لم يسمحوا لي الاتصال بأهلي سوى ثلاث مرات وكانت المرة الأولى بعد عام كامل من احتجازي
المختطف في سجون المرتزقة رياش لـ” الثورة “: اختطفوني من نقطة الفلج بمارب أثناء سفري إلى شبوة للحصول على عمل ومكثت في سجونهم ست سنوات بدون أي ذنب
تنقلت بين ثلاثة سجون ورأيت أنواعا من التعذيب لا يصدقها العقل
توفي بعض المحتجزين أمام عيني بسبب الإهمال وعدم توفر العلاجات لمكافحة الأوبئة المنتشرة
جبان ذلك المعتدي الذي يمتد بطشه إلى المدنيين والأبرياء باستهدافهم أو اختطافهم وإخفائهم قسراُ في سجونه دونما ذنب ارتكبوه حيث يُحرم المساس بهم ومدان من يفعل ذلك بحسب كل الأعراف الدينية والقبلية وحتى مواثيق الأمم المتحدة، فهناك قرابة ألف و200مختطف يقبعون في سجون العدوان ومرتزقته بينهم (مغتربون ومسافرون وطلاب وأكاديميون ونساء وأطفال) تم اختطافهم وإخفاؤهم قسريا وتعذيبهم بمختلف الأساليب والتي تصل غالبا إلى القتل وذلك بحسب منظمة إنسان للحقوق والحريات التي عقدت مؤتمرا صحفيا وثقت فيه جرائم وانتهاكات العدوان ومرتزقته بحق المعتقلين المدنيين منذ تأسيسها في نوفمبر 2021 إلى مايو 2023م في عدد من السجون في مارب وحضرموت وعدن والمهرة وسقطرى والمخا بواقع ستة سجون في محافظة مارب وثمانية في المخا والمحافظات الجنوبية.
“الثورة” وأثناء تغطيتها للمؤتمر التقت أحد المختطفين وهو الأخ توفيق رياش والذي قضى اكثر من ست سنوات من عمره في سجون المرتزقة دون ذنب او جرم، حيث روى لـ”الثورة” القصة الكاملة ابتداءً بأسباب اعتقاله ثم أساليب التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون داخل السجون ومروراً بالأوبئة المنتشرة والإهمال الشديد من قبل العاملين على تلك السجون، كما عبر عن الشكر للقيادتين الثورية والسياسية على الاهتمام بالمعتقلين والسعي لإخراجهم من غياهب سجون الظالمين، وأشاد بجهود منظمة إنسان ودورها في إبراز قضايا المعتقلين ورصد وتوثيق الانتهاكات والجرائم التي ترتكب بحقهم.. داعياً المنظمات الدولية إلى تحمل المسؤولية والقيام بدورها في إخراج جميع المعتقلين المدنيين…إلى التفاصيل:
الثورة / احمد السعيدي
قصة الاختطاف
في البداية حدثنا المختطف توفيق احمد علي معصار رياش من محافظة المحويت – 28 سنة عن قصة اختطافه قائلاً: “كنت مسافراً إلى محافظة شبوة للالتحاق بعمل بما اني تخرجت حديثاً من جامعة العلوم والتكنولوجيا “فني صيدلة” وحين وصلت إلى نقطة الفلج بمحافظة مارب تم إنزالي من السيارة الأجرة واختطافي بعد تفتيش البطائق الشخصية للركاب ثم الزج بي في سجن لم أتمكن من معرفته، وفي تلك الليلة والزنزانة الانفرادية التي تم الزج بي فيها لم أذق طعم النوم بسبب الحيرة عن سبب اعتقالي وازدادت حيرتي حسرة بسبب مصادرة جوالي ومنعي من إبلاغ أهلي على الأقل، لكني كنت متفائلاً بعض الشيء بأن الأمر قد يكون اشتباهاً فقط وخصوصاً انهم عاملوني في البداية بقليل من الاحترام الذي يخفي من الوحشية والإجرام ما لا يصدقه العقل بحق مختطفين أبرياء بدون ذنب”.
