العدو يعترف بخسائر قاسية ومؤلمة ويُخفي الأرقام الحقيقية

معركة كسر إرادات بين المقاومة والعدو
نيران «الياسين» تتصدى للتوغل الصهيوني والمجاهدين يشتبكون مع العدو خلف خطوطه
أنباء عن مشاركة وحدة «دلتا» الأمريكية الخاصة في القتال ضد الفلسطينيين

الثورة /

الاحتلال بدأ بالتحرّك بشكل أكبر في ثغرات ومناطق مفتوحة شمالي قطاع غزة، متقدّماً عبر 3 محاور على الأقل، ومعترفاً بضراوة المقاومة الفلسطينية في مختلف المناطق، إذ وصف المعارك بـ”الشرسة والمعقّدة والمكلفة”، فما أبرز تفاصيل الميدان؟
بعد عدة أيام على إعلانها من قبل نتنياهو، بدأت المفاعيل الأولى «للعمليات البرية الموسّعة» لجيش العدو بالظهور. ويمكن تلخيص المشهد المتغيّر بين اللحظة والأخرى بأنّ قوات العدو تحاول التقدّم ميدانياً بشكل متفاوت، في مناطق مفتوحة، على عدة محاور في قطاع غزة، بينما تتكبّد قواتها خسائر كبيرة يجري التكتّم عليها بشكل واضح من قبل العدو، ولا سيما مع توثيق المقاومة لعدة عمليات ضد القوات المهاجمة.
فقد بدأ الاحتلال بالتحرّك بشكل أكبر في ثغرات حاول فتحها في اليوم السابق في مناطق شمالية في قطاع غزة، متقدّماً عبر 3 محاور على الأقل؛ شمالي غربي على الخط الساحلي حول بيت لاهيا باتجاه مخيم الشاطئ، وشمالي شرقي في محيط بيت حانون من الجهتين الشرقية والغربية، إضافة إلى تقدّم أساسي في جنوبي مدينة غزة، باتجاه شارع صلاح الدين ومنه باتجاه الخط الساحلي.
ويقوم الهجوم، الذي يسعى عبره الاحتلال لردّ الاعتبار لقدرات جيشه المهزوم في معركة 7 أكتوبر، على الاستفادة من القصف العنيف الذي نفّذه طيلة أكثر من 20 يوماً على مناطق القطاع المختلفة، والذي تركّز على منطقة الشمال وحاول تدمير البنية التحتية للمقاومة بشكل عشوائي ومن غير وجود خرائط عن الأنفاق الموجودة في غزة، بحسب تصريحات المتحدث باسم جيش العدو نفسه.
وقد اعترف جيش العدو، بضراوة المقاومة التي يبديها الفلسطينيون في قطاع غزة، ووصف المعارك بـ «الشرسة والمعقّدة والمكلفة».
بدأ جيش الاحتلال محاولة للتوغّل بشكل واسع في ما يسمى «القاطع الشمالي» من قطاع غزة، والمتمثّل بشكل أساس بمدينة غزة نفسها ومحيطها الشمالي أي مدينة جباليا ومنطقتي بيت لاهيا وبيت حانون العمرانيتين، ومخيم الشاطئ غرباً.
وأطلق هجومه الأساسي من محور بيت حانون، على اتجاهين غربي بيت حانون وشرقيّها، في محاولة واضحة لتطويق البلدة الصغيرة التي لا يزيد عرض كتلتها العمرانية عن كيلومتر ونصف الكيلومتر، وتقع في الطرف الشمالي الغربي الأقصى من القطاع.
وقد تصدّت المقاومة بشكل كثيف لمحاولات التوغّل من المنطقة المفتوحة بين بيت حانون وبيت لاهيا، والمدعومة باتجاه تقدّم شرقي بيت حانون باتجاه جباليا، حيث كبّدت الاحتلال خسائر في الدبابات والآليات، وتصدّت قوة من المقاومة لتوغل في منطقة العطاطرة إلى الغرب من بيت لاهيا، وكبّدت الاحتلال خسائر بواسطة الأسلحة المضادة لدروع.
