تفيد تعليقات العالم – خلال اليومين الماضيين – بأن أمريكا قد تهورت بفعلتها، ولا يبدو أن الأمر سيمرّ كما تشتهي، صحيح أن جرأتها في استهداف بعض منشآتنا كان محاولة واضحة لحفظ ماء الوجه ليتبعه التراجع الصهيوني من غزة، إلا أنه أخطأ تقدير ما أطلقه السيد القائد من تحذير، وتهاوَن في حساب العواقب، فكل اعتداء أمريكي سيكون له رد، معادلة وقاعدة تسبب بتثبيتها الصلف الأمريكي بتعامله الاستعلائي والفوقي منتهيّ الصلاحية.
عدوان أمريكا لن يمر دون رد، وهذا أمر مفروغ منه، ووفق مقتضى القانون التشريعي والفيزيائي لكل فعل رد، إلا أن ترقُّب هذا الشيء في معركة صنعاء وواشنطن تبدل في حسابات المطالب بسبب الطيش الأمريكي حتى قبل قصف فجريّ الجمعة والسبت، وبات بالضرورة على واشنطن الانصياع لها، إذ تعزز حقنا بالثأر لشهدائنا أولا، وبالرد على الاعتداء غير المبرر على أرضنا ثانيا، وصار عليها تسليم القتلة أولا، والاستعداد لتلقي الرد على التعدي غير المسؤول، ثانياً.
وحين عمدت أمريكا لاستهداف زوارق القوات البحرية ومنعت أفرادها من القيام بمهامهم الروتينية المعتادة، تجاوزت بذاك الفعل الأحمق حدّها وتعدّت على السيادة الوطنية للجمهورية اليمنية في المياه الإقليمية.
وعلى هذا الوزن من التحرك ستبقى القوات المسلحة اليمنية تمارس مهامها، ولا معنى لأي تحرك أمريكي عسكري أو تحريضي ضدها، وهي ثوابت معلنة منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة، ويدخل الآن ضمن المهام العمل على أخذ الثأر لأرواح البحارة العشرة، يضاف إليهم الشهداء الخمسة في غارات الجمعة، وسيبقى اشتعال البحر الأحمر على حاله حتى تسليم القتلة لمحاكمتهم في صنعاء، وفق الشريعة الإسلامية، وللأمريكان – بطبيعة الحال وحكم القانون – أن يعينوا لهم محامين.
كل فعل أمريكا، واضح الإجرام والتحدي ولا يمكن أن تبقى المنطقة العربية مرتعا للكائنات الأمريكية ولن يبقى الشعب اليمن ومنشآته هدفا لها تستهدفه متى شاءت، لإجباره على الامتثال لرغباتها في امتهانهم، والسيطرة عليهم.
ولو أن واشنطن تعي العواقب لرأت في التسليم والانسحاب من البحر الأحمر أهون مما لو رُفع سقف المطالب، وربما لم يضِع الوقت بعد بالنسبة لها، كي تتحرك وفق حقيقة أن الواقع يشير إلى بدء نهاية التأثير لوجودها وأنها باتت أضعف من أن تفرض إرادتها على اليمنيين.
وفي استخلاص العديد من المراكز البحثية الأمريكية والدولية ما يؤكد أن اليمن قد نجح في تمريغ أنف واشنطن – ومن معها من لوبي صهيوني وأمم متحدة ومجلس أمن – في التراب.
أمريكا وقطعانها يدركون جيدا أن عمليات القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، قانونية وشرعية وأخلاقية، والعالم بأسره يدرك ذلك، ولكنه التعمد في إذلال العرب لأن يقولوا ما يناقض قناعتهم وأن ينخوا أمام الرغبات الأمريكية.
أما مجلس الأمن الدولي – المختص بتبني قرارات البيت الأبيض، وتنفيذ رغبة واشنطن لتكريس قاعدة الكيل بالمكاييل الأمريكية – فإن ما نتج عن مخاضه الأربعاء من قرار يدين عمليات الدفاع اليمنية، عن الإنسانية من الإبادة على أيدي الصهاينة الإرهابيين ضد الشعب الفلسطيني، فقد كشّف عن النفاق العالمي في أوضح صوره.
ولأن قرار مجلس الأمن، المشار إليه، ليس بأكثر من فقاعة جديدة ستتلاشى على وقع الرد اليمني، تجاهل قائد الثورة حتى الإشارة إليه لا من قريب ولا من بعيد في خطابه الأخير، والمتغيرات التي أدت إلى هكذا واقع للتأثير الصفري للشيطنة الأمريكية، هو حاصل فعل هذا الإرباك الصهيوني الأمريكي للعالم، وهو الذي دفع قبلا وسيدفع لاحقا لتحولات جديدة لن ينجو منها إلا أصحاب المواقف، وبعدها ربما سيتسلم العالم زمام إعادة صياغة السياسة الدولية على قاعدة الاحترام المتبادل وتبادل المصالح، وقبل ذلك إخراج الجرثومة الصهيونية من الأراضي العربية.