ثورة الإمام الحسين لم تتجمد في عصرها ولا تقتصر على زمانها، لأن الإمام الحسين – عليه السلام – هو الثائر المجاهد الدائم المستمر في كل زمان ومكان في وجه كل طغيان وفساد وظلم وباطل وانحراف، لم لا وهو نسخة أصلية من والده أمير المؤمنين الإمام علي – عليه السلام – الذي نشأ ثائراً ضد الشرك والكفر وعاش ثائراً ضد الناكثين والقاسطين والمارقين واستمر في ثورته ضد الباطل بكل أنواعه وأشكاله حتى اتخذه الله شهيداً، لأن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله رباه على هذا ولأن القرآن الكريم بكل ما يتضمنه من نور وهدى يجعل من يتبعونه بصدق وعمل ويجسدونه في الواقع أقوالا وأفعالا يكونون في حالة نفسية ثورية وحركية دائمة ومستمرة ضد الباطل والفساد والطاغوت والانحراف والفسق والإجرام والظلم، ليس فقط ضد يزيد بن معاوية أو ضد بني أمية فحسب، بل هي منهجية إيمانية قرآنية ثورية ثابتة لدى الإمام الحسين – عليه السلام – يجب أن تكون قائمة في كل زمان ومكان في أوساط المسلمين وفي أعمالهم وتوجهاتهم وثقافتهم يتحركون على أساسها ثائرين في وجه كل فساد وباطل وظلم وطغيان.
لو عاد الإمام الحسين – عليه السلام – مجدداً لاتجه إلى فلسطين ثائراً لتحريرها من الكيان الصهيوني المحتل ثم لتوجه إلى العمل الجهادي الشامل لطرد القواعد العسكرية الأمريكية من العراق وسوريا والخليج العربي ومن مختلف البلدان العربية والإسلامية ولكان ألمه ووجعه وأسفه اكبر مما كان عليه في أيام يزيد بن معاوية فخروجه لهدف الإصلاح في أمة جده في الماضي في أيام بني أمية قد أضيف اليه اليوم مسؤولية اكبر إلى جانب الإصلاح وهي مسؤولية التحرير لهذه الأمة من الاستعمار الأمريكي والصهيوني الذي يفتك بالأمة الإسلامية ويحتل أراضيها ويسفك دماءها وينهب ثرواتها ويصادر قرارها ويهيمن عليها أمنيا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا وفي كل مجالات الحياة، الإمام الحسين – عليه السلام – الذي كان يفضل الموت حرا عزيزا على الحياة في ظل الطاغوت الأموي، لا شك انه لو عاد مجدداً سيفضل الموت ألف مرة على الحياة في ظل الاستعمار الصهيوني لفلسطين والاستعمار الأمريكي للعراق وسوريا وأفغانستان والخليج العربي ومختلف البلدان الإسلامية، كيف لا وشعاره ومبدأه يقول (لن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).
ما أحوجنا في هذا العصر إلى الإمام الحسين – عليه السلام – ليخرج ثائراً مجاهداً بتلك الروحية الإيمانية القرآنية النبوية العلوية وبتلك القوة النفسية والمعنوية لا يخشى إلا الله تعالى ولا يبالي بالموت ويكون همه الوحيد هو إصلاح واقع الحياة وواقع الإنسان بشكل عام وواقع المسلمين بشكل خاص، وفق ما يريده الله تعالى ووفق ما سار عليه رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ووفق الطريقة التي سار عليها الإمام علي – عليه السلام – لأننا في هذا العصر نعيش ظروفا استثنائية لا نحسد عليها كأمة إسلامية ممزقة وضعيفة ويفتك بها الطواغيت والمفسدون من الداخل وينهشها الغزاة المستعمرون من الخارج، ما أحوجنا إلى الإمام الحسين -عليه السلام – ليعود ثائرا ضد المذهبية والطائفية والعنصرية والعصبية وضد الفساد والظلم والباطل والانحراف الداخلي الذي يفت عضد الأمة وينخر كيانها من الداخل لمصلحة أعدائها من اليهود والنصارى الذين يهيمنون على هذه الأمة هيمنة شاملة مستغلين ضعفها وتفرقها في دينها وابتعادها عن كتاب ربها وعن منهجية نبيها، فكانت النتيجة كارثية بكل المقاييس كما هو الحال عليه اليوم بالنسبة للأمة الإسلامية (المذهبية).
لو نأتي إلى المبادئ والأهداف الثورية التي تحرك الإمام الحسين – عليه السلام – على أساسها ثائراً في سبيل الله وفي سبيل الإسلام ومن أجل الأمة وعزتها وكرامتها وحريتها واستقلالها، سنجد أنها أهداف ثورية إيمانية يجب أن تكون قائمة وتكون هي السائدة في كل زمان ومكان ومجتمع، بل يجب أن لا يقبل الناس بدون تحقيقها في أي مجتمع كانوا، حيث كان ابرز تلك المبادئ والأهداف هو العمل على إصلاح واقع الأمة الذي أفسده بنو أمية إصلاحاً كاملاً يشمل كل المجالات الدينية والدنيوية والسياسية والاقتصادية، حيث يقول الإمام الحسين عليه السلام -«إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين»، وهذا يؤكد لنا أن إصلاح وضع الأمة من الداخل في كل المجالات يمنحها قوة وهيبة وعزة ومنعة ويحصنها ويحميها من العدو الخارجي، وهذا ما تفتقد إليه الأمة وهي بأمس الحاجة إليه في الوقت الراهن ليستقيم أمرها وتسلم شر أعدائها وتحظى بالتأييد والتوفيق من الله ربها.