يصعب وصف ما يجري في قطاع غزة بالحرب، لأن ما يجري فيها مجازر وجرائم لا علاقة لها بالحروب ولا بتقاليد الحروب، هي ترجمة فعلية وميدانية (لاستراتيجية الصدمة والرعب) التي ابتدعها البنتاجون الأمريكي عام 1993م إلى جانب ما أطلق عليه أمريكيا يومها (استراتيجية الفوضى الخلاقة)، وإن كانت الفوضى الخلاقة قد حاولت أمريكا تطبيقها عام 2011م فيما يسمي ( ثورة الربيع العربي) وعملت على تطبيقها في العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، ثم حاولت تطبيقها على الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيما يسمي بقصة (مهساء أميني) ولكنها فشلت في ايران وإن كانت قد حققت بعض النجاحات في بعض الدول التي لا تزال تعاني من ثار التأمر الأمريكي حتى اليوم.
ما يجري في غزة هو تجسيد لاستراتيجية الصدمة والرعب وتطبيق حرفي لها ولهذا يشرف عليها خبراء وضباط أمريكيون وطلائع من قوات المارينز الأمريكية الذين يشاركون في العدوان على قطاع غزة ميدانياً ومن خلال غرف العمليات والتحكم والسيطرة، لأن للحروب أخلاقيات وتقاليد وطرق، وما يجري في غزة هي جرائم حرب وجرائم إبادة متعمدة وممنهجة، وعدوان مجرد من كل المبررات والذرائع وليس له ما يبرره سوى رغبة المجرمين الصهاينة وبجانبهم أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، هذه الدول حوّلت قطاع غزة إلي حقل تجارب لنظرية الصدمة والرعب، متخذين من سكان القطاع وأرضهم مسرحاً تجري عليه بروفة لمسرحية إمبريالية قد تطبق في مكان آخر في المستقبل، بروفة يقاس من خلالها رد فعل المجتمع الدولي ومشاعره الإنسانية، والأهم تدريب ضباطهم وجنودهم وطياريهم على إدارة هذه الاستراتيجية..؟!
لأن لا منطق يجيز هذا الكم من الجرائم والتحشدات الجوية والبرية والبحرية وأساطيل ومدمرات دول عظمى وغواصات، وقنابل وصواريخ مدمرة توجه عبر الأقمار الصناعية، وكل هذا على مجموعة ( مقاومين) يعيشون في نطاق جغرافي ضيق ومزدحم يقطنه أكثر من أثنان مليون ونصف مليون من البشر غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ..؟!
لم يتوقف الأمر في الجانب العسكري، بل هناك حصار سابق للقطاع منذ عقد ونيّف، وحصار راهن برياً وجوياً وبحرياً، ويحرم ساكني القطاع من الكهرباء والمياه ووسائل التواصل، ومن الغذاء والأدوية وحق الحياة، إذ تقصف المستشفيات، وتقصف سيارات الإسعاف، وتدمر المرافق الخدمية والسكنية على رؤوس من فيها.. أي حرب هذه قطعا ليست حرباً، بل جرائم إبادة شعب على يد من يحتل أرض وطنه..؟!
أي حرب هذه.. ضحاياها أطفال ونساء وشيوخ ومدنيون عزّل وأطباء ودفاع مدني وموظفو الإسعاف..؟!
أي حرب هذه.. يباد فيه شعب وحين يطلب العدو من الناس ترك منازلهم والتوجه لمناطق يزعم إنها آمنة ويردد العالم بعده إنها آمنة فيذهب الناس إليها ولكنهم يقضون تحت نيران الاحتلال الذي يقصف ويدمر البشر والشجر والحجر، وبعد ستين يوماً من هذه الحرب الإجرامية التي لا يفلح فيها العدو إلا بقتل أكثر من ستة عشر ألف فلسطيني غالبيتهم أطفال ونساء ومدنيين عزل لا علاقة لهم بالحرب..؟!
أي حرب هذه.. تقصف وتدمر فيها مقرات الأمم المتحدة والبعثات الدولية، حرب ليس فيها حصانة لأحد، وليس فيها إخلاق وليس هناك في هذا العالم المترامي الأطراف من يقول كفى جرائم، كفى إبادة،؟!
عدوان إجرامي الصامت عنه شريك والمتغاضي عنه ليس من البشر ولا يحمل قيماً بشرية ولا يتحلى بأخلاقيات البشر.. حرب من يقوم بها مجرم وقاتل وتخجل البشرية عن التعامل معه أو اعتباره ينتمي لها..؟!
حرب ليس الصهاينة صنّاعها، بل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا شركاء أساسيون فيها وفي إدارتها، وبالتالي فإن المتفرج لما يجري في غزة خائن لعروبته وإسلامه ومجرد من كل مقومات الهوية والانتماء، فلا دين له ولا عروبة ولا قيم أو مشاعر إنسانية، هذا بالنسبة للنظام العربي الذي أثبت تصهينه وعمالته وخيانته لذاته وهويته ودينه وأمته، وبالنسبة للمجتمع الدولي فإن غزة جردته من كل هويته وقيمه الأخلاقية والإنسانية، وظهر هذا العالم أكثر انحطاطاً وهمجية وتوحشاً ونذالة..؟!
إن غزة أسقطت النظام الدولي والمجتمع الدولي، كما سبق وأسقطت فلسطين القانون الدولي وكل قوانينه وتشريعاته..؟!
حقا، يصعب على الكاتب أن يجد المفردات اللغوية لوصف ما يجري في غزة مهما كانت ثروته اللغوية زاخرة وثرية، لكن غزة جردتنا من القدرة على وصف ما يجري فيها من هول الجرائم المروعة التي تستهدف الأطفال والنساء والمدنيين العزل في ظل صمت عربي ودولي بل وتآمر عربي ودولي رسميين، وإلا كيف لهذا العدو أن يفجر بجرائمه بهذه الصورة المروعة والبشعة فيما أمريكا تؤكد وبكل سفور ووقاحة إنها لا ترى أن الصهاينة يستهدفون المدنيين؟! يا الله.. رحمتك.. ولعنتك.. رحمتك بالشعب الفلسطيني المظلوم من الأعداء والأصدقاء ولكنه أشد إيلاما من ظلم ذوي القربي.. ولعنتك على كل متآمر ومتخاذل وعدو همجي مجرد من الأخلاقيات الإنسانية ولا ينتمي للبشرية ولا حتى لعالم الحيوانات.
ثم يأتي من (السفلة) من ينتقد موقف صنعاء وسيدها القائد عبد الملك الحوثي الذي أصطف لنصرة المقاومة وها نحن نري أبواق الصهاينة يهددون ويتوعدون، مع إننا في مرحلة يتطلب فيها مواقف مشرفة ولتحرق الدنيا بمن عليها وإن لم نفعل سيلعننا الله ورسوله وملائكته والناس أجمعين.