الشهيد عبد القوي فارس .. رحلة في عالم الملكوت

فضل فارس

من ربى منطقة مران التابعة لمديرية حيدان محافظة صعدة، تلك البلدة الخضراء بخضرة أرضها، رونق الأرض الخيرة بجمال طبيعتها الخلابة وبشاشة أوجه ساكنيها الطيبين ، بلدة الطهر و مأوى حلال الطاهرين.. مران الخير والعزة مسقط رأس الحسين بن بدر الدين وآبائه ونهضته القرآنية.. من تلك البقعة المباركة التي من رحمها ولدت من جديد في خضم كل تلك التكتلات العالمية المذلة للشعوب و للإنسانية بشكلٍ جمعي ، على أيدي بني إسرائيل مسيرة النبيين وعزة وشجاعة وصولة وكرامة ونبل وحكمة الصديقين والمؤمنين من أهل بيت نبيه سيد الأولين و الآخرين.. على تلك البلدة الطيبة نطل و نشرق بكل وفاء بكلماتنا المتواضعة و التي لا تفي حق من كتبت بحقه ، إلا أن في مضمونها قول الحق على تاريخ رجل من رجالها ، من رجال الإسلام وصحوته التي أعادت بدرر مشروعها القويم الحياة العزيزة بعزة الإسلام في قلوب أبناء هذه الأمة. وهذا الرجل العظيم ابن هذه البلدة الطيبة هو الشهيد المجاهد عبد القوي صالح فارس، الاسم الجهادي ( أبو صامد) من مواليد العام ١٩٩٢ م. نشأ وترعرع في كنف والده الشهيد صالح فارس ، ذلك الرجل العظيم والسباق في جهاده في سبيل الله مع سليل العترة المطهرة ربان سفينة النجاة لهذه المسيرة المظفرة.. الشهيد عبد القوي فارس ومنذ نعومة أظفاره نهل العلم والهدى من نبعه الصافي والفياض ، حيث كان والده الشهيد يحضره معه وهو في سن العاشرة من عمره إلى مجالس الهدى والتقى.. مجالس العلماء الأفاضل والتي منها مجلس الشهيد القائد ليستمع للدروس والمحاضرات القيمة في بداية انطلاق المشروع القرآني. الشهيد عبد القوي فارس ما إن اشتد عوده وبدأ بإدراك الواقع من حوله ، حيثما كان الواقع المرير بعد الحرب الأولى وما تلاها من أوضاع مأساوية في ظل سيطرة إجرامية لثلاثة حروب عدوانية ( هي الثانية والثالثة والرابعة)، على هذا المشروع القرآني من قبل السلطة الظالمة آنذاك .. حتى انطلق في هذه المسيرة المباركة . حيث كان له فضيلة السبق في الحرب الرابعة في ظل تلك الأوضاع المأساوية من المطاردات والقتل والتكفير والتجريم لكل من يرتبط أو له علاقة ولو ضئيلة بهذا المشروع القرآني المقدس.. عموماً استمر الشهيد في انطلاقته الجهادية مع الله ، فشارك في الحرب الخامسة وكذلك في الحرب السادسة.. وكان له دور فعال. ومع مرور الأيام وتمكين الله لعباده المتقين واصل الشهيد مشواره الجهادي معتمداً على الله وفي سبيله. وفي هذا العدوان الغاشم كان له البصمات الحية في العمل الإداري والعسكري ، حيث تولى العديد من المسؤوليات الجهادية والتي منها مسؤولاً على أمن وحماية الفرقة الأولى مدرع في بداية العدوان ، كذلك معسكر الصباحة العسكري التابع آنذاك لمجاميع ابو يونس الحوثي. كذلك تولى العمل الوقائي في قسم الدروع المركزي برفقة بزيه وابن قريته ، رفيق دربه الشهيد يحيى قاسم الدريب.. وعلى تلك الوتيرة من العمل الجاد في سبيل الله، واصل الشهيد مشواره الجهادي ، حيث وبعد فترة من