في الموجة الأخيرة لتدنيس القرآن الكريم، ثارت ثائرة العالم الإسلامي ولكن بشكل مكتوم عندما قام منحرفون بإحراق المصحف الشريف.
سجلت بعض البلدان ومنها اليمن مواقف نحسبها مشرفة أمام الله سبحانه، غِيرة على كتابه العزيز، فيما دست أكثر الدول رأسها في الرمال ريثما تمر أو تخف تداعيات الحادثة بتواطؤ كبير ضد كتاب الله.
مع ذلك، المنحرفون عادوا مرة ثانية وثالثة لتدنيس وإحراق المصحف، والمسلمون على حالهم، لا يزالون يشحذون سيوفهم لمعركة وهمية في خيالهم.
نفذت بعض المجتمعات مسيرات شعبية، أرادت التعبير من خلالها عن رفضها وغِيرتها على القرآن، فكانت جحافل العسكر (الإسلامية) لهم بالمرصاد.
وقبل أيام عاد فعل إحراق القرآن ليتجسد من جديد أمام العالم وفي ذات «السويد»، الدولة المارقة من القيم وخُلُق التعامل مع الآخرين، دون أدنى مراعاة لمشاعر أكثر من مليار مسلم.
والواضح من ذلك ربما، أننا صرنا في زمن غثاء السيل، بعد أن نجحت المؤامرة الصهيونية بأن تسلبنا القدرة على اتخاذ القرار والمواجهة بحزم وفرض احترامنا على الآخرين.
ليس بالضرورة أن تكون المواجهة عسكرية، ولكننا كمجتمع إسلامي بيدنا أكثر من ثلث القدرة العالمية على توجيه المسارات، عدداً وعتاداً، وثروة ومواقع جغرافية، إنما ستبقى الإرادة وخلع ثوب التهيب من الآخر هو ضالتنا كي نصير إلى لُحمة تمنع على الآخرين التجرؤ على مجتمعنا وديننا وثقافتنا.
ولما يكون الوضع على مثل الحال من الشتات يكون من الطبيعي أن تجد دولنا الإسلامية، في عزلة مع قضاياها البينية، فها هي مصر ترفع صوتها ضد استمرار اثيوبيا في ملء السد، والسودان وحيدة في مواجهة جراحها، تتنازعها مطامع دول عربية وغربية، وليبيا لا تزال منقسمة إلى حكومتين، وسوريا ترزح أوصال منها تحت الاحتلال الأمريكي والتركي، والشعب اليمني شماله وجنوبه يعاني منذ أكثر من ثمانية أعوام، فيما لا تزال الصومال تحت رحمة الإرهاب الغربي بأدوات محلية، وكل دولنا تعيش هموم المؤامرة، ومعها لا لُحمة حاضرة ولا حس بالانتماء يدفع لأن نضع كل المشاكل على الطاولة معاً ونبدأ بتفكيكها.
خلال اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، رفع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي المصحف الشريف إعلاء للكتاب المقدس وإنكاراً لفعل الاستهداف الممنهج والفارغ من جدواه، وحزب الله من لبنان أكد أن فعل تدنيس القرآن الكريم هو فعل لا يغتفر أن يمحا من نفوس المسلمين، مضامينه السمحاء التي ترتقي بالإنسان وتعلي شأن المُثُل والقيم، اليمن كانت دائماً ولا تزال تضع القرآن الكريم في المرتبة لمنهج الحياة.
مع كل ذلك يظل الأمر بحاجة لأن يكون العالم الإسلامي تحرك عزة وقول «لا»، كما الأمر بحاجة لأن يثبت العالم صدقيته في التعاطي مع مفاهيم الحقوق والتي منها الدينية والمعتقدات.
في غير دولة تشهد توترات بسبب المذاهب أو الطوائف أو ما شابه تثور ثائرة المنظمات الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن، انتصاراً حسب زعمها للأقليات أو أصحاب معتقد مغاير لما يقوم عليه دستور الدولة، إلا أن هذا المجتمع لا يحرك ساكناً وهو يرى هذا الفعل المشين الذي يستهدف أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.
وهكذا جرت العادة، استخفاف المجتمع الذي يزعم حضاريته بكل تلك الشعارات البرَّاقة، بل وحتى بالعلاقات مع دول العالم الإسلامي ألا يحرصون عليها لكنهم لا يحترمونها.