الصراع الدولي والإقليمي في البحر الأحمر وباب المندب بعد ظهور الكيان الصهيوني 1-3

 

لمحة
يُروى عن القديس أوغستين، أن أحد القراصنة وقع أسيراً لدى جيش الإسكندر الكبير، فسأله الإسكندر : كيف تجرؤ على إزعاج العالم بأسره ؟! أجاب القرصان : لأنني أفعل ذلك بسفينة صغيرة فحسب، أدعى لصاً، وأنت الذي يفعل ذلك بأسطول ضخم، تدعى إمبراطوراً*(1)

مقـــــــــــدمة :
تكمن الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر في موقعه الجغرافي الذي يربط بين ثلاث قارات: أفريقيا وآسيا وأوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، مروراً بقناة السويس المصرية، فهو يعتبر ممراً ملاحياً مهماً في مجال الجغرافيا السياسية والاستراتيجية.
تتداخل هذه الأهمية وتتفاوت بالنسبة الدول المشاطئة والقوى الإقليمية والدولية، ما بين أهميته الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكن تبقى الأهمية الاقتصادية والأهمية العسكرية والأمنية هما أكبر الدوافع للتنافس الإقليمي والدولي على البحر الأحمر والتخوم المجاورة له.
هذه الأهمية جعلت الدول والقوى الكبرى، قديماً وحديثاً، تحاول الهيمنة على البحر الأحمر وباب المندب، وتسعى بشتى السبل لأن يكون لها موضع قدم على شواطئ البحر الأحمر بشكل عام وعلى مضيق باب المندب بشكل خاص، وكانت شواطئ الدول المطلة عليه سبباً في استعمارها .
صراع النفوذ والهيمنة على البحر الأحمر يأخذ ثلاثة مستويات متداخلة: محلية، إقليمية، دولية، وهو مستمر بأشكال مختلفة، وفي هذه الورقة، سنحاول معرفة القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في الصراع مع التركيز لمعرفة الدور الإسرائيلي. ونبحث عن إجابة للسؤال: هل يصبح البحر الأحمر منطقة نفوذ غربية إسرائيلية خالصة في ظل الأحادية القطبية؟ وأين تقف القوى الشرقية الممثلة بالصين وروسيا وإيران وتركيا في هذه المواجهة ؟.
كما سنقف على واقع الدول المطلة على ضفتي البحر الأحمر وباب المندب ومدى تأثرها بفعل الأطماع والصراع، و نحاول معرفة لماذا تغيب الدولة الصومالية منذ ثلاثه عقود، وعلاقة الحرب على اليمن بالبحر الأحمر الأحمر وباب المندب ؟.
الثورة / عباس عبدالله السيد

أولا: البحر الأحمر وباب المندب.. أرقام وأحداث
يقع البحر الأحمر بين قارتي آسيا وأفريقيا، ويبلغ طوله من أقصى الشمال حتى باب المندب 2100كم، وتصل مساحته الإجمالية إلى 438 ألف كيلومتر اً مربعاً، أما أقصى عمق له فهو 9850 قدماً. وهو أشد ضحالة عند طرفيه.
ظهرت أهميته الاقتصادية منذ القدم، لكن أهميته بدأت تشكل بؤرة للصراع الدولي بعد شق قناة السويس التي ربطت البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، واختصرت طريق التجارة العالمي التي كانت تستخدم رأس الرجاء الصالح ممراً لحركتها، مما أدى إلى تخفيض أسعار السلع، والنقل، وتوفير الوقت والجهد، إذ يوفر للسفن والناقلات العملاقة نحو 57-59% من المسافة، كذلك يوفر من 50-70% من كمية الوقود اللازمة تبعاً للحمولة والسرعة، وكل ذلك يتيح للسفن والناقلات زيادة عدد الرحلات، وسرعة الإمداد بالوقود والسلع، مما يؤثر على مستويات الأسعار.
كما أن قربه من أعلى مخزون نفطي في العالم، حيث يوجد نحو 70% من احتياطي النفط العالمي في منطقة الخليج الفارسي القريب من البحر الأحمر، زاد من أهمية هذا البحر كونه الطريق المختصر للوصول إلى هذا المخزون(2).
ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار البحر الأحمر أحد الشرايين الرئيسية للتجارة الدولية، ليس لأن 86% من صادرات النفط العربي في الخليج الفارسي تمر عبره فحسب، وإنما لكونه معبراً لحركة التجارة بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وكذلك أمريكا، إذ يبلغ عدد السفن التي تمرمن خلال بوابته الجنوبية، باب المندب، نحو 25 ألف سفينة وقطعة بحرية في العام، و30% من النفط العالمي سنويًّا يمر عبره، بمعدل 4.5 مليون برميل يومياً.
وتقدر قيمة السلع والبضائع التي تمر عبر البحر الأحمر بنحو 2.5 تريليون دولار سنوياً، تمثل نحو 15% من التجارة العالمية. ومن خلاله تمر 60 % من الاحتياجات الأوروبية من الطاقة، ونحو 25 % من الاحتياجات الأمريكية من البترول الخليجي.