وتقدّم جيش الاحتلال الإسرائيلي بواسطة قوة من الدبابات والمدرعات على طول الشاطئ الرملي شمالي الخط الساحلي للقطاع، متجاوزاً منطقة الشاليهات والفنادق تحت وابل من القذائف التي أطلقها المقاومون من مناطق تحصّنهم، وصولاً إلى دوّار السلاطين، حيث حاولت التوغّل نحو شارع التوام ومن دوار البحر باتجاه حي الشيخ رضوان وشارع النصر، داخل ضواحي جباليا الغربية.
وبلغ حجم التقدّم حتى الآن في هذا المحور نحو 5 كم2 من الشمال إلى الجنوب، كما بلغ عرض المنطقة التي يتوغّل فيها الاحتلال نحو كيلومتر، ووقعت عليه اشتباكات رئيسية.
وقد أكّدت المقاومة مساء الثلاثاء وقوع قوة مدرعة من الاحتلال في كمين محكم في منطقة التوام، حيث استهدفت الآليات الإسرائيلية بصواريخ الياسين 105 المضادة للدروع وبالعبوات الجوفاء اللاصقة، عبر التحامات مباشرة من المقاومين من خلال التسلل والمواجهة، ما أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف الاحتلال.
كما استفاد الإسرائيلي من الفجوة العمرانية جنوبي مدينة غزة حيث المنطقة المفتوحة التي تسمى وادي غزة، والتي تشكّل خاصرة للقطاع، وتبعد حدودها عن الساحل ما لا يزيد عن 6.5 كم.
فبعد أن تقدم يوم الاثنين نحو شارع صلاح الدين عبر عدد قليل من الدبابات، واستطلع المنطقة ثم استهدف المدنيين وتراجع تحت وطأة تصدّي المقاومين للتحصينات والسواتر التي أقامتها الجرافات في المنطقة المفتوحة، هاجم أمس بتعزيزات كبيرة عبر الاتجاه نفسه، حيث يحاول شقّ القطاع إلى نصفين شمالي وجنوبي، وفصل مدينة غزة ومحيطها عن بقيّته.
ويعدّ المحور الجنوبي في المنطقة الوسطى، الممتد من جحر الديك حتى الشاطئ، المحور الأبرز الذي شهد أشرس المعارك ليلة الثلاثاء، إذ تجاوزت الدبابات الثلاثاء شارع صلاح الدين ووصلت إلى محيط مستشفى الصداقة التركي، بعيدةً كيلومترين عن شارع الرشيد الساحلي. وعلى الرغم من التقدّم في مناطق مفتوحة، ما يظهر سرعة في التوغّل يريدها الإسرائيلي لاستعادة معنويات جيشه التي تضعضعت بعد 7 أكتوبر، فإنّ الاحتلال وضع قواته في خطر الوقوع في كمائن المقاومة ومصيدة الهاونات ومضادات الدروع، مستنداً إلى ما أعلنه عن استعداد تام لتقبل وقوع «خسائر قاسية وتكلفة كبيرة» في العملية الجارية.
وفي مقابل التوغّل البري الإسرائيلي المتفاوت القوة والسرعة بين محور وآخر، تتصدى المقاومة بشكل متوازن ومدروس للقوات المدرّعة الإسرائيلية المتقدمة، والتي ترددت أخبار في أوساط متابعة للشؤون العسكرية أنّ الوحدة الأميركية الخاصة «دلتا» تشارك معها في عمليات قتالية خاصة.
وتحدثت أوساط في الإعلام الغربي عن سياسة التكتم التي يعتمدها الاحتلال الإسرائيلي، واصفين إياها بالمفضوحة. ونقل صحافيون إسرائيليون عن مصادر وقوع أكثر من 20 قتيلاً إسرائيلياً حتى ساعات مساء الثلاثاء فقط في الهجوم، بينما قدّر خبراء أنّ العدد يفترض أن يكون أكثر بكثير في ظلّ المعلومات عن عشرات القذائف الصاروخية التي أطلقها المقاومون على مدرعات ودبابات الاحتلال.
وفجر الأربعاء، أقرّ جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل 9 من جنوده سقطوا في معارك شمالي قطاع غزة، إضافة إلى إصابة 4 آخرين بشكل خطير، ليرتفع عدد الجنود الذين خسرهم حتى الآن بشكل رسمي إلى 11 من لواء غفعاتي فقط، ما يشير إلى فداحة خسائره.
وقد قتل الجنود الـ9 بعد أن تعرّضت آليتهم لصاروخ مضاد للدروع، ليبلغ بذلك عدد القتلى من الجنود الإسرائيليين الذين أقرّ بهم الاحتلال منذ 7 أكتوبر 326 جندياً.
