جامع الوطن أو الوطن الجامع

يكتبها اليوم / عبد العزيز البغدادي

 

يشير العنوان إلى علاقة حميمة بين الجامع بالمفهوم الديني والجامع بالمفهوم الوطني والإنساني، والعلاقة بين المفهومين علاقة تتلاحم في عمق قوتها لتنطلق من البحث المستمر عن القواسم المشتركة بين الإنسان وأخيه الإنسان كي تكون رسالته بحق رسالة الحرية والعدالة والمساواة والسلام، والمقصود بالمساواة واجب احتكام الجميع للقانون والالتزام به، هذه المعادلة هي التي تضمن وبفعالية وجود وطن قوي خال من الأوهام والعقد المدمرة للأوطان والصانعة المصنعة لكل ما يعمق الخلافات والحروب بكل معانيها وصورها وأشكالها وألوانها وأبعادها، وأخطر من كل ذلك الحروب الاقتصادية كما تقول الحكمة اليمانية المنسوبة لحكيم اليمن علي بن زايد سواءً كان وجوده حقيقياً أم رمزياً :(الحرب حامي وبارد في بارده ضرب بالسيف والحار حرب الموائد) ويُستبدل السيف هنا ضمناً بالأسلحة الحديثة بكل أنواعها، ودلالة المثل أن الحرب الاقتصادية أشد أنواع الحروب فتكاً وأكثرها تدميراً وبعداً عن الإنسانية لأنها تُمسك بحياة الإنسان وكرامته ووجوده بصورة ملمسها يبدو ناعماً بارداً ولكن فعلها يضرم النيران الخفية والظاهرة في البيوت وفي عمق الوجود الإنساني كله ويؤجج الأحقاد، هذا الوطن الحلم يصنعه الإنسان الحر القادر على صناعة الأحلام الجميلة وحمايتها، ومن خلال هذا المفهوم ندرك أن كل هذا الدمار والقسوة والوحشية التي يمارسها الظلمة والقتلة والمحتالون في العالم هم أعداء الحياة وصناع الموت وهم كثر ولهم وجوه متعددة ظاهرة ومتخفية، وأسوأ الأمثلة القائمة اليوم ما يمارسه الحكام الظلمة المستبدون أينما وجدوا وكيفما كانت راياتهم، وأسوأ ما نشاهده بشكل جلي وواضح ما يقوم به الكيان الصهيوني في فلسطين عموماً منذ خمسة وسبعين عاماً وفي غزة اليوم وهو أحد مظاهر الإرادة الشريرة المدعومة من دول وقوى دولية تتحكم في العالم وتدعي أنها ترعى حقوق الإنسان وتدافع عنها ومع ذلك لا تتردد عن اعتبار ممارسات هذا الكيان في قتل الأطفال والنساء واستهداف المدنيين والمرضى في المستشفيات دفاعاً عن النفس وتدعم نظم الاستبداد التي تستفيد من استبدادها تحقيق مصالح غير مشروعة مع أن بالإمكان مراعاة المصالح المشروعة للدول من خلال العلاقات السوية بينها ولكنها مع الأسف اعتادت على الاعتماد على تسمية الأشياء بغير مسمياتها، الكيان ينهش الوطن الفلسطيني برعايتها ويحوله إلى وطن مصطنع للغاصب في قلب أمة تغط في سبات عميق منذ زمن اختلف حول تحديده الفقهاء الذين اعتادوا على الاختلاف الفتنوي السلبي وليس التعدد الإيجابي الخلاق الجامع الذي يقوده أحرار حقيقيون يدركون أهمية أن يكون التعدد طريقاً لاكتشاف القواسم المشتركة والالتفاف حولها في إطار وطني جامع يلملم الجراح ويجمع الجهود والقدرات ويوجهها باتجاه خدمة الإنسان لتكون العدالة خبزاً يومياً غير قابل للاستحواذ أو الاستئثار.
نعم إخوتي: إن بُعد الإنسان عن العدالة وسيطرة الأنانية المريضة على بعض النفوس سبب رئيس للتفرقة وخلق المآسي والفتن والأمراض التي تعشق البقاء في موقع السيطرة على نفسيات بعض البشر أو المحسوبين في عداد البشر.
أعرف أن هذا كلام قد يراه البعض عامّاً مُبهماً لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يشير بشكل واضح قاطع إلى معناه المباشر، لكن بعض الإشارات تكفي لمن يعقل، والخطاب أي خطاب إنما يوجه لمن تكفيه الإشارة، أما غير الحليم فإن الأيام وتداعيات الأحداث كفيلة بأن تيقظه وتيقظ كل النوام بل والأموات أحياناً لأنهم حينها سيكونون من أثقال الأرض التي ستزلزل.
الوطن جامع العيش المشترك في إطار احترام الجميع للحريات العامة وأما عدا ذلك مما في النفوس وخلجاتها فيجب أن يبقى في إطار الحريات والممارسات الخاصة، وبناء القواسم المشتركة والبحث عنها مهمة جامعة للجميع كل بقدر مسؤولياته وموقعه وليس الجميع بمفهوم التعامي عن الحق وجوهر العدالة وأهميتها في تحديد المسؤوليات، ما أحوجنا إلى بناء جامع الوطن أو الوطن الجامع على أسس متينة تبنى فيها قواعد الحرية والعدالة والمساواة على مبدأ الشريعة بالظاهر الذي يعني أن العدالة في الدنيا تقوم على وضوح الدليل والبرهان العلمي وليس على التكهنات والخرافات، العدالة التي يجب أن تسود في الدنيا تقوم على الشفافية والمناقشة بحرية واعتدال وهذه رسالة يفترض أن ينهض بالقيام بها الجميع كل من موقعه قبل أن يفوت الأوان ولن يفوت أبداً إلا بالموت، واليأس لن يجد له طريقاً لدى الشعوب الحرة التي قد تتعثر ولكنها تبقى على الحق قائمة متمسكة بالأمل والعمل لتكون خير أمة ما بقيت متمسكة بشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد معرفة حقيقية للمعروف والمنكر بشكل أكثر شمولاً مما يروج له البعض ويحوم حوله.
تعاتبني الصخور هنا مراراً وعين الصخر تسكنها الدموع
وفي صدري فتىً بالحب يزهو وفي عينيه تحتشد الجموع.

قد يعجبك ايضا