مضيق باب المندب
مضيق باب المندب يعد البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، ويقع بين اليمن وجيبوتي. المسافة بين ضفتي المضيق 22 كم، وتعمل جزيرة “ميون”(2)التابعة لليمن على تقسيم المضيق إلى قناتين، الشرقية منها تعرف باسم باب إسكندر عرضها 3 كم وعمقها 30 متراً . أما القناة الغربية واسمها “دقة المايون” عرضها 16 كم وعمقها بين 100 إلى 200 متراً، وهي المستخدمة في الملاحة الدولية . فيما يبلغ عرض الطريق البحري المزدوج نحو 3.5 كم غربي الجزيرة اليمنية ميون، لأن المياه عند الساحل الجيبوتي ضحلة . ويبلغ طول المضيق نحو 150 كيلومتراً ممتدة من جنوب إريتريا حتى الحدود الجنوبية لجيبوتي مع الصومال .
وقد منحت جزيرة ميون اليمن أفضلية في الإشراف على المضيق . ووفقاً للقانون البحري الدولي، فإن المياه الإقليمية للدولة تبلغ 12 ميلا من نقطة على الساحل، ما يعني أن الممر الملاحي في باب المندب يقع في المياه الإقليمية اليمنية، لكن مساع القوى الكبرى لتدويل الممرات المائية في المضائق والتي بدأت عام 1982م، ثم توجت بـ”اتفاقية جامايكا ” في نوفمبر 1994م، التي قلصت الحقوق السيادية للدول المشاطئة للمضائق والممرات البحرية وبينها باب المندب .
على الضفة الغربية لباب المندب تقع دولة جيبوتي، وهي دولة صغيرة في القرن الأفريقي، مساحتها نحو 23200 كم. مربع وسكانها يقاربون المليون نسمة، تتمتع جيبوتي بأهمية استراتيجية وموقع متميز بإشرافها على باب المندب، وتعتمد في اقتصادها على ” الاستثمار ” في استضافة القواعد العسكرية للدول الأجنبية، إذا تمتلك كل فرنسا، الولايات المتحدة، الصين، اليابان، ودول أخرى أوربية وعربية قواعد عسكرية في جيبوتي، وتحصل بالمقابل على مئات الملايين من الدولارات سنويا من عوائد تأجير الأرض للقواعد الأجنبية.
كما يعتبر الجزء الجنوبي من إريتريا ضمن المجال الحيوي لباب المندب.

محطات من تاريخ الصراعات والأطماع
كان لتدخلات القوى الدولية أثر كبير على أمن شعوب البحر الأحمر منذ عهد الفراعنة والأشوريين والرومان والفرس والبطالمة، وتواصل هذا التأثير بظهور البرتغال التي امتلكت أسطولاً بحرياً كبيراً، لكنها اصطدمت بالعثمانيين على سواحل الحبشة منتصف القرن الـ 16 الميلادي .