وقد كشف الإعلام الإسرائيلي أنّ الجنود التسعة قُتلوا بعد إطلاق صاروخٍ مضاد للدروع على آلية «نامِر» المدرعة التي كانوا فيها، وهي إحدى المدرّعات الأشدّ تحصيناً في جيش الاحتلال والتي عمل على صناعتها خلال السنوات العشر الماضية لتكون حصناً لجنوده في التقدمات البرية.
وتأتي تحرّكات المقاومة وردودها المدروسة والمقننة على التوغّل البري، ضمن سياسة الاستدراج من الحافة الساقطة عسكرياً بالنيران والاستطلاع، إلى المناطق الداخلية التي تملك فيها المقاومة استحكامات متقدّمة، ويمكنها تنفيذ مناورات واسعة ضد قوات الاحتلال، كما يخوّلها ذلك الاستفادة من الأنفاق الموجودة في عمليات تسلل خلف خطوط العدو الأمامية حين يتقدّم أكثر.
ويمكن القول إنّ المعركة تتجه أكثر فأكثر لتصبح معركة استنزاف وكسر إرادات، حيث يبدو أنّ المقاومة ستقوم بالرهان أكثر على إيقاع خسائر مؤلمة في القوات المتوغلة الإسرائيلية، بدل الدفاع الجغرافي من داخل المناطق المحاصرة عنها لمحاولة صد التقدّم، والذي يعني خسائر كبيرة في صفوف المقاومين في حال حصل، وهو على كل حال ليس من تكتيكات حرب العصابات التي تميّز عمل المقاومة الدفاعي في وجه الجيوش الكلاسيكية وعملياتها البرية.
يسعى الاحتلال إلى إعلان سيطرة قواته على منطقة عازلة وسط قطاع غزة، لم يتمكّن من إتمامها إلى حين كتابة هذا التقرير. ولكن الواقع أنّ هذا السعي لعزل مناطق القطاع الشمالية عن الجنوبية تقابله تحديات عديدة قد تنقلب كارثة على الإسرائيلي.
فمن دون إنهاء قدرة القوات القتالية للمقاومة في شمالي القطاع، وهو بحسب خبراء إسرائيليين بعيد المنال مع وجود شبكة أنفاق سرية وعلى عمق عشرات الأمتار تحت الأرض، قد تقع القوات الإسرائيلية المتقدّمة بسهولة بين فكّي كماشة، وتضع نفسها في موضع ستتعرّض فيه بشكل دائم لتهديد الصواريخ القريبة المدى وقذائف الهاون والصواريخ الموجّهة، إضافة إلى خطر عمليات التسلل والالتحامات المباشرة، والتي أثبتت المقاومة أنها لا تزال تحافظ على قدرة واسعة فيها، من خلال عمليات تسلل بحرية وبرية كانت آخرها عملية موقع إيرز شمالي القطاع، على الرغم من كونه يقع وسط محور تقدّم إسرائيلي رئيسي.
كما يشكّل تصدّي المقاومة بشكل فعّال لمحاولات تقدّم إسرائيلية في شرقي خان يونس جنوباً، يرجّح العديد من الخبراء أنّها لمحاولة إشغال قوات المقاومة وخوفاً من إمدادات قد تصل من الجنوب إلى الشمال، دليلاً على أنّ القوات الفلسطينية موزّعة بشكل فعال بين الجبهات، وبحسب مختلف الفصائل المقاومة، والتي تقودها بشكل أساسي قوات كتائب القسام وسرايا القدس.
وبطبيعة الحال، فإنّ المزيد من التفاصيل ستتكشّف تباعاً عن طبيعة المعركة والوضع الميداني للمقاومة وقوات الاحتلال الإسرائيلي، ولا سيما مع الحديث المتزايد في إعلام الاحتلال وبين مسؤوليه عن نتائج قاسية للأيام الأولى للمعركة، ولكن ما يؤكده الخبراء هو أنّ المعركة البرية لا تزال في أولها بالنسبة للمقاومة، وأنّ الأيام المقبلة ستحمل المزيد من الفرص لإثبات المقاومة أنّ غزة قادرة على أن تدفن الغزاة عميقاً في رمال أنفاقها.

قد يعجبك ايضا