“ثقافة العيب”.. تحل مشكلة أم تصنع جريمة¿¿


لماذا لا يتم الاستفادة من الشرطة النسائية في هذا الأمر¿
“عائلة الموت” إحدى استراتيجيات القاعدة

جميل أن تسافر بسيارتك مع أفراد عائلتك دون أن يتعرض طريقك أحد أو يتم استيقافك في أي نقطة تفتيش عسكرية وذلك امتثالا لتلك القيمة الاجتماعية المتمثلة بـ”العيب”.. وضرورة احترام المرأة إلا أن ثمة من يستغل تلك القيمة الاجتماعية الإيجابية استغلالاٍ سيئاٍ بحيث تكون المرأة هي التعويذة السحرية التي تحميه من التعرض للتفتيش سيما في النقاط العسكرية الواقعة على المنافذ ومداخل المدن.
وبذلك تغدو تلك الثقافة والقيمة الاجتماعية معيقاٍ للقانون من أن يطال الكثير من الخارجين عنه والمخلين بأمن الوطن واستقراره فلطالما استخدمت تلك القيمة وذلك المبدأ الاجتماعي غطاءٍ للكثير من عمليات تهريب الأسلحة والممنوعات وغيرها كما أن لا أحد يعرف إلى أي مدى يمكن أن تساهم في الكثير من العمليات الإجرامية التي تحدث في طول البلاد وعرضها الأمر الذي يتوجب معه السعي لحلول تمنع استغلال مثل هذه القيم والحيلولة دون تجنيدها ضد أمن واستقرار الوطن.

تعدْ “ثقافة العيب” أحد المبادئ الاجتماعية التي تحكم مجتمعنا اليمني والتي تعني أن ثمة قائمة من المحرمات اجتماعياٍ وأخلاقياٍ لا يجوز في أي حال من الأحوال التجاوز والمساس بها حيث أنه من المعيب على أي شخص من أفراد المجتمع التعرض لها أو إتيانها على فعل أي من تلك الأفعال فإنه سيجر على نفسه العار ولن يفلت من العقاب في كثير من الأحيان. ومن ضمن تلك المحرمات الاجتماعية التي اصطلح عليها بـ”العيب” حرمة المرأة واعتبار التعرض لها خطاٍ أحمر لا يجوز الاقتراب منه.
هذه القيمة التي هي في الأصل مزية أخلاقية وقيمة إيجابية حيث أنها تجسيد لما للمرأة من احترام بل والحرص عليها وصونها من كل ما يمكن أن يمس كرامتها إلا أنها في حال إساءة استخدامها تغدو مدخلا لاستغلال المرأة واستثمار قيم المجتمع في ما من شأنه الإضرار بالوطن والمجتمع وتجاوز النظام والقانون.
سلاحَ ذو حدين
تلك الحرمة التي أعطاها المجتمع للمرأة تمثل سلاحاٍ ذا حدين حيث تغدو في بعض الأحيان عبارة عن إغراء لبعض النساء لممارسة الجريمة بوعي منها أو بدون وعي وهي مطمئنة أن احتمالية وقوعها في يد القانون بسيطة بفضل ما لها – كامرأة- من احترام فرضه المجتمع على نفسه فلا أحد يسألها ولا تتعرض للتفتيش… إلخ والشواهد من الواقع كثيرة حيث نسمع عن نساء يأتين الجريمة بمختلف أنواعها ومنهن من احترفت الجريمة بل واستدرجت أخريات للعمل معها. وفي حالات أخرى كثيرة هي القضايا التي وجدت خلالها المرأة نفسها عضواٍ فاعلاٍ ومساهما أساسيا في الجريمة أيا كانت حيث ثمة من يستغل المكانة التي أعطاها مجتمعنا اليمني للمرأة في تمرير وفعل ما يحرمه القانون ويجرمه فهناك نساء وجدن أنفسهن شركاء في عمليات التهريب وأخريات يتسترن على الجريمة وفي مثل هذه الحالة تتحول المرأة إلى معيق للقانون من أن يأخذ مجراه.
دعهْ يمر
بمعناها المباشر وبدون أي ربط لها بسياقها تكاد مقولة “دعه يمر” التي أطلقها الفيلسوف آدم سميث أن تنطبق على واقع النقاط العسكرية عند مرور أي سيارة على متنها امرأة حيث يجب على أفراد النقطة التنحي وإفساح الطريق لتلك السيارة للعبور إذ ليس من حقهم وفقاٍ لثقافة العيب أن يستوقفوا تلك السيارة مهما كان الأمر.
يقول فواز القباطي مساعد نقطة الجمنة العسكرية بأمانة العاصمة لدينا توجيهات بأن لا نفتش السيارات التي تقل (عوائل) وهذا في الواقع تبعاٍ لعادات المجتمع وتقاليده تلك التقاليد التي تعطي المرأة مكانة عالية واحتراما كبيرا غير أننا حين نشك في أمر سيارة ما فإننا نقوم بتفتيشها من الخارج فقط فمثلا نطلب فتح (الشنطة) وكذلك نلقي على السيارة نظرة من خارجها.