التهم الملفقة
وأما عن التهمة التي وجهت لتوفيق رياش فأضاف: “في صباح اليوم التالي تم التحقيق معي ومواجهتي بالتهمة المضحكة والمفصلة لأي مواطن قادم من المحافظات المحررة بأني حوثي وأشارك في جبهات القتال وعندها أنكرت ذلك وأقسمت لهم إيماناً مغلظة باني لم انخرط يزما في جبهات القتال بل اني حتى لم أقم بترديد الصرخة من قبل وهذه الحقيقة للأسف، وأخبرتهم اني لو كنت حوثيا أشارك في الجبهات ما هو الذي سيدفعني للذهاب للعمل في محافظة تابعة للعدوان وحتى الشهائد الخاصة بي معي ، وبعدها بدأت سيل الشتائم بكلمة شكلك مش حق احترام يا ابن ال…..ثم بدأ الضرب والتعذيب بأشكال مختلفة لمدة شهر حتى تم التحقيق معي مرة أخرى وإخباري بأن لدي تهمة جديدة وهي أنني من ضمن من اقتحموا ونهبوا بيت الشيخ محسن ثامر التابع لهم بمحافظة المحويت مع العلم اني كنت في صنعاء يومها للدراسة ومنزل الشيخ محسن اساساً في القرية المجاورة وليس قريتي”.
سجن جديد ومعاناة
ويواصل المختطف المحرر رياش حديثة بحرقة كبيرة عن رحلة المعاناة متنقلاً بين سجون العدوان: “وبعد شهرين من التعذيب والإهانة تم نقلي إلى سجن يطلق عليه سجن معهد الصالح أحد سجون الأسرى حيث اعتبروني أسيراً من جبهات القتال وكانت تمارس في ذلك السجن أنواع أكثر وحشية من التعذيب والمضايقة حيث أنه لم يكن يتم السماح لنا بدخول الحمام سوى مرة واحدة في اليوم ومن أراد الذهاب مرة ثانية يتم إجباره على التبول في علب بلاستيكية وعند ذهابنا إلى الحمام في المرة الوحيدة يتم ضربنا وكذلك عند العودة، أما الأكل فليس أكثر من ثلاث حبات ” كدم” لكل فرد ، وبعد سنة من المعاناة والقهر تم نقلي إلى سجن الأمن السياسي رغم انهم خلال السنة لم يقوموا بالتحقيق معي مطلقاً وفي سجن الأمن السياسي أدخلوني مع خمسة محتجزين آخرين في غرفة صغيرة حجمها متران في متر و80سم ومن ضمن المحتجزين أمير الدين جحاف الذي أصبح اليوم مسؤولاً على منظمة إنسان التي استضافتنا اليوم، وتنقلت في عدة عنابر في ذلك السجن مع استمرار حملات التعذيب الأسبوعية واحياناً اليومية”.
أوبئة وإهمال
سألنا المختطف توفيق رياش عن الوضع الصحي تلك السجون التي تم الزج به فيها، فكان الرد موجعاً يكشف حالة عدم الإنسانية للقائمين على هذه السجون حيث قال:
” في البداية كانت تواجه المحتجزين بعض المشاكل الصحية والجروح نتيجة التعذيب وكنت بدوري أقوم بممارسة مهام صحية وطبية بحكم خبرتي الدراسية في مجال الصيدلة مثل ضرب الإبر والمجارحة وغيرها لكنهم منعوني من ذلك وأخبروني بأن الموت في السجن سيكون أفضل لنا، وسجن الصالح لا توجد فيه العناية الطبية نهائياً وانتشر وباء الكوليرا في أوساط المحتجزين الذني توفي بعضهم أمام عيني بسبب عدم توفر العلاجات، وفي سجن الأمن السياسي أصيب بعض المحتجزين بوباء السل حيث كانت حالة واحدة وعندما أخبرت الدكتور الخاص بالسجن بأن هذا المرض خطير ويؤدي إلى الوفاة تجاهل الأمر وكان يأتي لنا بحبة مسكن أو إبرة بعد المطالبة بثلاثة أيام وعندها انتشر السل وتوفي البعض، منهم شخص اسمه هاشم الذهب وآخر صادق الجسيمة، أما المحتجز محمد الملاحي فقد خرج من عندنا وهو بين الحياة والموت وانقطعت أخباره تماماً”.
معاناة أهالي المختطفين
أما عن المعاناة التي تعرض لها أهل المختطف توفيق رد علينا قائلاً:
” قضيت في السجن ست سنوات ونصف تم اعتقالي في العام 2017 حتى 10 شوال عام 2022م، حيث لم يتم السماح لي بالاتصال بأهلي سوى ثلاث مرات حيث كانت المرة الأولى بعد عام من احتجازي ،خلال ذلك العام عانى أهلي كثيراً في البحث عني واعتبروني في عداد الموتى واصبحوا يبحثون عن صور جثتي بين الجثث المفقودة في الصحف وثلاجات المستشفيات حتى أن أمي أصيبت بالسكر والضغط جراء حزنها الشديد على مصيري، وبعد عام آخر وثمانية أشهر تم السماح لي بالتواصل معهم وذلك لاستدراجهم بأن يأتوا بالبديل لخروج ابنهم وعندما سأل أهلي عن البديل؟ قالوا احد الذين اقتحموا بيت الشيخ محسن أو احد القيادات في جماعة الحوثي حسب قولهم، ثم اتصلوا بوالدي مرة أخرى دون علمي واخبروه بأن عليه تحكيم الشيخ محسن ثامر وإعادة ما تم نهبه وذلك مقابل خروجي واخبرهم أبي بأنه لا دخل لنا باقتحام بيت الشيخ المذكور”.