أواخر القرن التاسع عشر تضاعفت الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر بعد فتح قناة السويس في 1869م، وتضاعفت بالتالي اهتمامات القوى الدولية في السيطرة عليه وحرصها على أن تكون قريبة من باب المندب، وسعت القوى الغربية، فرنسا، بريطانيا وإيطاليا إلى تثبيت أقدامها في المنطقة، وكانت موانئ البحر الأحمر محل اهتمام ونقطة التحول في عملية استعمار منطقة البحر الأحمر وما حوله .
بعد الحرب العالمية الثانية، تراجع الحضور البريطاني والفرنسي وتحول البحر الأحمر إلى ميدان تنافس بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي .
ومنذ الحرب العالمية الثانية مارست الولايات المتحدة حرباً سرية في منطقة جنوب السويس ضد الاحتكارات البريطانية المسيطرة في ذلك الوقت، ومن خلال علاقاتها مع أثيوبيا حصلت على قاعدة ” كاجينو ستيشن ” في إريتريا قبل استقلالها، واتخذت منها منطلقاً استراتيجياً فيما بعد قناة السويس إلى داخل البحر الأحمر(3).
بينما مد الاتحاد السوفييتي جسور التعاون إلى مصر بعد العام 1956م لضمان مرتكز استراتيجي يستند إلى خصائص مصر الجيوسياسية بإطلالتها على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، أما على صعيد جنوب البحر الأحمر فقد ركز السوفييت على كسب صداقة اليمن حيث وقّعوا مع ” المملكة المتوكلية اليمنية ” التي حكمت شمال اليمن بين 1918 و 1962م، معاهدة صداقة في نوفمبر 1955م، ثم لاحقاً مع اليمن الجنوبي، وتوجت هذه العلاقات بتوقيع معاهدة صداقة وتعاون بين البلدين الآخر عام1979 م.

ثانياً: ظهور الكيان الصهيوني واستراتيجيته في البحر الأحمر
قبل ظهور دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين عام 1948م، كان البحر الأحمر بحيرة عربية إسلامية خالصة – بالنظر إلى ثقافة السكان في الدول المطلة عليه، بما في ذلك سكان الساحل الإريتري الذين استنجدوا بالسلطنة العثمانية لطرد البرتغاليين الذين استدعاهم ملك الحبشة منتصف القرن السادس عشر . (5)
بعد تأسيس دولة الكيان الإسرائيلي، أخذ الصراع في منطقة البحر الأحمر أبعاداً جديدة، وأججت الأطماع الصهيونية في البحر الأحمر حمى الصراع والاستقطابات .

البداية من ” أم الرشراش “
عام 1949م، بعد عام من تأسيس الكيان الإسرائيلي، احتل الصهاينة قرية أم‌الرشراش العربية المصرية، وحصلوا على ساحل بطول سبعة كيلومترات أطلوا من خلاله على مياه البحر الأحمر .
كشف “ديفيد بن جوريون ” أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني، استراتيجية دولته في البحر الأحمر وقال : ” إن سيطرة إسرائيل على نقاط في البحر الأحمر هي ذات أهمية قصوى لأن هذه النقاط ستساعد إسرائيل على الفكاك من أي محاولات لمحاصرتها وتطويقها كما ستشكل قاعدة انطلاق عسكري لمهاجمة أعدائنا في عقر دارهم قبل أن ‌يبادروا إلى مهاجمتنا ” (6)
وفي عام 1956 قال قائد البحرية الإسرائيلية السابق : ” نحن نملك أسطولاً بحرياً ضخماً يعمل في كافة موانئ العالم، ولهذا علينا أن نعد العدة في المستقبل كي تستطيع أساطيلنا البحرية والحربية أن تحطم الحصار العربي المفروض علينا وأن نفرض الحصار بدورنا على الدول العربية عن طريق تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية” (7).

