
لا يرتبط الفن بالحرية –فقط- من حيث إمكانية التعبير من خلاله عن القضايا الاجتماعية وعن الحريات وحقوق الإنسان وما إلى ذلك من المضامين الاجتماعية التي تحمل رسالة بل يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في علاقته بالحرية من حيث مفهومه الجوهري في حد ذاته وطبيعته وماهيته كفعل وممارسة.
فالفن عبارة عن علاقة جديدة بين الواقع والذات بين الإنسان وما حوله إذ يقوم على فكرة تشكيل علاقة مختلفة بين الأنا والفعل وخلق طرق مختلفة في التفكير والتعبير والممارسة. فإذا تجاوزنا التعريفات المألوفة لكل من الفن والحرية إلى البحث عن العلاقة بينهما سنجد أن كلا منهما يقوم على فكرة (تجاوز الواقع فضاء التحرر والانسلاخ من كل القيود).
فالشعر مثلا يقوم على تشكيل علاقات لغوية جديدة وإيجاد مساحة تعبير واسعة وفضاء لغوي مجترح يخالف المألوف والشعر بهذا جزء من الفن الأدبي عموما في قيامه جوهريا على كسر العلاقة المرتهنة للمألوف في التعبير واستعمال اللغة ومن ثم تشكيل علاقات جديدة بينها…
وأما الرسم فيستخدم الألوان الموجودة في الطبيعة لكنه يعيد تشكيلها بحرية وفقا لنظام ما لا بد أنه يخالف كل الأنظمة المألوفة وإلا لما سميناها إبداعا وأما السينما فتقوم بتحدي الواقع بخلق واقع جديد وتتجاوز الزمن والمكان وحتى سنن دورانهما وتتنقل في فضاءاتهما بحرية تامة وتتجاوز كل قوانين الطبيعة (حيث مثلا يمكنك أن تشاهد حياة كاملة في ساعتين). بالإضافة إلى خلطها بين كل الفنون وأدوات الواقع (الصورة الحركة الموسيقى) ومزجها وفقا لقواعد خاصة مجترحة ومبتكرة.
بالنسبة للتصوير فيبدو تحد لعجلة الزمان والحدث حين يحبسها في إطار قد يكون ذلك عكس فعل الحرية لكن أليس العجز عن الإمساك باللحظة أيضا قد يشعرك بعبودية ما¿ لكن التصوير يمكننا من ذلك وهنا يصبح الإمساك باللحظة تجاوزا لقوانين الطبيعة ومجاوزة للمألوف وخرقا له.