زراعة القات.. السبب الرئيسي في التسابق على حفر الآبار واستنزاف المياه

في ظل غياب الدور الرسمي في التخطيط والإشراف: الحفر العشوائي يستنزف مياه الآبار السطحية والجوفية، وينذر بكارثة جفاف

 

 

الهكتار من القات يستنزف من المياه ما يكفي لزراعة 4 هكتارات من القمح

الحسين اليزيدي
وصل حفر الآبار العشوائية في إحدى مناطق محافظة حجة إلى سبعة آبار في أقل من نصف كيلو متر مربع، وذلك نتيجة لتوجه العديد من المزارعين إلى التوسع في زراعة القات.
وتحتل زراعة القات نسبة تتجاوز 85 % من الأراضي الزراعية في المناطق الجبلية الشمالية والمناطق الوسطى بحكم ما تمتاز به من أجواء مناسبة لزراعة هذه الشجرة، ويتربع القات أعلى مكانة في تحقيق العائد الاقتصادي للكثير من مزارعيه، وخاصة في المناطق التي تتوافر فيها المياه الجوفية أو السطحية.
للتعرف على بعض من التفاصيل المتعلقة بزراعة هذه الشجرة، والتي تستنزف المخزون المائي بشكل مخيف، إن لم يكن منذرا بكارثة مياه غير محمودة العواقب، قمنا بهذا الاستطلاع السريع، فكانت الحصيلة ما يلي:
وصل عدد أشجار القات المغروسة في اليمن حتى عام 2019، بحسب دراسة أعدها أمين راجح، خبير في مجال المياه والبيئة”، إلى 350 مليون شجرة قات يتركز أغلب زراعتها بحسب كتاب الإحصاء السنوي في محافظات صنعاء وعمران وحجة، والذي أشار إلى أن زيادة التوسع في زراعة القات في عام 2020 عن عامي 2018 – 2019 بما يقارب 5 آلاف هكتار.
وبحسب تقديرات حكومية ينفق اليمنيون على القات ما يقارب 12 مليار دولار، وتستهلك شجرة القات سنويًا أكثر من 800 مليون متر مكعب من المياه، بزيادة أربعة أضعاف عما يستهلكه القمح، فالهكتار الواحد من القات يستهلك أكثر من 6 آلاف متر مكعب، بينما يستهلك الهكتار الواحد من القمح 2000 متر مكعب من المياه.
إلى ذلك، يقول (أ.ع) أحد مزارعي القات في محافظة حجة أن توفر المياه لديه من البئر الارتوازي جعله يتوسع في زراعة القات في 4 جرب كانت صالبة لتعزيز دخله المالي دون النظر لعواقب استنزاف المياه بالغمر على شجرة القات.
فيما يشكو المواطن “علي مساوى” من أبناء مديرية كشر في محافظة حجة من انخفاض مياه الآبار السطحية بسبب الحفر العشوائي والاستنزاف الهائل للمياه لري مزارع القات بالغمر، يقول: أصبحت الآبار السطحية التي نعتمد عليها في الشرب وسقي مواشينا جافة ما يضطرنا لقطع عشرات الكيلومترات للبحث عن ماء.
ويضيف “الآبار السطحية كانت ممتلئة بالمياه حتى أيام الجفاف، حتى بدأت رؤوس الأموال في المنطقة تستثمر في الحفر العشوائي للآبار الإرتوازية، وتحديدا قبل 5 سنوات واستغلال مياه هذه الآبار للتربح في سقي مزارع القات وأدى الاستنزاف الهائل للمياه، وانحسار مياه الآبار السطحية، وخلق أزمة في مياه الشرب خصوصًا عند الأسر الأشد احتياجًا غير المقتدرة على نقل المياه في جالونات النقل.

