في محافظة ذمار توجهنا مع مجموعة من الاكاديميين بجامعة ذمار وآخرين من الضيوف وأبناء المنطقة إلى زيارة القلعة الأثرية المعروفة بـ”حيد اللسي”.
وكان اول ما لفت نظرنا في هذه القلعة الأثرية- التي لانظير لها في شبه الجزيرة العربية والتي تعود إلى الممالك اليمنية القديمة السبئية والحميرية- هو طول السور المحيط بهذه القلعة والذي يتجاوز ألفي متر تقريباً بارتفاع يتجاوز عشرة امتار تقريبا يشرف من نوافذه الضيقة 360 راميا، فوقفنا بإعجاب وإجلال أمام الجهود التي قامت بتشييده بسواعدها ونقل أحجاره من مسافة ليست قريبة على ظهورها، وعند صعودنا الى القلعة وجدنا السور محيطا بفوهة بركان يعود لآلاف السنين وخلف السور من الداخل وجدنا غرفة صغيرة مبنية من الحجارة بجهود ذاتية يتصاعد منها البخار بكثافة عالية يستخدمها الناس هناك للاستجمام والتداوي من أمراض كثيرة، ومما لفت انتباهنا في هذا الموقع هو وجود مادة الكبريت وبكميات عالية، وقد كان اليهود الموجودون في المنطقة قبل رحيلهم من اليمن يصنعون مادة الكبريت للاستعمال المنزلي من هذا الموقع ويصدرونه إلى أماكن كثيرة في اليمن، وخلال وجود الأتراك في اليمن كانوا يجمعون مادة الكبريت من هذا الموقع ويستعملونه في معداتهم الحربية وينقلونه إلى قواتهم العسكرية المنتشرة في الجزيرة العربية، إضافة إلى أن هذا الحصن يطل على مساحة جغرافية واسعة من الجهات الأربع ويشرف على طرق التجارة.
إلا ان هذا الموقع للأسف لم يعد يزوره سوى عمال شبكات الهواتف النقالة لصيانة وحراسة معداتها التي ألحقت اضرارا بالغة بسكان المنطقة الذين يشتكون من انتشار الأمراض السرطانية وارتفاع نسبة الوفيات في أوساطهم، ومن غياب الدولة في الحفاظ على هذا الموقع الأثري الذي يتعرض للخراب والنهب والتدمير باستمرار، فلم يعد من القلعة التي يعود تاريخها لقرون من الزمن الا آثارها والسور الذي رممه الأتراك حسب الروايات المحلية انهارت أجزاء منه وما تبقى معرض للانهيار، والنقوش الحميرية والسبئية المدونة على الأحجار باتت متناثرة ، والحفريات العشوائية في الموقع جارية على قدم وساق، والأمرّ من ذلك ان الأراضي الزراعية القريبة من هذه المنطقة والتي كانت تنتج أجود الحبوب والثمار تتعرض لدمار هائل يجعلها غير صالحة للحياة من قبل أبناء المنطقة الذين حولوها إلى مناجم يستخرجون منها مادة النيس التي تستعمل في بناء المنازل والجسور ويصدرونها إلى محافظات الجمهورية، حتى أصبحت الكثير من هذه الأراضي أشبه بالمقابر العملاقة حيث يتم جرف مساحات واسعة وحفرها لعشرات الأمتار.
لذلك فاننا نناشد القيادة الثورية والسياسية التي حافظت على هويتنا الإيمانية ان تحافظ على هويتنا اليمنية، وتكلف الجهات المعنية بالقيام بواجبها في حماية هذه المواقع الأثرية التي قلّ نظيرها في العالم، والخروج من مقراتها لمعاينة الأضرار التي لحقت بها وإيجاد السبل الكفيلة للحفاظ عليها والاستفادة في الحاضر والمستقبل، فبالإضافة إلى أهمية هذا الموقع الاستراتيجية الا انه يمكن ان يشكل رافدا اقتصاديا يجذب السياح لمعاينة الآثار الموجودة فيه، ويجذب رؤوس الأموال لاستخراج مادة الكبريت، كذلك البخار الذي يتصاعد من بعض الأماكن في هذا الموقع يمكن ان يجذب الكثير من المرضى الذين يعانون الرمتيز والربو وبعض الأمراض الجلدية وغيرها .
أمين عام مجلس الشورى