في ذكرى رحيل الشيخ عبدالله بن ناصر الأسدي

يحيى عبدالله الأسدي

 

 

قليلون هم الذين يغادرون الحياة وتبقى ذكراهم العطرة الطيبة التي تركوها بأعمالهم الجليلة وأخلاقهم الحسنة الفاضلة ومبادراتهم في الحياة تجاه أبناء مجتمعهم ودينهم.
أحد هؤلاء الذين طبعوا في ذاكرة الناس ذكراهم، هو الشيخ الفاضل عبدالله بن ناصر الأسدي، ففي مثل هذه الأيام من العام الفائت وتحديداً في الـ 30 من شهر ذي الحجة 1443هـ فجعنا برحيل الوالد الشيخ عبدالله بن ناصر الأسدي، الذي لم يكن فراقه سهلً علينا لأن مثل هذا الرجل الذي كرّس حياته لخدمة أبناء مجتمعة ووطنه من الصعب علينا نسيانهم بسهولة فأعمالهم وصفاتهم تذكرنا بهم في كل وقت وحين.
ولئن رحل الشيخ عبدالله عنا جسداً فإنه باقٍ فينا روحاً وأعمالاً ومعلماً منه تعلمنا الكثير والكثير، تعلمنا حب الناس والعمل على خدمتهم وحل قضاياهم وإخماد الفتن التي يمكن أن تشتعل نيرانها لأسباب كثيرة أما لسبب سوء تفاهم أو خلاف ما.
فقد كان الفقيد الراحل الشيخ الفاضل عبدالله الأسدي خبير في التعامل مع القضايا يتحرى الصدق ويحكم بالعدل بين الناس.
وبالإضافة إلى الجوانب المضيئة المتمثلة بالإنحياز للحق والعدل، عُرف عن الشيخ الفاضل دعمه لجوانب التنوير في المجتمع وذلك بحبه للعلم والعلماء ودعمه السخي للعلماء وطالبي العلم.
يقول عنه الدكتور حمود الأهنومي « كان الشيخ عبدالله من أفاضل المشايخ يتحرى الحق والصدق مواضباً على الصلوات والجماعات، يحضر لصلاة الفجر في المسجد قبل موعدها وكان كريما جوداً محسناً محباً لأهل البيت وللعلم والعلماء وكان يسعى للخير والصلاح وإصلاح أحوال الناس».
لقد كان رحيل الوالد الشيخ عبدالله الأسدي فاجعة كبيرة، انتزعه الموت من بيننا كأنه قطع أجزاء من قلوبنا ورغم مرور الوقت فإن الجرح لم يندمل وكأن فراقه حصل بالأمس القريب.
لقد ايقنت أن الفواجع تبقى كما هي مهما مرّ من الزمن، وأن الحزن على الراحلين لا يموت.
سيظل حزننا فيك عمراً حتى نلتقي بك أيها الوالد الشيخ عبدالله الأسدي.. رحمك الله وأسكنك فسيح جناته.
وذكر – في مقال عن الوالد- الأخ والأستاذ محمد يحيى العرجلي:
مضى عام هجري ونحن نستقبل عاماً هجرياً جديداً وقد فقدنا الكثير من الناس العظماء والذين عرفناهم قدوتنا في الدين والدنيا والآخرة وكنا نسير على هديهم وخطاهم.
تعلمنا منهم الصلوات في المساجد، وتعلمنا منهم ومعهم إقامة حلقات القرآن وحلقات الذكر في المساجد، وتربينا ونحن نعتبرهم قدوتنا، ومن هؤلاء المرحوم الشيخ عبدالله بن ناصر بن صالح الأسدي
فمنذ نعومة أظافري وأنا أعتبره قدوتي وباعتباري يتيم الأب فقد كان يعاملني بإنسانية وبلطف كبيرين ومع شدة هيبته وحزمه خاصة في نظافة الجامع الكبير لقريتنا قرية الرصعة حجر بني أسد وخوف الأطفال منه فلا أذكر أنه نهرني أو قسى عليَّ.
وكنت أرتاح لمجالسته ونصائح، وكنت أصلي معه في المسجد وكان في رمضان يستدعي لنا عالماً كبيراً من أهل البيت عليهم السلام هو العلامة السيد حسين بن علي بن أحمد المحطوري فكان يعلّم جميع أهل القرية كيفية الطهارة والصلاة والصيام والزكاة وواجباتها ومستحباتها والسنين، وعموماً كان يعلّم أهل القرية الصغار والكبار الفقه الإسلامي الزيدي، فقد علمنا أن ندرس سورة “يس” بعد أذان المغرب لكي يحفظه الصغار والكبار وبعده نصلي العشاء ونقرأ بعده آية الكرسي وبعدها الاستغفار التسبيح عشر مرات وبعدها الأذكار التي أصبحت سنة حتى اليوم نكررها ثلاثا ونختم هذه الأذكار بالصلوات الإبراهيمية ونصلي بعدها الوتر لمن يقدمه.