أين الخلل؟
من جهته، أكد مدير إدارة الري عبداللطيف العمري أن ضعف التمويل قلص من عمل الإدارة المتمثل في إقامة دراسات السدود والحواجز والكرفانات المائية وعمليات الإرشاد التي تقوم بها الإدارة في مجال الحفاظ على المياه وأهمية حصادات مياه الأمطار.
مضيفًا أن أنشطة الإدارة باتت محدودة في نطاق المبادرات المجتمعية في السدود والحواجز، حيث تتكفل الإدارة بإرسال المهندسين لإجراء الدراسات الفنية على نفقات المجتمع نظرا لانعدام التموين، حيث تم إجراء مئات الدراسات الفنية للمبادرات المجتمعية في مجالات حصادات المياه.
وأشار إلى أن ما يقارب 2400 منشأة ما بين سدود كبير ومتوسطة وصغيرة وحواجز وكرفانات ومداخل قنوات وبرك تحتاج إلى الإشراف المستمر من قبل المهندسين للحفاظ عليها وإجراء النزولات الميدانية المتواصلة إلى مواقعها، خصوصا أثناء مواسم الأمطار، كما أن بعض من هذه المنشآت قد تعرض للإهمال والاندثار وأن ملايين من المتر المكعب من مياه الأمطار تتسرب للصحراء أو البحر دون الاستفادة منها.

حلول
وبدوره، يرى الخبير الاقتصادي نبيل الشرعبي أن التوسع في زراعة القات نتاجًا لغياب دور الجهات المعنية وتعطل وظائفها فيما يخص دعم الجهد الزراعي، مما أدى إلى قيام المزارعين بالبحث عن بدائل تدر عليهم عوائد تمكنهم من تحقيق أرباح والعيش بكرامة، لأنهم وجدوا أن زراعة الحبوب يكلفهم الكثير وعند بيعها لا يستردون ما انفقوه ما ينذر بهلاك التربة واستنزاف الماء وتعطيل سياسة الاكتفاء الذاتي من الحبوب والاعتماد على الغير في توفير مادة القمح أو الحبوب بأنواعها.
وأضاف: أن من مخاطر التوسع في زراعة القات سلبيات أخرى أبرزها: التأثير على الثروة الحيوانية والنحل جراء التوسع في استخدام المبيدات والسموم التي تساعد على نمو اغصان القات وتتسبب في نفوق الحيوان والنحل.
وأكد الشرعبي أن على الجهات المعنية القيام بدورها في إجراء البحوث والدراسات للأراضي لتحديد مدى تناسبها مع الأصناف الزراعية، وتنفيذ حملات توعية وإرشاد على الدوام لملاك الأراضي الزراعية، والتنسيق مع وزارة المالية وكاك بنك وغيره من البنوك لتوفير الاحتياجات التي يتطلبها الجهد الزراعي في المحاصيل الزراعية التي لاتستنزف المياه، والعمل على إقامة السدود والحواجز ومنع الحفر العشوائي خصوصًا في المناطق المهددة بالجفاف. ثم تقديم الضمانات الكافية للمزارعين بتحمل تسويق محاصيلهم وبما يحقق لهم استعادة ما انفقوه وأيضا أرباح تساعدهم على توفير متطلبات حياتهم مع أسرهم..
ويقول الخبير الاقتصادي نبيل الشرعبي لا حل مع بقاء جهد الرسمية مهدر ومشتت ولن يتحقق حل إلا من خلال التالي:
– دمج وزارة الزراعة ووزارة المياه والبيئة ووزارة الثروة الحيوانية في هيئة واحدة المجلس الأعلى للزراعة والمياه والثروة الحيوانية، وينبثق عن المجلس ما يلي:
– تأسيس مركز بحوث ودراسات متخصص في ذات المجال، وضمان أن تكون تحت مظلة إدارة موحدة وفاعلة وخاضعة للرقابة والمحاسبة المباشرة والعاجلة.
– تأسيس شركة خدمات عامة، تضطلع بمسئولية توفير كافة متطلبات الزراعة من بذور وأسمدة ومعدات زراعية وقطع غيار ووقود تشغيل.
– تأسيس شركة تسويق تتولى مسئولية تسويق المحاصيل الزراعية وتتحمل تبعات الإخفاق.
وأضاف: أنه يجب على المزارعين أن يرفعوا أصواتهم للجهات الرسمية بالمطالبة لها بتحقيق ما سبق ذكره… وألا يعتبروا زراعة القات -الذي يهدد مستقبل الأجيال باستنزاف المياه السطحية والجوفية- حلًا لمشاكلهم ومصادر لتوفير متطلبات حياتهم، وأن الأفضل لهم زراعة المحاصيل الزراعية وتنظيم زراعة الأصناف فيما بينهم لتغطية احتياجات الأسواق دون إحداث كساد، أو استنزاف للمياه.

قد يعجبك ايضا