الحرب على المستشفيات في غزة

 

فاطمة سلامة

تكثُر الاتفاقيات والبروتوكولات التي تتحدّث عن حماية المواقع المدنية خلال الحروب والأزمات والتي تقع في صلب القانون الدولي الإنساني، الذي يندرج في سياق المواقع المدنية المنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات ودور العبادة وما إلى هنالك من المنشآت المحمية، اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، والبروتوكولان الأول والثاني لاتفاقيات جنيف (1977)، واتفاقية لاهاي (1954) تضمنت بنودًا واضحة في هذا السياق، إلا أنّ كل تلك المواد القانونية والبروتوكولات بقيت حبرًا على ورق في كل الحروب التي شنتها “اسرائيل”، استهداف المدنيين كان الهدف الأساس في تعليمات وزراء الحرب الذين تعاقبوا، حسب قناعاتهم، يشكّل هذا الأمر وسيلة ضغط وعبء على الخصم أو العدو ما قد يجعله ــ وفق أوهامهم ــ يرفع الراية البيضاء ويستسلم. والمُلاحظ، أنّه كلما كان الفشل حليف “الإسرائيليين” في الميدان العسكري، كلما كان المدنيون “كبش محرقة” لتبلغ “الوحشية” الإسرائيلية حدًا لم يشهده التاريخ البشري.
وقد كانت المستشفيات في حرب غزة واجدة من تلك المواقع المدنية التي لم تسلم من إجرام الاحتلال، بل ارتُكب فيها أفظع الجرائم. ولا تزال الصور المؤلمة لمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) شاهدًا على وحشية هذا الكيان الذي لا يقوم إلا على سفك الدماء. وقد خصّصت حماية خاصة للمستشفيات في “المادة 18” من اتفاقية “جنيف الرابعة” التي تنص على أنّه “لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء، ويجب احترامها وحمايتها في جميع الأوقات”، كما نصّت “المادة 19” من الاتفاقية نفسها على “عدم جواز وقف الحماية الواجبة للمستشفيات المدنية”. وتُلزم اتفاقيات جنيف الأربع -المادة الثالثة المشتركة- جميع الأطراف على وجوب “جمع الجرحى والمرضى والعناية بهم”.
إدراج القوانين الدولية والمواد القانونية ليس من باب الحديث عن انتهاكها من قبل العدو. الأخير لم يكن في يوم من الأيام يُولي أي أهمية لكل ما يمت للقانون بصلة، وعليه، لا غرابة بهذا الأمر، إلا أنّ إدراج تلك القوانين يأتي كحجّة تُلقى على من يتغنّون بتلك القوانين ويرفعونها شعارات، وفي المقابل يتغنّون بصداقتهم مع الكيان الغاصب ويُدافعون عنه.
وقد شكّلت المستشفيات والمراكز الصحية بنك أهداف العدو “الإسرائيلي” في كامل قطاع غزة، وفي أحدث إحصائية لمنظمة الصحة العالمية، فقد سُجّل أكثر من 200 استهداف للمنشآت الصحية في قطاع غزة، كما خرج 51 مركزًا تابعاً لوزارة الصحة ومنظمة “الأونروا” من أصل 71 مركزًا عن الخدمة، كما عمدت قوات الاحتلال الى قتل 70 فردًا من طواقم “الأونروا” العاملة في الميدان، وفق ما أعلن المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط الدكتور أحمد المندري. هذا عدا عن استشهاد آخرين يعملون في مجال الرعاية الصحية.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فقد أدى القصف “الإسرائيلي” الى توقف ما يقرب من نصف مستشفيات القطاع المتواجد فيه 35 مستشفى، توقف منها 16 مستشفى عن العمل بسبب القصف الإسرائيلي ونفاد الوقود الخاص بتشغيل مولدات الطاقة الخاصة بها جراء الحصار “الإسرائيلي”، هذا عدا عن التضرر الجزئي لبعض المستشفيات، حيث أشير في وقت سابق الى أنّ أضرار القصف طالت 26 مستشفى، وأكثر من 23 سيارة إسعاف.
ولا يخفى على أحد أنّ الوضع في مستشفيات قطاع غزة “سوريالي” حيث تعمل هذه المستشفيات بـ3 أضعاف طاقتها التشغيلية، لا قدرة استيعابية، لا أدوية ولا مستلزمات طبية. لا مياه ولا كهرباء وندرة شديدة في كل الموارد تقريبًا، غرف الرعاية المركزة امتلأت وغرف العمليات تعمل على مدار الساعة، حتى أنّ الأمر وصل ببعض المستشفيات الى إجراء نوع من المفاضلة بين الجرحى، الواقع الذي أعلنت عنه وزارة الصحة في القطاع متحدثة عن “انهيار تام” للمنظومة الصحية في كل مستشفيات القطاع.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، ثمّة 130 طفلًا تحت أجهزة التنفس الصناعي مهددون بالموت حال انقطاع الكهرباء، و1000 مريض يعانون من الفشل الكلوي مهددون بعدم الحصول على الخدمات، وكذلك عدد كبير من المرضى المصابين بالسرطان والأمراض غير السارية والمعدية الأخرى، ووفق المنظمة، هناك مستشفيات مهدّدة بالقصف الإسرائيلي، وهذه المستشفيات تؤوي مئات المرضى ومئات الآلاف من اللاجئين الذين يلجأون إليها كأماكن آمنة، لكن للأسف يد العدوان والعبث تطال هذه الأماكن الآمنة.

قد يعجبك ايضا