يضيف القباطي: نعلم أن ذلك لا يكفي لكن احترام المرأة وتقاليد المجتمع هي التي تحكمنا في هذه المسألة.
لا يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل إن الجنود المرابطون في نقطة التفتيش عليهم أن لا يخالفوا التوجيهات بعدم التفتيش لتلك السيارات حتى وإن شكوا في أمر سيارة ما أو اشتبهوا بها أو وجدوا قرائن توحي بأنها تحمل أسلحة أو ما شابه ومن يتجرأ ويخالف فإنه لن يفلت من العقاب..
في نقطة الجمنة أيضاٍ يضيف الجندي صدام محمود: لا يمكننا القيام بتفتيش أي سيارة فيها عوائل ما دامت التوجيهات تأمرنا بعدم التفتيش علاوة على أن حالات حدث في إحداها أن أفراداٍ من زملائنا اشتبهوا بسيارة ما تقل عوائل ولاحظوا وجود سلاح فيها وحين حاولوا تفتيشها جاءتهم توجيهات بالسماح لها بالعبور وكان جزاؤهم هو الزنزانة.
مطلوب شرطة نسائية وأجهزة
في نقطة خشم البكرة شمال العاصمة صنعاء يقف الرقيب محمود صالح معيض أحد أفراد الأمن الخاص لأداء واجبه في تفتيش السيارات الداخلة إلى المدينة وكثيرا ما يوصف محمود بين زملائه بالحزم والتشدد في التفتيش والذي يصل في بعض الأحيان إلى طلبه من ركاب السيارة الترجل ليتمكن من تفتيشها بشكل كامل غير أنه ما أن يلحظ أن في السيارة نساء حتى يحجم عن مهمته ويفسح الطريق للعبور.
يقول محمود معيض: بصراحة هذه قيم اجتماعية تربينا عليها فالمرأة ينظر إليها من كل أفراد المجتمع نظرة احترام ومن العيب أن يتعرض لها أحد ونحن في عملنا لا نفتش أي سيارة فيها نساء أو أطفال حيث من المعروف أن المرأة من النادر أن تشارك في أي عمل تخريبي أو تهريب وفي هذه الحالات النادرة كثيرا ما تكون المرأة ضحية لفرد أو لجماعة استغلوها لتنفيذ أعمالهم ومع ذلك فإننا متى ما توفرت لدينا معلومات عن الاشتباه بسيارة فإننا سنفتشها حتى وإن كان على متنها نساء فالمرأة لها احترام لكن متى ما أصبحت سبباٍ في وقوع الجريمة أو منفذ لها ففي هذه الحالة يجب منعها وإلقاء القبض عليها وتقديمها للقانون.
يضيف معيض: نحن في النقاط الأمنية بحاجة إلى تواجد عناصر من الشرطة النسائية يقمن بتفتيش النساء وفي هذه الحالة نقطع الطريق أمام من يقومون بالأعمال التخريبية والمهربين الذين يستخدمون المرأة لإنجاز مهامهم.. وبالمقابل لا يكون هناك تحرج لدينا ولدى الناس من عملية التفتيش حيث أن المرأة ستفتشها امرأة مثلها.
كذلك يجب على الحكومة أن تراعي مسألة أن عدد السيارات التي تمر عبر النقاط العسكرية سواء داخل المدن أو خارجها كبير جدا فإذا ما حاولنا التدقيق في تفتيش السيارات فسرعان ما تتشكل طوابير طويلة وتحدث زحمة قد تؤدي إلى انقطاع الطريق تماما وتعثر الكثير من السيارات لذا يجب أن يكون هناك أجهزة لفحص السيارات والتأكد من أي أسلحة او متفجرات أو غير ذلك وهذا سيوفر علينا الكثير من الجهد وسيحد بقدر كبير من عمليات التهريب سواء للأسلحة أو غيرها من الممنوعات.
دور سائقي الأجرة
سيارات الأجرة هي الأخرى لا تتعرض للتفتيش مادامت تقل نساء وكثير من السائقين يبدون ارتياحهم لهذا الأمر حيث يستطيعون العبور ونقل زبائنهم دون توقف أو تأخير ولا يعنيهم ما الذي ينقله هؤلاء الركاب على سياراتهم.
يقول حسين مهفل سائق سيارة أجرة: من الجيد أن يكون من ضمن الركاب نساء لأنني لا أتوقف في أي نقطة عسكرية إلا أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يكون ذلك من باب استغلال احترام المرأة في أمور تخل بالأمن أو فيها تجاوزات للقانون ويجب أن يكون لدى جميع سائقي سيارات الأجرة وعي بهذا الأمر وأن يساهموا بدورهم في مواجهة استغلال هذا الاحترام للمرأة من خلال عدم نقل الأشخاص الذين يحملون سلاحاٍ أو لديهم مواد مشبوهة على سياراتهم.
يشاركه في الرأي علي بجاش الذي يعمل بباصه في نقل الركاب على الطريق صنعاء- تعز حيث يفيد بأن السائق لا بد أن يتحمل جزءأ من المسئولية كونه إذا ما سمح بنقل أسلحة أو مواد مشبوهة على سيارته أو باصه الذي في الغالب ما يكون من ضمن ركابه نساء فإنه مشارك في الجريمة وفي استغلال المرأة التي تكون أحياناٍ غير مدركة لما لهذا الأمر من خطورة.
