جريمة إحراق المصحف الشريف من قبل أحد المجرمين وتحت حماية السلطات السويدية ليست هي الجريمة الأولى فقد سبقها جرائم مشابهة في بلدان مختلفة من العالم، من بينها حرق نسخ من القرآن في السويد والنرويج والدنمارك، وإلقاء نسخ من القرآن في المراحيض والمزابل في فرنسا وألمانيا وأمريكا، وتمزيق نسخ من القرآن في الهند وبنغلادش والصين، هذه الأفعال تثير استياء وغضب المسلمين حول العالم، وتعتبر اعتداء على حرية المعتقد والعبادة، وتشكل خطرا على السلام والتعايش بين المجتمعات والثقافات.
فما هي الدوافع والخلفيات التي تقف وراء هذه الحوادث؟
متابعات/ الأسرة
بعض المحللين يرجعون هذه الظاهرة إلى انتشار الإسلام وفوبيا أو كراهية الإسلام والمسلمين في بعض المجتمعات الغربية، التي تستغل بعض الأحداث الإجرامية التي تحصل باسم الإسلام لتشويه صورة هذا الدين وأتباعه، وتحرض على التمييز والكراهية ضدهم.
كما يشير بعضهم إلى دور بعض وسائل الإعلام والساسة والجماعات المتطرفة في تأجيج هذه المشاعر، وإثارة المخاوف والشكوك حول الإسلام وثقافته، وتصويره على أنه خطر يهدد قيم وحضارة الغرب.
بيد أن العداء للإسلام ليس بجديد، فاليهود والنصارى معروفون بعدائهم التاريخي للإسلام والمسلمين يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه: (الإسلام هو الدين الوحيد في هذه المعمورة الذي يحاربه الأعداء من اليهود والنصارى.
هناك ديانات قائمة لماذا لا يحاربونها؟ وثنية ما تزال قائمة يشجعونها، البوذية ما تزال قائمة، ديانات أخرى ما تزال قائمة لا يوجهون حربهم إليها بل يشجعون أصحابها على أن يبقوا على ما هم عليه، إلا الإسلام، إلا الإسلام.
ماذا يعني هذا؟ أنهم يشعرون بعظمته ربما أكثر مما نشعر نحن؛ لأنهم بعدائهم لنا دائمي التفكير، أن يتعرفوا على ما هو مصدر قوة لنا، مصدر عزة، مصدر أن نكون قادرين على أن نهيمن عليهم، على أن نقهرهم، على.. الخ، فوجدوا هذا الدين”.
ولهذا جاء تصريح قبل أسبوع من البيت الأبيض على موقع في الإنترنت: أن القرآن هو الكتاب المقدس للإرهابيين، أليست هذه هي عبارة عداء؟ في الوقت الذي هي عبارة تشهد بأن القرآن هو الذي يصنع رجالاً يقفون في مواجهتهم، عبارة يقولوها من أجل أن يمهدوا لشرعية أن يضربوا القرآن، مدارس قرآنية، علماء قرآن، وكلما له علاقة بالقرآن، مناهج ما تزال فيها آيات قرآنية، تضرب كلها بحجة أن القرآن هو الكتاب المقدس للإرهابيين.
وفعلاً طلبوا من مصر تغيير آيات في المنهج الدراسي، ويعملون على أن يفرضوا على السعودية أن تغير المنهج الدراسي، وكذا الأردن، وهكذا يتجهون إلى بقية الدول العربية لتغير مناهجها التربوية، فتزيح ماذا؟ تزيح آيات من القرآن الكريم.
لأنهم يفهمون أكثر مما نفهم! تجد حربهم تتركز على شيء واحد بشكل مكثف، ومركز ضد القرآن الكريم، وبعده شخصية الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، وفي نفس الوقت اللغة العربية.
هذه الثلاثة الأشياء التي يركزون على محاربتها: القرآن الكريم رقم واحد في الموضوع، لا يحاولون أن يحاربوا أشياء أخرى، مظاهر أخرى، مساجد كثيرة تبنى، أشياء كثيرة، علماء كثيرون مختلفون، يعتبرون هذا يساعد على خلق فرقة في أوساط الناس، مذاهب متعددة، هل هم يقولون: هؤلاء المسلمون مذاهب كثيرة نحاول ننقصهم، ننقصهم لما لا يعودوا إلا مذهب واحد، هل عندهم الفكرة هذه؟ هم يرون بأن هذا يساعد أفضل على أن تتوسع مذاهب، وعلماء كثر ينتشرون مختلفين، وتكون الساحة كلها ساحة قلقة.
لو أن القرآن الكريم، أو نقول: لو فهموا أن القرآن الكريم كتاب يمكن أن يخلق ماذا؟ آراء متعددة، أفكار متباينة، أقوال متضاربة، لما تعرضوا له إطلاقاً، هل تفهمون هذه؟ لما تعرضوا له، هم لا يتعرضون لكتب الحديث؟ بل يخدمونها، يأتي مستشرقون يضعون فهارس للحديث، كتاب واحد يسهل لك الرجوع إلى أي حديث تبحث عنه، في أي من أمهات، ومسانيد، ومجاميع الحديث، يخدمونها خدمة.