من الشاطئ إلى المضائق
يضم البحر الأحمر ثلاث ممرات مائية هامة هي: باب المندب، قناة السويس، مضائق تيران، وقد كانت هذه المضائق سبباً رئيسياً في العديد من الصراعات والحروب في منطقة البحر الأحمر، وكانت دولة الكيان الإسرائيلي طرفاً في معظمها.
شرع الإسرائيليون في تنفيذ أهدافهم منذ وقت مبكر، ولخص “بن جوريون” غاية إسرائيل من التحكم بمنافذ البحر الأحمر بثلاثة أهداف:
1 ـ جعل البحر الأحمرمنفذاً إسرائيليا إلى القارة الأفريقية و بلدان شرق آسيا.
2 ـ استخدامه كشريان إسرائيلي والإفادة منه عوضاً عن قناة السويس.
3 ـ تفكيك الروابط القومية للعالم العربي(8)

مضيق تيران في خليج العقبة
مضيق تيران هو ممر مائي عرضه 4.5 كم، ويقع عند مدخل خليج العقبة. وتوجد جزيرتان في الممر المائي وهما تيران وصنافير، ومنه يتم المرور من وإلى مينائي العقبة الأردني و ” إيلات ” الإسرائيلي ” أم الرشراش ” شمال الخليج .
وقد حاولت دولة الكيان الإسرائيلي السيطرة على المضيق بطرق شتى، حرباً وسلماً، كون وضعه القانوني يتيح لأي نظام مصري محاصرة إسرائيل من خلاله، وقد تغير هذا الوضع بعد انتقال السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، وبهذا التغيير، اكتسب الممر الملاحي في مدخل خليج العقبة صفة ” ممر دولي ” بموجب القانون الدولي، نظراً لوقوعه بين أراضي دولتين، السعودية بملكيتها للجزر شرق الممر، والبر المصر من الغرب .
قبل ذلك، كانت المياه المحصورة بين جزر تيران وصنافير و الساحل المصري مياه مصرية خالصة، وهو وضع يمنح مصر حق إغلاق الممر الملاحي في وجه أي دولة معادية أو عندما تستشعر مخاطر على أمنها، وهذا ما حدث عام 1951 حين منعت مصر مرور السفن الإسرائيلية بمياه خليج العقبة واستخدمت القوة من أجل ذلك، كما أعلن جمال عبدالناصر في 23 مايو 1967 إغلاق مضائق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، وبعد هزيمة مصر في حرب 1967 مع إسرائيل، احتلت الأخيرة الجزيرتين، واستمر المضيق مفتوحا أمام السفن الإسرائيلية. وفي عام 1978م انتهت المشكلة بين إسرائيل ومصر باتفاقيات كامب دييفد التي نصت على ما يلي :
– حرية مرور السفن الإسرائيلية في قناة السويس، واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممراً دولياً.
– تتمركز قوات الأمم المتحدة في شرم الشيخ بضمان حرية المرور في مضيق تيران.
وفي البروتوكول العسكري لمعاهدة كامب ديڤد وضعت كل من جزيرة صنافير وجزيرة تيران ضمن المنطقة (ج) المدنية التي لا يحق لمصر أي وجود عسكري فيها حتى تضمن إسرائيل أن مصر لن تتحكم بهذه المنطقة الحيوية من البحر الأحمر. (9).
هذا الاتفاق المجحف الذي فرضه انتصار دولة الكيان في حرب 1967م، يتنافى مع القانون البحري الدولي الذي يعتبر المياه في مضائق تيران ” مياه محلية مصرية ” وليست دولية، لأنها واقعة بين أراضي الدولة نفسها، وهذا ما يمنح مصر حق التخلي عن الاتفاق في أي وقت .

