قدرة الفلسفة على صناعة الانتصار

يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد

 

تملك صنعاء اليوم – من خلال التلويح بالخيار العسكري ومن خلال حركة الاستعداد والقوة بالإضافة إلى الرصيد التراكمي للصورة الذهنية في المتخيل العام العالمي والرأي العام العالمي – القوة اللازمة والكافية لتحقيق المطالب المشروعة في الحرية والاستقلال ورفع الحصار والتعويضات وصرف المرتبات، فالكرة أصبحت في مرماها، وهي تملك من الدهاء السياسي ما يجعلها تصل إلى التحرير الكامل للوطن من المستعمر بدون تكاليف إضافية ولا تضحيات جديدة لكن بالاستناد إلى تراكمات السنوات الماضية التي خاض شعبنا فيها معركة وجوده ببسالة وتحد وتوظيف الظرف الدولي بما يحقق لها الانتصار السياسي.
ومن المستحيل اليوم أن تعود دول العدوان إلى الخيار العسكري وفق كل المعطيات الدولية ومؤشرات الواقع وهذا أمر أصبح معلنا كسياسة أمريكية فهم يسعون إلى خفض التوتر في المنطقة العربية وعدم السماح للروس والصين من سد الفراغات فيها ولذلك يحاولون تحسين صورتهم في واقع ذاق مرارة بشاعتهم .
لذلك نرى التأكيد على مبدأ التعايش، من خلال صيغة جامعة، فالتفرد أصبح مستحيلا وهو محكوم بالنهايات التراجيدية وبدوائر الصراع، ومن المستحسن أن نقف عند القضايا الكبرى بقدر من المسؤولية وقد تختصرها العناوين العريضة التالية :
– التفرد مستحيلا ومن حق الكل أن يعبر عن وجوده .
– الشراكة الوطنية ضرورة وطنية لا بد من تعريفها وتجديد أهدافها .
– المصالحة الوطنية – ولو حصل فيها غمط – ضرورة مرحلية حتى نجتاز عتبة التآمر وترتيب البيت من داخله .
– مراجعة الذات والبناء المؤسسي القادر على التفاعل مع المستويات الحضارية الجديدة، والقادر على صناعة مشروع سياسي مؤثر في النظام العالمي لا متأثر به .
– تنمية الذات والاشتغال على تفجير طاقاتها، وتنمية حركة النقد وصناعة الرموز الثقافية الواعية القادرة على صناعة الأبعاد الاستراتيجية.
– تنمية البعد الثقافي والاستفادة من توظيف كل الفنون لخدمة المشروع السياسي والاقتصادي كما دأبت بعض الدول كتركيا مثلا .
***
تلك التوجهات يجب أن تكون نصب أعيننا بعد أن وضعت الحرب أوزارها ومالت إلى زمن اللاسلم واللا حرب، فالاشتغال اليوم أضحى مقتصرا على التدافع الثقافي والاجتماعي بعد أن بلغ المستعمر غايته من السيطرة على مصادر الطاقة والتحكم بخط الملاحة الدولي والسيطرة على منافذ الغذاء .
لذلك يصبح الاستغراق في الحرب دون طائل، فهو لن يجعلنا نصل إلى نتيجة لصالحنا ولكن بالحساب المنطقي لصالح العدو, فهو يهدف إلى تبديد القوة البشرية المناهضة له، ولذلك يمكن البناء على حركة الصمود الأسطورية وتوظيفها في السيطرة على مقاليد المستقبل والتحكم بمساراته وهي تحفظ لنا قوتنا البشرية من الفناء الذي يريده المستعمر .
ولابد أن ندرك أن المستعمر وصل إلى غاياته وأهدافه فقد جعلنا شيعا وأحزابا وفرض سيطرته وهيمنته على كل مقدراتنا، ولعلنا نلاحظ اشتغاله في زمن الهدنة – زمن اللاحرب واللا سلم – فهو يريد إفراغ فكرة الصمود وفكرة الانتصار من مضامينها، وقد عمد إلى المؤشرات ذات الطبيعة الإيجابية ليفرغها من محتواها .
نحن أمام مرحلة فارقة تتطلب يقظة متناهية، فالحرب انتقلت إلى جبهات أخرى ومن المعيب أن نهزم فيها فالمرحلة تعتمد على الوعي وعلى الصناعة وعلينا أن نصنع غدنا بما يليق بنا .
والعالم اليوم يتحرك في مستويات حضارية مفرغة من المضمون الأخلاقي، وحتى نعي المستوى الحضاري الجديد الذي وصل اليه البشر لابد أن نسلم بالحقيقة الجوهرية الثابتة التي ترى أن الفكرة الدينية فكرة ثابتة لا يمكنها التغير في بعديها العقائدي والأخلاقي بقطعية النصوص، ولكن المشروع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي قابل للتحول والتبدل ويمكن ابتكاره وإبداعه من تفاصيل الزمن الحضاري ولذلك فقضيتنا لا تنحصر في موضوع الدعوة وفرض ثقافتنا وعقائدنا على الآخر فقد حصرها النص الديني بالبلاغ والبلاغ قابل للتحقق من خلال المشروع الاجتماعي والسياسي وشواهد التاريخ دالة على ذلك .
ومن هنا نؤكد على فكرة تشذيب التراث من كل شوائبه التي فرضتها الضرورات التاريخية والسياسية فهو البداية المثلى لصناعة مشروعنا السياسي الذي يتفاعل مع العالم من حولنا ليكون مؤثرا فيه لا متأثرا به .
فالآخر يخاف من المشروع السياسي المتجدد ولذلك سعى إلى اغتيال رموز النقد والتنوير واستمال العلماء المفكرين اليه ومن رفض نالته يد الغدر ولو جال البصر في الزمن المتأخر منذ عقد الثمانينات لرأينا هذه السياسة بشكل جلي وواضح، لكنه لا يخاف الفكرة الدينية بل تعامل معها بقدر من التفكيك والتشويه، وشواهد ذلك كثيرة بدءا من أفغانستان ولا نقول انتهاء بداعش فالقائمة ليست محددة بزمن.
فالفلسفة اليوم ضرورة وجودية، فهي تسهم دوما في رسم المعالم الحضارية ومستوياتها وقد كان لها دور فاعل في كل المراحل التاريخية إلى اليوم، فالترابط بين أنواع المعرفة والعلوم وبين الفلسفة ترابط وثيق، ففي كل مستوى حضاري يقوم الفلاسفة بإعادة تعريف المفاهيم وتفسير الحقائق القديمة وتجديد تصورات الأسئلة لتوسيع مساحات البحث عن إجاباتها، ففي كل العصور تداخل الفكر الفلسفي مع كل أشكال المعرفة العلمية والإنسانية وحتى السياسية والدينية، فالفكرة أصبحت ضرورة حضارية اليوم حتى نعيد ترتيب نسق العالم قبل أن ينحرف عن مقاصد الله، كما تدل مؤشرات الانحراف في الفطرة البشرية في المجتمع الأوروبي اليوم .

قد يعجبك ايضا