الأمر الأخطر
يشتد استغلال ثقافة العيب خطورة حينما يرتبط الأمر بتنفيذ أعمال إرهابية إذ يمكن نقل أسلحة ومتفجرات إلى داخل المدن وأيضا إلى أماكن تنفيذ تلك العمليات
يقول محمد عبدالله فقيه ضابط أمن: في الحقيقة مسألة عدم تفتيش السيارات التي تقل عائلات ونساء أمر خطير حيث يغدو وجود نقاط التفتيش العسكرية على مداخل المدن وفي داخلها كعدمه إذ لا فائدة من وجودها ما دامت الكثير من السيارات ستمر دون أن تتعرض للتفتيش أو حتى يتم الاطلاع على حمولتها. فالكثير من عمليات الاتجار بالسلاح وتهريبه وكذا الكثير من عمليات تهريب المجرمين والفارين من وجه العدالة والكثير من عمليات نقل وتوزيع الممنوعات وترويجها سيكون بإمكانها الاستفادة من هذا الأمر بشكل كبير بل يمكن أن يكون ذلك مدخلا لما هو أعظم.
يضيف فقيه: ربما ما يغفل عنه الكثيرون هو أن الكثير من العمليات الإرهابية قد تكون مرتبطة باستفادتها من حالات عدم التفتيش هذه حيث مثِل استغلال مسألة عدم تفتيش السيارات التي تقل عوائل في تهريب الأسلحة والمتفجرات إلى داخل المدن بل وإلى المواقع التي تتم فيها عمليات التفجير استراتيجية من استراتيجيات تنظيم القاعدة في تنفيذ عملياته الإرهابية في العديد من البلدان ففي العراق مثلا استخدمت هذه الاستراتيجية فيما عْرف بـ”عوائل الموت” أو “عائلة الموت” حيث كان يقوم قادة وعناصر تنظيم القاعدة بإيصال السيارات المفخخة والعبوات الناسفة إلى مراكز المدن عن طريق وضع عوائلهم من نساء وأطفال في تلك السيارات لتفادي التفتيش من قبل القوات الأمنية في نقاط التفتيش العسكرية والأمنية. وهذا ما يجب أن تأخذه الجهات المعنية بعين الاعتبار إذ أن ما يبتكره هذا التنظيم من استراتيجيات يتم استخدامه في الكثير من البلدان التي ينشط فيها هذا التنظيم.
من النادر
احترام المرأة وعدم التعرض لها أو التضييق عليها قيمة اجتماعية درج المجتمع عليها كما أن من يحترم هذه القيم الاجتماعية يجب أن لا يرضى باستغلالها في ما يضر بالوطن أو في أعمال دنيئة من قبيل التهريب والاتجار بالممنوعات كما يقول فؤاد المرواني أكاديمي وباحث وبالتالي فإن حدث تجاوز واستغلال لهذه القيمة فلا بد أنه يكون من باب النادر فلا أظن أن أي إنسان سوي عاقل لديه كرامة ونخوة سيقدم على استخدام نسائه وأطفاله في عمل إجرامي أو عمليه تهريب أسلحة أو غيرها
يضيف فؤاد المرواني: لا يمكننا الحديث عن عدم تفتيش السيارات التي تقل نساء دون أن نلتفت إلى أن مدننا الرئيسية عموما والعاصمة صنعاء بوجه خاص تعج بالسيارات التي هي في الغالب بدون أرقام تستقلها مليشيات مدججة بجميع أنواع الأسلحة المتوسطة والخفيفة تتجول هنا وهناك بحجة أنها تتبع فلان أو علان من الناس على مرأى ومسمع من جميع الجهات الأمنية التي تغض الطرف عن مثل هذه التجمهرات والمواكب المسلحة التي تجوب الشوارع دون اكتراث بنظام أو قانون علاوة على ما تمثله من استفزاز لمشاعر المواطنين المسالمين الذين ينشدون حياة السلم.
هو “العيب” إذن تلك القيمة الاجتماعية التي تعزز من مكانة المرأة وتعلي من شأنها وتكرس احترامها وفي مجتمع متمسك بقيمه ومبادئه التي درج عليها كمجتمعنا اليمني لا مجال للمجازفة بالحديث عن أي تجاوز أو خرق لتلك القيمة أو ذاك المبدأ غير أنه بالإمكان الحد من استغلاله في سلوكيات وممارسات تضر بالوطن وتقوض أمنه وبالمقابل تسيء إلى المرأة ومكانتها وإلى قيم ومبادئ المجتمع عموما حيث يجمع كل من التقيناهم على أنه يجب تزويد النقاط الأمنية بأجهزة كاشفة للمتفجرات والممنوعات كما أنه يجب تعزيز نقاط التفتيش الرئيسية بعناصر من الشرطة النسائية وعند ذلك ستخضع جميع السيارات للتفتيش دون استثناء.

قد يعجبك ايضا