تعدد الطوائف يخدمها أيضاً! هم صنعوا طوائف إسلامية خلال المائة السنة الماضية، والمائتي السنة الماضية، صنعوا طوائف جديدة كالوهابية، والبهائية، والقاديانية، صنعوا هذه الطوائف، طوائف إسلامية.
لماذا يحاربون القرآن؟
لأنهم يعرفون أن القرآن الكريم هو وحده الذي يستطيع أن يبني أمة قوية، وأن لغته اللغة العربية التي هي أساس من أسس فهمه يجب أن تحارب، يجب أن تقصى، أن تعمم بدلاً منها اللغة الإنجليزية، أن نترك الشباب يشعرون بإعجاب، بعظمة، عندما يتعلمون اللغة الإنجليزية.
حرب شعواء ضد اللغة العربية؛ لأنها لغة القرآن الكريم، وأن الله سبحانه وتعالى قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (الشعراء195) {قُرْآناً عَرَبِيّاً} (يوسف2) أكثر من ثلاث آيات تحدث الله عن القرآن أنه عربي، باللغة العربية.
هم يعلمون أن القرآن الكريم، كتاب يستطيع أن يصنع أمة واحدة، وأن من يلتفون حوله لن يفترقوا، لن يختلفوا، سيكونون كما قال الله: معتصمين بحبل واحد، عندما قال: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (آل عمران103) ركزوا حربهم على القرآن الكريم.
هناك فنون أخرى.، لا يتعرضون لها، يرون أنها تساعد في خلق فرقة في أوساط الناس، وتعدد في أقوالهم، واختلاف في وجهات أنظارهم، وتخلق لدى كل شخص منهم مشاعر انفرادية، استقلالية؛ فيظل لوحده، يدور حول نفسه، لا يفكر في أن يذوب في الآخرين، فيكون مجسداً لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} (التوبة71).
القرآن الكريم يفضح اليهود والنصارى وسبب عدائهم له: ان القرآن الكريم يكشف لنا عن استراتيجية اليهود والنصارى، ووسائلهم التي يعتمدون عليها في استهدافهم للأمة، ونجد أن كثيراً من النصوص تبين لنا كيف أنهم يسعون إلى إفقاد هذه الأمة كل عوامل القوة والنصر، ويسعون لإضعافها حتى يصلوا بها إلى مستوى الانهيار التام، ويتمكنون من السيطرة عليها، مجمل النصوص القرآنية هي تقدم لنا هذا التصور عنهم: أنهم يركزون على هذه الاستراتيجية ولذا فإن عداءهم للقرآن الكريم بالذات نابع من أن القرآن الكريم كشف نواياهم وكشف نفسياتهم وحبهم للفساد والإفساد منها ما يلي :-
التضليل والإفساد والتدجين لهذه الأمة في كل مجالات الحياة.
لكي يفقدوا الأمة كل عوامل القوة والنصر، هم يركزون ابتداءً- في المقدمة- على الجوانب المعنوية، وعلى الأسس المهمة التي تضمن لهذه الأمة أن تستعيد قوتها، وأن تبني نفسها من جديد، وأن تصل إلى مستوى مواجهة هذا التحدي وهذا الخطر، ولذلك يركزون على التضليل والإفساد والتطويع لهذه الأمة؛ من أجل تحقيق هذا الهدف: ليفصلوها عن الله -سبحانه وتعالى-، ولهذا يقول الله -سبحانه وتعالى- عنهم في القرآن الكريم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ} ويقول عنهم: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} لا يريدون لهذه الأمة أن تحمل أي رؤية صحيحة، أي رؤية هادية تنطلق على أساسها في أي مجالٍ من المجالات، فهم يريدون لهذه الأمة الضياع، ويريدون أن تكون أي رؤى تعتمد عليها رؤى خاطئة، رؤى ضالة، رؤى تضيّع هذه الأمة.
مسخ الهوية الإيمانية
{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} يعملون على مسخ هذه الأمة في هويتها، وأن يفقدوها إيمانها بالله سبحانه وتعالى بكل ما يمثله من أهمية في العلاقة مع الله، والحصول على تأييده، ونصره، ومعونته، ورعايته، وبكل ما يمثله الجانب الإيماني من أهمية على مستوى القوة المعنوية، الدافع المعنوي، القيمة الأخلاقية والإنسانية، عناصر النجاح التي تبنى على تلك القيم وتلك الأخلاق في الواقع العملي.
نشر الفساد في الأرض
يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (يَسْعَوْنَ) فهم يعملون بكل جد، وبكل نشاط، وبوسائل وبأساليب كثيرة على نشر الفساد في كل مجالات الحياة، (فَسَادًا) صيغة التنكير بكل ما تعنيه في كل مجالات الحياة: الفساد في الواقع (الاقتصادي، الأخلاقي، الاجتماعي، السياسي) للأمة.
