اليوم ليس هناك مجتمع يعتنق عقيدته بإرادته أو وفق إرادة الله، فذلك الذي يعبد البقر في الهند لو كان من أولئك الذين يعبدون الأصنام في اليابان لكان له موقف مغاير ومعاكس ورافض لعبادة البقر وكذلك الحال بالنسبة لمن يعبد الأصنام أو غيرها وهكذا الحال بالنسبة للمذاهب التي يعتنقها الملايين باسم الإسلام فقد يولد المرء في بيئة جغرافية واجتماعية سنية فيكون سنيا أو يولد في بيئة جغرافية واجتماعية شيعية فيكون شيعيا ليس بإرادته بل بإرادة قومه وأسرته وجيرانه و حاضنته الاجتماعية التي نشأ فيها وتأثر بها وسار معها واعتنق مذهبها بل لقد وصل التشتت والتفرق العقائدي والمذهبي إلى أبعد المستويات، حيث يكون هناك شعب يتكون من عدة محافظات وولايات وأقاليم ومناطق بعضها تكون سنية والأخرى شيعية ولو كان هذا الإنسان الشيعي مولودا في محافظة أو منطقة سنية لما كان شيعيا والعكس وهكذا على مستوى المديرية والمنطقة والمحافظة والشعب والمجتمع، مع أن الحقيقة التي لا غبار عليها هي (إن الدين عند الله الإسلام) لا سنية ولا شيعية ولا مذهبية ولا طائفية والواقع يشهد، فالسنة والشيعة ليسوا متفقين بل الشيعة ليسوا متفقين والسنة ليسوا متفقين.
ولو تم اليوم التخلي عن المذهبية والطائفية وحصل توحد واعتصام وتمسك وتطبيق لقول الله تعالى (إن الدين عند الله الإسلام) وقوله تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) لكان المواليد غداً في كل المحافظات والمناطق والمديريات والمجتمعات والشعوب العربية والإسلامية كلهم مسلمين لا سنة ولا شيعة فقط مسلمين ولصارت المذاهب من الماضي السحيق الجاهل المرفوض اليوم جملة وتفصيلا لأنه غير مسموح أن يتفرق الناس في الدين الحقيقي الواحد الذي شرعه الله وارتضاه للناس وأمرهم باعتناقه لكن عندما تم التفرق في الدين وتحويله إلى مذاهب وأطياف وفرق ضاع الدين الحقيقي في المجتمعات ولم يبق منه سوى ادعاءات، كل طرف يدعي انه هو الحق وغيره الباطل والحقيقة أن غير المذهبي هو وحده الحق وما سواه هو الباطل ولو حمل اسمه فإرادة الله تقضي أن يكون الجميع مسلمين فقط وإرادة المجتمعات تركت الدين الذي شرعه الله تعالى ورفضته واستبدلته بالمذاهب فكانت النتيجة التفرق والضعف والجهل والصراع والخسارة في الدنيا والآخرة.
لقد صار الدين موروثاً جغرافيا واجتماعيا مذهبياً مؤطرا ومحدودا ومفرقاً ومبعثرا وضعيفا بسبب المذهبية والطائفية والله يريده وأراده دينا عالميا ونظاما كونيا للحياة والإنسان في كل زمان ومكان بحيث يسافر المسلم من وسط مجتمع مسلم من أقصى شرق الدنيا إلى أدنى مغربها ويصل إلى هناك ويستقبله مجتمع مسلم وأراد الله أن يولد الإنسان اليوم في مجتمع مسلم فيكون مسلما فقط بدون أي زيادة أو نقصان ويموت غدا في أي مكان وهو مسلم فقط، قال تعالى (ولا تموتن إلا وانتم مسلمون) ولهذا نجد أن الدين الحقيقي لا يكمن في البيئة الجغرافية والاجتماعية التي ينشأ فيها هذا الإنسان أو ذاك وإنما يكمن في الإرادة الإلهية التي يجب أن يسلكها ويتبعها كل إنسان في أي مكان وفي أي مجتمع، فالله تعالى شرع الدين ومنع التفرق فيه ولم يسمح بتحويله إلى مذاهب وليس هناك شرعية لأحد أن يمزق الدين وأن يفككه وان يحوله إلى مذاهب، فهو تعالى القائل (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)، وهو تعالى القائل (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء) وهو تعالى القائل (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، فليس هناك حبل شيعي وحبل سني بل حبل إلهي واحد هو دين الإسلام.
