بيت عائم

كانت تحتل مكانا شرقيا في إحدى زوايا البيت العائم وعلى أريكة تقبع ملتحفة البرد والجوع والهذيان والعتمة لا تعرف عن البشر في محيطها الكثير ولا تمر بها أخبار الموت اليومية ولا تتعدى مقعدها إلا إلى ذلك المكان الشرقي..
ما تزال تنتظر رنين الحياة في الدار تعاني من مرض ما.. تبدو كأنها تعي ما حولها لكنها لا تريد أن تشارك أهل الدار ذلك العالم الذي تعيشه تصر على بقائها هناك في إحدى زوايا البيت العائم.. تتساءل إلى من تعود¿ أبناؤها تنكروا لحق أمومتها عليهم وقطعوا زيارتها على الرغم من أنهم يعيشون بالجوار إلا أن الرحمة والشفقة لم تنالهما منهم!
في العراء تنام وفوق العراء تعيش وتضحك وتئن.. لا تنتظر مجيئ أحد لقد غادرت الحياة المعاشة منذ زمن قديم حتى إنها لا تدري كيف تشتري الموت لنفسها¿ الموت الذي سيريحها من إعياء وسقم أنهكتها وأتعبا من كان حولها ويعولها.. كأنما منذور هذا الإنسان للشقاء تقطع همهماته سنابل فرح لم تعد تطل إذ فقدت صورة الماضي وغابت عنها صور الحاضر..
ترى أي قلوب لدى أولئك الأبناء¿ يتركونها وهي من أنجبتهم وكانت سببا في وجودهم على ظهر البرية! وإذ ابتلاها الله بذلك المرض والسقم.. فمن يرحم حالها¿
إن الله عز وجل مكلف بعباده لأنه خالقهم وكان أن سخر لها غرباء ليطعموها ويهتموا برعايتها.. ومع أن عقوقا صريحا قاسيا متنكرا أحاطها وامتد إليها كيف إذا لم تمتد إليها أياد صالحة تحب الخير لكنها حكمة المولى عز وجل وعنايته بخلقه لقد أحاطها بأبناء وبنات هي لم تلدهم لكنها كانت سببا في رضى الله عنهم.
أيها الأبناء: لا كبرياء ولا من ولا مكر إلا للخالق سبحانه وتعالى فمن يمنع عنكم مكره وقدره إن أراد ابتلاءكم بما هو أعظم وأظلم! فقط تذكروا إنكم ضعفاء كهذه العجوز وأنه فجأة سينفجر الصوت ليشق قلوبكم القاسية ليغسلها من درنها أو يطحنها بنارها.
وطالما رزقتم من الأبناء ما يكفي لا بد من نهاية مفادها :” فإن تدينوا تدانوا”!

قد يعجبك ايضا