مرضى: سوء المعاملة يصيبنا بالاكتئاب والإحباط


> طبيب جلد: الهدف من العلاج هو الحد من انتشار المرض

لا شك أن الأمراض الجلدية بشكل عام والبرص بشكل خاص تؤثر على المصابين بها نفسياٍ واجتماعياٍ لما تسببه من تغيير في مظهر الشخص خاصة إذا كانت بقع البرص في المناطق الظاهرة من الجسم مثل الوجه اليدين الرجلين.
فالمصاب بالبرص لا يعاني من الخجل وآثار المرض فحسب بل إنه مطالب بتحمل ردود أفعال الآخرين تجاه حالته.
ومع أن الأطباء لم يصلوا إلى علاج يقضي على البرص كلياٍ سوى توقيف انتشاره فقط فالمجتمع مطالب بتقبل مرضى البرص ومشاركتهم اجتماعياٍ في كل المجالات كون هذا المرض ليس معدياٍ ويكون المصاب إنساناٍ له أحاسيس ومشاعر كغيره من البشر وحتى لا تتحول حياة المصاب إلى جحيم.
حول هذا الموضوع قامت “الأسرة” بإجراء التحقيق التالي:

وفي البداية تحدث إلينا الأخ سمير عبدالحفيظ عن قصته مع المرض ومعاناة علاجه بقوله لقد أصبت بالبرص قبل 6 سنوات تقريباٍ ومنذ ذلك الوقت ذهبت لأكثر من طبيب جلد واستخدمت كثيراٍ من الأدوية والمراهم التي قررها الأطباء لي إلا أن جميعها لم تأت بأي فائدة سواء في الحد من البرص الذي ظهر في أجزاء من جسدي أو في وقف انتشار المرض في بقية الأجزاء الأخرى من جسمي التي لم يصلها حينها فمفعول التطبيب لم يشفيني من البرص ولم يوقف انتشاره وأحمد الله على كل حال.

معاناة
وقال لا شك أننا المصابون بالبرص نعاني نفسياٍ ومعنوياٍ من المجتمع وتعامله معنا غير أن المصابين بالبرص تختلف درجة تحملهم مواجهتهم لمثل ذلك التعامل من مصاب لآخر فكلما كان المصاب قوي الشخصية يستطيع مقاومة ذلك التعامل بقوة أما إذا كان المصاب ضعيف الشخصية فإنه يكون عرضة للاكتئاب والاحباط جراء المعاملة التي يلاقيها ممن هم محيطون به فأنا على سبيل المثل واجهت معاناة كبيرة من نظرة التمييز من المجتمع بعد مرضي وأكثر ما كنت أعانيه في بداية المرض هو أنني كنت قاب قوسين أو أدنى من ترك عملي في الشركة التي أعمل فيها بسبب إصابتي بالبرص الذي انتشر في المناطق الظاهرة في جسمي مما أدى إلى تغير مظهري وكان عملي آنذاك موظف رسبشن استقبال وهو ما يستدعي أن يكون الموظف في هذا المكان حسن المظهر وفي أناقة تامة إلا أن مدير الشركة حين علم بعزمي على ترك العمل قام بزيارتي إلى منزلي وأصر على اصطحابي معه إلى العمل في الشركة مخففاٍ عني ذلك الإحباط وشجعني على التغلب على المرض وعدم الاستسلام له فأستطعت التغلب على الإحباط وعلى التعايش مع المرض والآن وبعد مرور ستة أعوام على مرضي أعيش حياتي الطبيعية دونما إحساس بالإحباط.

طالب يترك المدرسة
محمد فواز الخولاني طالب في المرحلة الأعدادية قصته تختلف عن مضمون قصة سابقه حيث يقول: لقد أجبرت على ترك المدرسة العام الماضي بسبب سوء المعاملة التي كنت اولاقيها من قبل بعض زملائي الطلاب داخل الفصل فقد كانوا يرفضون الجلوس بجانبي وكذا السلام علي بحجة خوفهم من انتقال المرض إليهم ورغم تأكيدي لهم مراراٍ وتكراراٍ بأن مرض البرص ليس معدياٍ إلا أنني لم أستطع أقناعهم بذلك فتحطم أملي في إكمال دراستي بصخرة المرض وما نتج عنه من سوء معاملة تجاهي أجبرتني على ترك المدرسة.

