على أمريكا المسؤوليةُ والعواقبُ!

افتتاحــــــــــــــــية الثورة


لم تعد المذابح الصهيونية في قطاع غزة تُذكر بأرقامها بل بنسب مئوية لعداد الشهداء والجرحى في كل لحظة، ولم تعد الكلمات قادرة على وصف الفظاعات والأهوال التي يتعرض لها أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، أحياء بأكملها دمرتها الحرب الصهيونية على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين، وأصبحت أثراً بعد عين بعدما كنستها الطائرات الصهيونية المذخرة بالقنابل والصواريخ الأمريكية، أسر وعوائل بأكملها مُسِحَتْ من سجلات الحياة ولم يبق أحد يذكر بها أو يتحدث عن ذكرياتها، المشاهد والصور وحدها تحكي لنا اليوم عن حرب مروعة ومرعبة، وعن مآس وفظاعات وأهوال يتعرض لها سكان قطاع غزة الصامدة.
تسعة أيام مضت وشعبنا في قطاع غزة يعيشون جحيماً حقيقياً تحت حرب إسرائيلية أمريكية غربية، أتت على كل شيء، حجم الدمار الذي تظهره الصور مرعب، رغم أن الضربات الصهيونية التي لا تتوقف لحظة تحول دون نقل كل شيء، مذابح دموية فظيعة ومروعة، أطفال يموتون مع أمهاتهم وآبائهم وإخوانهم جميعاً، رُضَّع في أحضان الأمهات يُقتلون ويموتون تحت الأنقاض كل لحظة، أطفال يتامى قُتلت أمهاتهم وآباؤهم ولم يتبق لهم أحد إلا الله، آباء فقدوا أطفالهم وأبناءهم وزوجاتهم وأسرهم كاملة ولم يبق لهم إلا ذكريات تمزق قلوبهم، الدم يسيل كل لحظة، ورائحة الموت تفوح من غزة إلى كل الأصقاع في العالم، لا غذاء ولا ماء ولا كهرباء ولا أدوية، لقد قرر المجرمون إماتة غزة وسكانها وهاهم في اليوم التاسع يمضون في جريمتهم والعالم ما بين مشارك أو صامت أو جبان!
حتى من يحاول الفرار لم يتمكن بفعل الحصار، وحتى من يتجاوز الحصار تلاحقه الطائرات الصهيونية بالقصف، من يحاول الاختباء في أقبية المباني ليحتمي من الصواريخ والقنابل والشظايا يُدفن محصوراً بالأنقاض، لم يعد هناك مكان آمن في جميع أنحاء القطاع، فالغارات الصهيونية تستهدف كل شيء.
وإزاء ما يحدث فإنما هو ثابت ومؤكد أن آلة القتل الصهيونية الأمريكية التي تقذف حمم الصواريخ الارتجاجية وقنابل الفوسفور والبراميل المتفجرة والذخائر المحرمة المدمرة للحياة والبنى، من الجو والبحر والبر على أبناء غزة الأبرياء، قد وضعت الأطفال والنساء والمستشفيات والمساجد والنازحين والمسعفين، وكل المدنيين بل وكل فلسطيني في غزة وخارجها، أهدافاً عسكرية لها، وتهدف في نهاية المطاف إلى إبادة غزة ومسحها عن الخارطة.
وما هو مؤكد بكل الأعراف والقوانين والشرائع ودين الله وأنبيائه، أن ما تتعرض له قطاع غزة من حرب أهدافها الأساسية القتل للبشر أينما كانوا، وتتعمد قتل الأطفال الصغار والرضع وقصف المستشفيات والمسعفين والنازحين وكل الأحياء أينما كانوا، وتدمر المباني السكنية وتنسف الأحياء السكنية بأكملها وبما فيها من بشر، هو إجرام وطغيان عظيم لا وصف له من فظاعته ووحشيته، وأن إطباق الحصار المشدد والخانق على غزة وتحويلها إلى سجن محكم ومغلق على ملايين الأبرياء، ومنع الطعام والوقود والدواء والاحتياجات، وقطع الكهرباء والمياه عنهم، بالتوازي مع القصف الناري المكثف، لهي إبادة مروعة ووحشية بحق شعب أعزل لم يحتل أرضا يهودية ولا أمريكية أو غربية، بل ينشد حقه في تحرير أراضيه من الاحتلال الصهيوني ويدافع عن وجوده وحياته وعن مقدساته، ويتعرض للتنكيل والقتل والتهجير والاحتلال والإذلال منذ 75 عاما، وأن الوقوف معه ونصرته ومواجهة المعتدين عليه هو واجب شرعي وإيماني وإنساني وعربي، لم يعد يستدعي الحسابات أياً كان مضمونها وشكلها.