” قناة البحرين ” الحلم الصهيوني
” قناة البحرين ” مشروع إسرائيلي يهدف لربط البحر الأحمر بالبحر الميت ويمتد إلى البحر المتوسط، ومنافسة قناة السويس . جرى التخطيط لها منذ عقود، لكن تنفيذها بقى مؤجلاً ومرهوناً بالظروف السياسية الملائمة .
بعد توقيع الكيان الإسرائيلي معاهدة السلام مع الأردن في عام 1994م، وقبلها اتفاقية ” أوسلو ” مع الفلسطينيين عام 1993م، أصبح المشروع ” إسرائيلياً، أردنياً، فلسطينياً “.
وفي عام 2002 كشفت الحكومتان الأردنية والإسرائيلية في مؤتمر قمة الأرض للبيئة والتنمية الذي عقد في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا عن مشروع ” قناة البحرين”.
وقوبل المشروع وقتها بغاضب ورفض من الدول العربية والدول المشاطئة للبحر الميت، بحجة أنه ينطوي على أبعاد تهدد المصالح الفلسطينية والعربية السياسية والاقتصادية والبيئية.
وفي عام 2005م، وقع الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية اتفاقاً لشق “قناة البحرين”، وفي ديسمبر/كانون الأول 2006، أعلن ممثلو الأطراف الثلاثة إطلاق “دراسة جدوى” لبناء قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت. وتشير دراسة أجراها البنك الدولي مع الأطراف الثلاثة إلى أن كلفة المشروع الكلية تقدر بحوالي 11 مليار دولار. (10)
وحول هذا المشروع قال ” آبا إيبان ” وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق: ” إن موطئ قدم لإسرائيل على البحر الأحمر يعوضها عن الحصار الإقليمي المفروض عليها، وعن طريق ربط المحيطات الشرقية والغربية عبر قطاع ضيق من الأرض يمكن لإسرائيل أن تصبح الجسر الذي تعبره تجارة الشعوب في القارات جميعها وبذلك يمكن تحرير شعوب آسيا وإفريقيا من الاعتماد على قناة السويس” (11).
ومن أجل ذلك، سعت إسرائيل إلى الوصول إلى وضع قانوني يضمن لها حرية المرور في مضائق تيران بصورة دائمة، قبل أن تغامر بتنفيذ مشروع بهذا الحجم يبقى خاضعاً لتقلبات العلاقة مع مصر، وكان لها ما أرادت في انتقال السيادة على جزر تيران وصنافير من مصر إلى السعودية. (12)
وهو ما تمّ في 8 أبريل 2016م، بتوقيع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز اتفاقية ترسيم الحدود السعودية المصرية. وبمقتضى تلك الاتفاقية انتقلت ملكية جزيرة تيران إلى السعودية.
الوضع القانوني السابق المضائق، كان يعوق الطموحات الإسرائيلية في إقامة مشاريع كبرى على غرار مشروع “قناة البحرين” المؤجل، الأن، يمكن لدولة الكيان الإسرائيلي تنفيذ حلمها في مشروع ” قناة البحرين ” وربط البحرين والمتوسط، مروراً بالبحر الميت، وبذلك لن يكون لمصر من خيار، سوى الدخول في منافسة صعبة مع القناة الإسرائيلية (13).

باب المندب ومحاولات التدويل
في الوقت الذي كان فيه الاستعمار البريطاني يتهيأ للرحيل عن الجنوب اليمني أواخر الستينات من القرن الماضي، بعد ١٢٨ عاماً من الاحتلال، أبدى الكيان الإسرائيلي مخاوفه من تعرض الملاحة الإسرائيلية للخطر في حال خروج القوات البريطانية من جنوب اليمن، واستلام الدولة اليمنية المستقلة لجزيرة ميون الواقعة في مضيق باب المندب. المخاوف الإسرائيلية كانت واضحة على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق آبا إيبان، وفي تصريح له في 29 يونيو 1966م، قال: ” إذا سقطت جزيرة بريم “ميون” في أيد غير صديقة، فقد ينجم عن ذلك موقف خطير، مشابه لما حدث في خليج العقبة وقد يكون أكبر خطراً “. (14) وطلب الإسرائيلي من بريطانيا عدم الانسحاب من الجزيرة والاحتفاظ بها حتى وضعها تحت الإدارة الدولية. (15).
وقد حاولت بريطانيا بالفعل تحقيق الطلب الإسرائيلي، لكن محاولاتها فشلت بسبب معارضة المجموعة العربية في الأمم المتحدة. فتحولت دولة الكيان نحو أثيوبيا .
استثمر الإسرائيليون علاقتهم مع أثيوبيا ـ قبل استقلال إريتريا ـ وحصلوا على موطئ قدم في جزيرة ” دهلك ” في البحر الأحمر سنة 1975م. ليقام عليها أول قاعدة عسكرية إسرائيلية. ثم تمكنوا من التغلغل في الدولة المستقلة إريتريا وعززوا تواجدهم جنوب البحر الأحمر من خلال استئجار جزيرتي “حالب وفاطمة” في الجنوب الغربي للبحر الأحمر ثم جزيرتي ” سنشيان ” و” دميرا ” والأخيرة هي أقرب الجزر الاريترية إلى باب المندب (16).