وليس لأحد الحق في أن يعاتب أحدا أو يُكفِّر أحدا أو يقتل أحدا أو يتهم أحدا بالباطل والضلال من أهل المذاهب التي تدعي الإسلام فالذنب مشترك والجريمة مشتركة والبيئة الجغرافية والاجتماعية سبب ولد من رحم الجهل بالدين الحقيقي، فالشيعي من هذه المنطقة ليس له حق التشكيك في عقيدة السني من المنطقة الأخرى كشيعي والعكس فلم يكن ذلك شيعيا بإرادته ولم يكن ذلك سنيا بالفطرة التي فطر الله الناس عليها والعكس، لأن فطرة الله هي الإسلام قال تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها) الدين الذي هو (إن الدين عند الله الإسلام) في أي مجتمع وفي أي مكان أقم وجهك للدين الإسلامي وليس للمذهب الذي يؤمن به قومك واهلك ومجتمعك، فالله فطر الجميع على دين الإسلام وليس على المذاهب التي تفرق الدين باسم الإسلام بل نهى عن التفرق في الدين وقال بكل شفافية انه لن يتقبل من أحد غير الإسلام (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) والقضية المهمة والأمر المهم الذي يجب على الجميع معاتبة انفسهم عليه هو لماذا المذهبية والطائفية؟ لماذا لا يكون الدين هو دين الإسلام فقط وفقط؟
يقال إن الرسول صلوات الله وسلامه عليه قال (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه ييهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) والله اعلم بصحة الحديث ولكن يمكننا البناء على هذا كمثال أن نقول يولد الإنسان اليوم في الوطن العربي والإسلامي فأبواه يسننانه أو يشيعانه والله أراده وفطره مسلما فقط، وبعد أن يكون على مذهب أبويه ومجتمعه يشهر سيفه ولسانه في مواجهة المذاهب الأخرى ويخوض معارك ما انزل الله بها من سلطان ولو كان مسلما فقط لما كان له موقف سلبي معادي من إخوانه المسلمين في أي مكان أو في أي مجتمع، والمؤسف أن الأكثرية على قناعة شبه تامة بهذه الحقيقة ومع ذلك لو يولد لأحدنا مولوداً اليوم لفرح به كسني أو كشيعي وليس كمسلم ولن يربيه على دين الإسلام فقط وعلى نبذ المذهبية والطائفية بل سيربيه على ما هو عليه من أفكار وعقائد مذهبية والمنصف المتردد سيخبر ولده أن المذهبية باطلة لكنه سيمنعه من أن يكون مسلما فقط وسوف يحذره من بقية المذاهب الأخرى والبقاء على ما هو عليه سنيا كان أو شيعيا وهذا يعني أن الضلال والجهل قد ترسخ وتجذر فينا وصرنا نتوارثه جيلا بعد جيل رغم معرفتنا بالحقيقة بل رغم وجود الحقيقة التي يتضمنها القرآن الكريم الذي يخاطبنا كل يوم ويرشدنا بشكل دائم ويحذرنا باستمرار من التفرق في الدين، فالجميع يجب أن يكونوا كما يريد الله مسلمين فقط بدون تفرق ولا مذهبية ولا طائفية تصنعها إرادة المجتمع والجغرافيا في الإنسان منذ ولادته بدون إرادته وبعيداً عن إرادة الله التي يجب أن تكون هي العليا، قال الله تعالى {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} وقال سبحانه {إن الدين عند الله الإسلام}.