ثم يبدأ السيد بتعليمنا الفقه والحديث والتفسير والسيرة النبوية الشريفة.
ثم نتدارس كل ليلة من ليالي رمضان المبارك جزءاً من القرآن الكريم حتى نختم المصحف الشريف مع آخر ليلة من رمضان يعلمنا فيها قراءة القرآن الكريم بالتلقين على ما أنزله الله تعالى برواية حفص عن عاصم ورواية قالون عن نافع والتجويد حتى تحسنت قراءة الكبار للقرآن الكريم وتعلّم الصغار فأنا بدأت من منتصف السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وكان السيد العلامة حسين بن علي المحطوري كل رمضان يحل ضيفاً عند الشيخ عبدالله بن ناصر الأسدي.
وبعد أن تعب السيد حسين المحطوري انتقل للتعليم في مسجد الدرجة بجوار بيته فاضطر الشيخ عبدالله الأسدي لإرسال ابن أخيه يحيى بن صالح الأسدي إلى السيد العلامة محمد بدر الدين الحوثي إلى صعدة فأرسل لنا الأستاذ السيد العلامة يوسف الفيشي وظل عندنا في المسجد طيلة رمضان عام 1421 هجري أي 2001م وبدأ الناس يعرفون المسيرة القرآنية في قريتنا وما جاورها، وفي السنة التالية أرسل لنا السيد العلامة محمد بن بدر الدين الحوثي الأستاذ الشهيد يحيى بن عبدالله القاسمي وظل يعلّمنا طيلة شهر رمضان المبارك لعام 1422 هجرية الموافق 2002م.
وعموماً فقد ظل الشيخ عبدالله بن ناصر الأسدي وبيت الشيخ قدوة لنا جميعا فتعلمنا منهم ونشأنا على احترامهم ومعزتهم فهم مشائخ البلاد سياسياً ودينياً وأخلاقياً،
والمقام لا يتسع لحصر وسرد سمات ومميزات الشيخ عبدالله بن ناصر الأسدي فقد كان أذانه في أوقات الصلوات دقيقاً لأنه تعلم من السيد العلامة حسين المحطوري كتاب كنز الثقات في معرفة الأوقات ومؤلفه العلامة عبدالواسع الواسعي.
فقد تربى كل الأجيال الذين عاصروه على يديه وبفضل التزامه وحزمه ونحن لا ننسى تشجيعه لنا ودفعنا للدراسة في الجامع الكبير في صنعاء عند العلماء الأفذاذ الأجلاء وعلى رأسهم شهيد المنبر الدكتور العلامة /المرتضى المحوري. والدكتور يذكر أن من ساعده وتوسط له عند والده العلامة السيد زيد بن زيد المحطوري للهجرة العلمية إلى الجامع الكبير في صنعاء في بداية السبعينيات وقد كان طلوعه نواة خير للإسلام والمسلمين.
وشجع أيضا للهجرة العلمية ابن أخته وبزيه القاضي الفاضل المولى العلامة منصور بن أحمد العرجلي وساعده.
وشجعنا والتحقنا في نهاية الثمانينات بمن سبق للهجرة العلمية إلى الجامع الكبير بصنعاء وأنا واحد من ثمار رعايته وتشجيعه لنا للعلم، وعند رجوعنا إلى البلاد شجعنا على الخطابة للجمعة منذ نهاية الثمانينات واعتمد علينا في الخطابة وإمامة الصلاة والتعليم فقد كان – رحمه الله تعالى رحمة الأبرار- شيخنا وقدوتنا ومعلمنا ومربينا والحكمة تقول : «إذا رأيت شباب قرية صالحين وناجحين فتأكد أن هناك رجلاً عظيماً في جامع قريتهم تولاهم بالتنشئة والحزم والقدوة «
والفضل يعود في قريتنا لله ومن بعده السيد العلامة حسين المحطوري والشيخ عبدالله بن ناصر الأسدي.

قد يعجبك ايضا