استشهاد رفيق دربه الشهيد يحيى قاسم الدريب ، لم يطق بعده المكوث في صنعاء ، فهي – كما قال في كلمته الشهيرة – ( مقبرة الإيمان).. عند ذلك عمد إلى الانتقال إلى المنطقة الرابعة وهناك كان له بصمات جهادية عظيمة ، حيث تولى العديد من المسؤوليات بداية بعمل شؤون أفراد الدفاع الجوي المركزي للمنطقة الرابعة ومن ثم العمل الرسمي الذي كلف به في بشرية المنطقة الرابعة. الشهيد عبد القوي فارس ، وهو في بشرية المنطقة الرابعة تابعاً للأخ زكي كعيت. كان ذا همة عالية في أداء مسؤوليته الجهادية رجلاً مؤمناً بشوش الوجه حسن الطباع والتعامل مع الآخرين سليم الفطرة والسريرة قنوعا صادقاً صابرا. حيث وأنه قد كلف بالعديد من المسؤوليات الجهادية والتي كانت منبراً جهاديا شخصت – في أعلى أوسمة النجاح – تميزه وإخلاصه وعرفانه الذي عرف به وكان سيماه الظاهر في محياه لدى الجميع في كل تلك الفترة من مسيرة جهاده العظيمة في سبيل الله. كان آخر تلك الأعمال الجهادية التي كلف بها – وهو في جميعها مخلص وصادق ملتزم وأمين – هو أن كلف بقيادة ميدانية لعدد من المجاميع المقاتلة وذلك في جبهة كرش التابعة إداريا لمحافظة لحج. وفي فترة أواسط العام ٢٠١٨م ، وبالتحديد في أبريل ، وقد صعّد العدو في تلك الجبهة جبهة كرش وقد أتى التوجيه من القيادة العليا برفد تلك الجبهة وهنا توجهت امتثالاً للتوجيهات مجاميع من المركزيين في المنطقة للتعزيز .. وفي تلك الجبهة كان أن وقع الاختيار من القيادة على الأخ أبو صامد وذلك نظرا لكفاءته الميدانية بقيادة تلك المجاميع.. وهنا وفي هذه المعركة أتى اليوم بعد كل هذه الرحلة المباركة والمعطاءة مع الله التي فيها قدم الشهيد الموقف الذي لا يُنسى موقف يقشعر له البدن ويليق برجل حمل الإيمان على كف والسلاح على الأُخرى في سبيل الله ، موقف يخلده التاريخ ولا يمحوه الزمن ، موقف وفاء وإباء وعطاء وتضحية وفداء، حيث جعل من روحه الطاهرة الزكية درعا يحمي به أصحابه من التفاف العدو ومحاولة الانقضاض على إخوانه، انتهى بارتقائه شهيدا رافعاً رأسه في لحظة تنحني فيها رؤوس من أطلقوا الرصاص عليه ، تحت قدميه، لشموخه وثباته في القتال واستقباله للشهادة.. وهل يليق بمثله إلا الشهادة ، وقد فاز بها كهدية تمناها وسعى اليها بكل قوة وإخلاص منذ بداية انطلاقته في المسيرة والمشروع القرآني العالمي. فرحمة الله عليك يا شهيد الوطن والأمة ، فأنت تحمل أعلى درجات الإيمان وأسمى ألقابه.. والشهادة التي حققتها شهادة على وفائك لله ولوطنك .. وستظل ذكراك خالدة في قلوبنا وتاريخنا. كان ذلك اليوم ، هو اليوم الأليم على قلوبنا لفراقهم ولكنه المبارك والسعيد لهم فيما قد وصلوا إليه من النعيم والفضل والسعادة. إنه يوم الثامن عشر من أبريل من العام ٢٠١٨ م ، اليوم الذي كان اليوم التالي له التاسع عشر من الشهر نفسه، يوم ارتقت النفس الطاهرة والأبية للشهيد الرئيس صالح الصماد . وبهذا كانوا وكأسمائهم ولم تفرق بين رحيلهم ، إلا ساعات قلائل.. وتلك المنة والفضل من الله عليهم صامداً وصمادا .

قد يعجبك ايضا