أسوأ لحظات وأساليب التعذيب
سألنا توفيق عن أسوأ اللحظات التي عاشها في السجون طيلة تلك السنوات وكذلك أساليب التعذيب التي كان يمارسها المجرمون بحق المختطفين والأسرى؟ فقال:
“سنوات السجون جميعها مريرة حيث كانت ست سنوات من المعاناة والمرض بين أربعة جدران لا حرية ولا اكل يصلح للإنسان ولا علاج ، لكن أسوأ اللحظات هي تلك التي كنا نتعرض فيها للتعذيب الوحشي فعندما كنت في سجن الصالح كانت تقام حملات تعذيب إجرامية، حيث أنه كان يطلب منا الانبطاح ثم يقوم بالدعس عليك في الفم أو الصدر أو مناطق حساسة، والمأساة الأخرى بعد يوم 30 / 9 حيث تم استخدام طريقة جديدة للتعذيب حيث تدخل حملة عسكرية مكونة من ثلاثين جندياً ونحن نيام ثم الصعود فوقنا حيث يستقيم فوق جسد الفرد منا ستة جنود لتكسير عظامنا، ومن أساليب التعذيب أيضاً الصعق بالكهرباء واستخدام كايبلات الطاقة الشمسية لضربنا وأيضا يتم تعليقنا مكتوفي الأيدي إلى الخلف لمدة يوم واكثر وحتى الضرب في العضو الذكري وتخزيق أجسادنا بالمسامير والأدوات الحادة وغيرها “.
زملاء معتقلين
وأضاف توفيق عن عدد المعتقلين المدنيين الذي قابلهم في سجون العدوان:
” عدد المعتقلين المدنيين الذين قابلتهم في السجون كثير جدا منهم من تم اعتقاله وهو ذاهب إلى السعودية والبعض منهم اعتقل أثناء ما كان متنقلاً من محافظة إلى أخرى والتهم الموجهة إليهم كثيرة فمنهم بتهمة انخراطه في السلك العسكري سابقاً ومنهم بسبب اللقب عندما يكون هاشمياً ومن ضمن المعتقلين الذين قضيت معهم أوقاتاً طويلة المحتجز ياسر المجهدي الذي هو من أبناء مارب واعتقلوه بسبب زيارة قام بها إلى صنعاء وتوفي والده وهو في السجن وأصيبت امه بالقلب وتحتاج الآن إلى صمامات وأيضا المحتجز مروان معياد الذي كان ذاهباً إلى منفذ شحن لاستلام سيارته فاعتقلوه ثم طلبوا منه بديلاً ليس موجوداً في سجون صنعاء مطلقاً وغيرهم الكثير ممن زارتهم بعض المنظمات وكان المجرمون يقومون بإخفائنا حتى ترحل المنظمات”.
إطلاق سراحي
المعتقل المحرر توفيق رياش يروي أيضاً لحظات إطلاق سراحه قائلاً:
“تم خروجي بسبب أنني كنت مريضاً جداً وكنت بين الحياة والموت حيث أصبت بالتهابات شديدة وسعال حتى أننى كنت اتقيأ دماً ولست الوحيد الذي يعاني نفس المشكلة وامتنعت عن الأكل نهائياً بعدها اتصلوا بمندوب المحافظة الذي بدوره اتصل بوالدي وطلبوا منه مبلغاً كبيراً من المال كمحاولة أخيرة للاستفادة مني واخبروه بأنهم غير مسؤولين عن موتي في حال التأخر عن دفع المبلغ وبعد موافقة والدي أخرجوني بسيارة مع مرافق من بلادي المحويت وقبلها كنت سوف اخرج في صفقة تبادل الأسرى لكنهم قايضوا بي بأحد المتورطين في العمليات التفجيرية”.
واختتم المعتقل المحرر توفيق حديثه لنا بمناشدة عاجلة لمنظمات العالم والأمم المتحدة بإخراج باقي المعتقلين المدنيين الذين لا تهمة لهم، كما شكر القيادة الثورية ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي والسياسية ممثلة بالرئيس المشير الركن مهدي محمد المشاط على اهتمامها بالمختطفين وكذلك وسائل الإعلام ومنظمة إنسان على دعوتها لهم لإسماع العالم أصواتهم واوجاعهم التي تعرضوا لها في سجون العدوان..