قناة السويس
قناة السويس هي ممر مائي اصطناعي ازدواجي المرور على الأراضي المصرية، يبلغ طولها 193 كم وتصل بين البحرين الأحمر والمتوسط، أفتحت في العام 1869م م خلال الاحتلال الفرنسي لمصر. بافتتاحها تضاعفت الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، ومعها تضاعفت الأطماع الدولية وزادت حمى الصراعات. وتعرضت مصر لعدوان ثلاثي عام 1956 من قبل بريطانيا وفرنسا والكيان الإسرائيلي، بعد تأميم الرئيس عبدالناصر لشركة قناة السويس، وتحويلها إلى شركة مصرية مساهمة.
وبسبب الحرب بين مصر والكيان الإسرائيلي عام 1967م، أغلقت على إثرها لأكثر من 8 سنوات، وأعيد افتتاحها في يونيو 1975م، شهدت القناة بعد ذلك عدة مشاريع لتوسيع مجراها وتقليل وقت عبورها بدأت عام 1980م وكان آخرها في 6 أغسطس 2015 مع افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة. استطاعت دولة الكيان الإسرائيلي وبدعم حلفائها الغربيين من الحصول على حق الملاحة في قناة السويس، وكانت مساعي الدول الغربية لتدويل الملاحة في القناة قد بدأت عام 1885م باجتماع في باريس، تلاه اجتماع في إسطنبول عام 1888م، ووقعت تركيا الاتفاقية نيابة عن مصر . (17)

المراجع والهوامش:
[ 1 ]. تشومسكي، نعوم، قراصنة وأباطرة، ترجمة دار حوران سوريا، الطبعة الأولى 1996م، ص : 5
[ 2 ]. باب المندب، المعرفة، متوفر على الرابط : https://www.marefa.org/%D9%85%D8%B6%D9%8A%D9%82_%D8%A8%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AF%D8%A8
[ 3 ]. يطلق عليها في المصادر الأجنبية اسم ” بريم Brim””
[ 4 ]. رستم، جمال عبد الرحمن، التنافس الإقليمي والدولي في البحـر الأحمـر وأثره على أمن الدول المتشاطئة.
[ 5 ]. رستم، جمال عبدالرحمن، مصدر سابق.
[ 6 ]. بشير، عمر، مستقبل اليمن بين التهديدات الداخلية والخارجية واستقرار البحر الأحمر، رسالة ماجستير، جامعة الأزهر فرع غزة . مارس 2010م.
[ 7 ]. المصدر السابق .
[ 8 ]. المصدر السابق .
[ 9 ]. https://www.marefa.org/%D8%AA%D9روجع في يونيو 2020
[10].https://www.aljazeera.net/encyclopedia/citiesandregions/2017/7/13/قناة الجزيرة، روجع في 1يونيو 2020
[ 11 ]. الموعد، حمد سعيد، أمن الممرات المائية
[ 12 ]. الكاتب .
[ 13 ]. الكاتب .
[ 14 ]. في اشارة إلى إغلاق المصريين لمضائق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة .
[ 15 ]. لقمان، حمزة علي، تاريخ الجزر اليمنية.
[ 16 ]. المصدر السابق
[ 17 ]. تأميم قناة السويس، المعرفة، مصدر سابق .

قد يعجبك ايضا