سياسة التطويع للأمة
يقول الله -سبحانه وتعالى- أيضاً في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، العجيب في هذه الآية المباركة أنها تتحدث عن الطاعة، وعن خطورة الطاعة لهم، ومعنى ذلك: أنهم ينجحون إلى حدٍ كبير في تطويع الأمة. يعني: يسعون إلى أن يحولوا الأمة إلى مطيعة لهم، تتفاعل مع رؤاهم، مع سياساتهم، مع مخططاتهم، مع مؤامراتهم، مع توجيهاتهم، تتلقى منهم الأوامر، تتفاعل مع ما يقدمونه، وتسعى لتنفذ ما يقدمونه، وهذه حالة رهيبة جدًّا وخطيرة.
وهم في الآية المباركة كما ذكر عنهم يسعون من خلال هذا التطويع إلى مسخ هذه الأمة، وفصلها عن دينها في مفاهيمه الحقيقية، {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، حالة خطيرة جدًّا؛ لأن سعيهم إلى مسخ هذه الأمة لإفقادها التأييد الإلهي من جانب، وما يمثله الإيمان من عامل ودافع معنوي هائل جدًّا، وطاقة معنوية قوية، تحتاج إليها الأمة لتكون في مستوى مواجهة هذا الخطر، والتماسك في مواجهة هذا التحدي، وما يمثله أيضاً من عوامل للنجاح في واقع الحياة.
الرؤية التي يجب أن تعتمد عليها الأمة لمواجهتهم
هناك ركيزتان أساسيتان، لا بدَّ منهما كمتطلبات رئيسية لخوض هذا الصراع، يقول الله -جلَّ شأنه- {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، نجد أن الله سبحانه وتعالى قد هدانا هنا إلى ركيزتين أساسيتين، لا بدَّ منهما كمتطلبات رئيسية لخوض هذا الصراع، ولخوض هذه المعركة.
العودة إلى القرآن الكريم
أولها: عندما قال جلَّ شأنه-: {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ}، ليقدم لنا أنه لا بدَّ لنا من العودة إلى القرآن الكريم، وإلى آياته المباركة التي فيها ما يحصننا ويحمينا من هذا التأثير الخطير، الذي قد يصل بالأمة إلى مستوى التطويع، وأن تكون مطيعةً لهم.
أولى متطلبات خوض هذا الصراع، والدخول في هذه المعركة، لا بدَّ لنا في البداية من منهج نعتمد عليه، نتحرك على ضوئه، نكتسب منه الرؤية اللازمة لمواجهة هذا التهديد وهذا الخطر، وهذا المنهج يتمثل في القرآن الكريم.
القيادة الهادية بهذا الكتاب
والركيزة الأخرى: يقول: {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}، كقيادة هادية بهذا الكتاب، بهذه الآيات المباركة، على المستوى الإرشادي وعلى المستوى العملي، ولا بدَّ من قيادة، في هذه المعركة نحتاج إلى قيادة، لا يمكن أن نخوض معركة بدون قيادة، أن نواجه تحدياً وخطراً بدون قيادة، لا بدَّ من قيادةٍ هاديةٍ بهذا الكتاب، تهدينا بالإرشاد، وتهدينا على المستوى العملي وهي تتحرك بنا وتنطلق بنا على ضوء هدي هذا الكتاب.
تجريم موالاة أعداء الله والتطبيع معهم
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، حذَّر أيضاً من الموالاة لهم، وكشف حقيقة من يتجه هذا التوجه المنحرف، قال جلَّ شأنه-: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}، فالذين ينحرفون ويتجهون للمسارعة فيهم والموالاة لهم، مهما كانت مبرراتهم الواقع الحقيقي لهم أن في قلوبهم مرضا، حالة الانحراف هي في داخلهم؛ فلذلك اتجهوا هذا التوجه المخالف لتوجيهات الله سبحانه وتعالى.
أخيراً:
يقول الشهيد القائد (رضوان الله عليه): “لن يحمينا من أعدائنا إلا العودة إلى القرآن الكريم، لن يبقي العلاقة قائمة بيننا وبين ديننا إلا القرآن الكريم، لا يمكن أن يدفع عنا أيضاً إلا القرآن الكريم إذا ما عدنا إليه.
يجب أن نعود إلى القرآن الكريم، وأن نتفهم عظمة هذا الدين، وأن نتفهم حاجتنا إلى هذا الدين، نحن محتاجون إليه أكثر من حاجته إلى أن ندافع عنه.
العودة إلى ثقافة قرآنية تصنع أمة واحدة، وموقفاً واحداً، ومنهجاً واحداً، واتجاهاً واحداً.
هذا هو ما نحتاج إليه في مواجهة أعدائنا، لا يمكن أن ينجينا من الإهانة، من الذل، من القهر، من الضعة التي قد نتعرض لها أكثر مما قد حصل إلا العودة إلى القرآن الكريم، والاعتصام بحبل الله جميعاً.