ما يتعرض له قطاع غزة تسمى حرب إبادة شاملة وكاملة الأركان، لكنها أفظع من ذلك وأطغى وأشد إجراماً وطغياناً، إنه قتل وإرهاب بالغ الوحشية، والمؤكد أن هذه الحرب هدفها قتل كل فلسطيني في غزة طفلاً كان أو شيخاً أو سيدة، فمن ينجو من الغارة الأولى ويخرج من تحت الأنقاض تلاحقه الطائرات الصهيونية إلى المستشفيات، أو إلى طرقات النزوح وأماكنه لتقتله فوراً، وفي أحيان تعود لقتله مرة أخرى في أنقاض منزله المدمر.
والثابت بوضوح أن أمريكا التي وضعت مخطط التهجير لمن تبقى من الفلسطينيين على قيد الحياة في قطاع غزة وفشلت في تنفيذه قد استبدلته بمخطط الإبادة لكل السكان، وأن عملية الإبادة بالقتل والإرهاب والترويع والحصار هو المخطط البدي الذي تدفع إليه أمريكا اليوم.
وما من شك أن حرب الإبادة التي تشن على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة ما كان لها أن تحدث لولا الغطاء والدعم والإسناد الذي توفره الإدارة الأمريكية للكيان الصهيوني المجرم، بل لم يذهب نتنياهو إلى قرار الحرب على قطاع غزة إلا بإذن من الإدارة الأمريكية أعلنه بايدن بنفسه يوم السابع من أكتوبر، وقال «حادثت رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، واتفقنا بأن يكون الرد حاسما يغير الوضع في قطاع غزة»، وأكد بأن دعم أمريكا للكيان الصهيوني ثابت كالصخر، وسارع وزراؤه ومسؤوليه إلى تل أبيب، مؤكدين دعمهم الحاسم والمفتوح لهذه الحرب الإجرامية التي تشن على قطاع غزة ، والأمر أكده وزير الدفاع الأمريكي ووزير الخارجية اللذان هرعا إلى تل أبيب لتأكيد صهيونيتهما أولا، وأكدا الدعم الأمريكي للحرب المروعة على قطاع غزة ثانيا، أعلنا أيضا عن توجيه حاملات الطائرات وحشود عسكرية أخرى للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط لدعم الكيان الصهيوني، وأعلن وزير الدفاع كذلك عن إسناد لوجستي للكيان الصهيوني بالذخائر والصواريخ، وبالفعل وصلت معدات عسكرية وصواريخ وذخائر أمريكية إلى تل أبيب بطائرات شحن عسكرية، وفيما تتعرض قطاع غزة لحرب إبادة مروعة في الأثناء يتزايد الدعم الأمريكي الموجه للكيان الصهيوني، ويجول وزير خارجية البيت الأبيض في المنطقة بهدف حشد الغطاء الإقليمي لعملية التهجير والإبادة التي يتعرض لها أبناء قطاع غزة.
هذا التحشيد الأمريكي الداعم لإسرائيل يجعل أمريكا مسؤولة عما يحدث ويجري في قطاع غزة من حرب إبادة وحشية مدمرة للبشر والبنى والحياة بأكملها، وما لم تُدفع أمريكا الثمن الكامل عن إجرامها المتواصل في قطاع غزة فستستمر إبادة غزة، وكما أن الانتصار لهذا الدم والشهداء والدمار الذي يحدث في غزة هو بقلع الكيان الصهيوني واجتياحه من لبنان وسوريا والأردن وفتح النيران عليه من كل الوطن العربي، فإن الدفاع عن المظلومين في غزة لا بد أن يشمل كذلك دك واستهداف كل القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، واستهداف مصالحها ووجودها في الخليج والمنطقة والقرن الأفريقي، وفي البحار والمياه الدولية، وإنهاء وجودها بشكل كامل، وما يجب أن تعرفه الإدارة الأمريكية أن استمرار الحرب على غزة سيعجل بالحرب المفتوحة على قواعدها ووجودها اليوم قبل الغد، وعليها اليوم أن تدرك بأن قواعدها العسكرية ومصالحها وكل وجودها في المنطقة ستكون نصب أهداف كل أحرار الأمة، وستدمر انتصاراً لأطفال غزة ونسائها وأبريائها، وأن النيران لن تكون من بلد واحد، بل من بلدان كثيرة ستحترق بها.
وأخيراً كان المأمول من الأنظمة العربية التي لديها سفراء صهاينة أن تقوم بطردهم، وإغلاق سفاراتهم وإنهاء العلاقات مع الكيان الصهيوني، وعلى المطبعين أن يعلنوا مقاطعة العدو الصهيوني وليس مطلوباً منهم دعم المقاومة بكل حال، المأمول أن يقوموا بما يقوِّم اعوجاجهم وخروجهم عن العروبة والدين إلى موالاة الصهاينة.. وغزة اليوم تحتاج إلى مواقف شجاعة وحاسمة وبشكل عاجل.. والله المعين والناصر لعباده المظلومين.

قد يعجبك ايضا