدة أهمها تشغيل الأطفال وتسخيرهم في أعمال غير مؤهلين جسديا ونفسانيا للقيام بها يترتب عليها أعباء ثقيلة على الطفل تهدد سلامته وصحته ورفاهيته.
وحذرت الشغدري من تداعيات ذلك في ظل الاستفادة من ضعف الطفل وعدم قدرته على الدفاع عن حقوقه كما يستغل عمل الأطفال كعمالة رخيصة بديلة عن عمل الكبار أيضا يستخدم الأطفال بشكل لا يساهم في تنميتهم بل يعيق تعليمهم وتدريبهم .
وأضافت بالقول : ولكي نحد من الظاهرة لابد من الحد من عمل الأطفال وهذا لا يمكن ان يتم إلا بالتفاعل المباشر مع الطفل العامل وأسرته والوقوف على الأسباب التي تقف خلف تسرب الطفل من مقاعد الدراسة إلى سوق العمل وأهمها الفقر إضافة إلى عدد من العوامل الأخرى المتعلقة بالثقافة الاجتماعية ومنهجية التعليم وتفكك الأسرة.
فرص ضائعة
ويرى الناشط والباحث عبد الرحمن غالب أن أسباب هذه الظاهرة يكمن في تزايد مستوى الفقر وارتفاع مستوى الإعالة إذ تشير التقديرات إلى أن نسبة الفقر تجاوزت عتبة 50 % وحوالي 12 مليوناٍ يحتاجون إلى مساعدة غذائية أما نسبة الإعالة فهي تعتبر الأعلى على مستوى دول المنطقة والعالم حيث الفرد اليمني ممن هو في سن العمل يعيل 8 أفراد أضف إلى ذلك انتشار البطالة وقلة فرص العمل والتي تدفع برب الأسرة إلى أن يوجه أولاده إلى سوق العمل في سن مبكرة
ولفت إلى أن الفساد والمحسوبية وانتشار الرشوة والقرابة والمصاهرة والمناطقية أصبحت هي الوسائل السائدة كي يحصل اليمني على عمل وأن ذلك زعزع الثقة بالتعليم والكفاءة والقدرة وجعل الآباء يدفعون بأبنائهم إلى سوق العمل اقتناعاٍ منهم بعدم جدوى التعليم وما شكله جشع أرباب العمل في استخدام العمالة الرخيصة
العنف بأشكاله
وأما الحقوقي أنور الداعي فقد اشار الى تداعيات هذه الظاهرة والمتمثلة بانعكاسات اجتماعية أخلاقية مثل فقدان فرص التعليم والتسرب من المدرسة والتعرض للعنف بكافة أشكاله واكتساب العادات السيئة مثل التدخين وغيره والتي قد تصل إلى حد الانحراف والانخراط في المخدرات والجريمة والتعرض للاستغلال الجنسي.
بيع الأطفال
وفي السياق حذر تقرير أخير صادر عن برلمان الأطفال من زيادة ظاهرة عمالة الأطفال التي تجعلهم عرضة للمخاطر والممارسات السلبية كالإدمان على التدخين وتعاطي القات واستغلالهم من قبل العصابات في القيام بأعمال غير مشروعة كالترويج للخمور والمخدرات والأعمال المخلة بالآداب.
ولفت تقرير برلمان الأطفال الذي اعد بالتعاون مع منظمتي اليونيسف والمنظمة السويدية لرعاية الأطفال ( رادا بارنن ) حول أوضاع الطفولة في اليمن إلى أن انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في المدن اليمنية تتنافى مع اتفاقيات حقوق الطفل ومع البروتوكول الاختياري الخاص ببيع الأطفال واستغلالهم في العروض والمواد الإباحية وكذا مع قانون حقوق الطفل اليمنى وكذلك قانون العمل اليمنى الذي لا يسمح للأطفال دون 18 سنة بالعمل إلا في حدود مهن محدودة .
وأوضح التقرير أن بعض الأطفال يعملون لمدد تصل الى17ساعة في اليوم ويتقاضون أجورا زهيدة ودعا الحكومة إلى تكثيف جهودها والتقليل من عمالة الأطفال معتبرا أن الجهود المبذولة لا تزال دون المستوى المطلوب.
ويحظر القانون اليمني عمل الأطفال في مهن خطيرة حددها بـ72مهنة أو العمل لمدد زمنية تزيد عن ست ساعات في اليوم كما ينص على معاقبة أصحاب العمل المخالفين بالحبس لمدد تصل إلى عشر سنوات.
تنصل عن المسؤولية
من جهته أوضح أكرم نعمان المسؤول القانوني في منظمة سياج لحماية الطفولة : أن الإحصائيات الخاصة بظاهرة عمالة الأطفال تزيد عن مليون وسبعمائة ألف طفل في اليمن وأن العالم بحاجة إلى أكثر من 1359.4مليار دولار للقضاء على عمالة الأطفال حتى 2020م
وقال : المشكلة أن الحكومة ترمي هذه القضية على المنظمات المحلية والدولية والمنظمات تلقي بالمسؤولية على الحكومة وهكذا تظل هذه القضية معلقة بين التنصل وعدم الجدية.
وأكد ان لظاهرة عمالة الأطفال أبعاداٍ مأساوية كالاتجار بهم واستغلالهم في أعمال غير أخلاقية أو غير إنسانية وتعرضهم لمختلف المخاطر الصحية والنفسية والتعرض للكيماويات والأحماض والقلويات والمذيبات العضوية والمنظفات وما ينتج عن هذه المواد من التهابات جلدية وحروق وسرطانات وأمراض عضوية وعصبية أخرى وارتفاع نسبة التسرب الدراسي وزيادة نسبة الأمية في المجتمع بالإضافة إلى تدني مستوى الإنتاج .