عائقاٍ للزواج
أما الأخت ن. س طالبة جامعية فتحدثت بحزن شديد عن قصتها مع مرض البرص الذي بدأ بالظهور في وجهها وفي أطراف يديها قبل ثلاث سنوات وتشكو حالها مع المرض وتوضح بأنه بعد فترة وجيزة من ظهور المرض تقدم إلى أهلها أحد الشباب لطلب الزواج منها فتمت موافقتهم عليه إلا أنه وبعد مرور أسبوع على موافقة أهلها حضرت والدته وشقيقاته إلى منزل والدها وحين شاهدن مظهرها ظهر على وجوههْن العبوس وعدم الرضا باقتران ذلك الشاب بها وقالت لم تمر سوى فترة قصيرة حتى أفضح الشاب الذي تقدم لخطبتي عن رفضه إكمال خطوات الزواج وفسخ الخطوبة.

الآثار النفسية
من جانبه تحدث أخصائي علم النفس إبراهيم فائز مهدي عن الأثر النفسي والاجتماعي الذي يحدثه البرص للأفراد:
من المعلوم أن الأمراض الجلدية بشكل عام تترك آثاراٍ نفسية لدى المصابين بها وتغير حياتهم الهادئة المستقرة إلى حياة صعبة ومؤلمة وهذه الآثار لا تقتصر على الشعور بالخجل والإحراج والقلق من المحيطين بهم بل تمتد إلى فقدانهم الثقة بالنفس والاكتئاب التي يعيشها وكذا على ضرورة تقبل العيش معه بصورة طبيعية وبكل واقعية دون الإحساس بأي عقد.
مشاكل اجتماعية
واسترسل قائلاٍ: لا شك أن التغيير في المظهر الخارجي الذي يسببه البرص للشخص يخلق له الكثير من المشاكل النفسية والأسرية والاجتماعية بسبب تعامل البعض معه بطريقة غير إنسانية وأيضا بسبب ممارسة التمييز ضد المصاب في التوظيف والحصول على الترقيات وخاصة في القطاع الخاص ومن قبل الكثير من الناس الذين لا يفهمون طبيعة المرض بأنه غير معد فترى أكثر المصابين يتحسسون عند تعاملهم مع الآخرين فمثلاٍ بعض أصحاب الدكاكين حين يعطون المصاب بالبرص البضاعة التي طلبها يكون الأمر عادياٍ غير أنه عندما يقوم المصاب باعطائهم الثمن من النقود ترى صاحب الدكان ينفر وكأنه سوف يمسك شوكاٍ وليس نقوداٍ خوفاٍ من انتقال البرص إليهم وكذا الطالب المصاب في المدرسة ينفر منه زملاءه ناهيك عن الأماكن العامة والترفيهية مثل المسابح والحمامات البخارية والحدائق العامة التي ما إن يذهب إليها المريض بالبرص إلا وتشاهد المتواجدين مصوبين أنظارهم نحوه وتجدهم يراقبون كل حركاته وإذا كان بينهم أطفال فإن هؤلاء الأطفال يفرون من المصاب بالبرص معتقدين بأنه من الأمراض المعدية.
وقال مهدي إنه يقع على عاتق وسائل الإعلام التوعية بماهية وطبيعة مرض البرص لأفراد المجتمع والتوضيح لهم بأن النظرة السلبية ضد المريض والتمييز تجاهه تزيد من الضغوط النفسية عليه وتؤدي به إلى العزلة وهو ما يستلزم من جميع أبناء المجتمع تقبل مرضى البرص في كل جوانب الحياة ودعمهم نفسياٍ ومعنوياٍ ومشاركتهم اجتماعيا في كل المجالات.

العلاج بالزواحف!
وبالعودة إلى معاناة المصابين أم أمجد ربت بيت لها هي الأخرى تجربة مع مرض البرص تعتبرها أليمة أيضا فبعد زواج دام لثلاث سنوات عاشت فيه مع زوجها في سعادة ومودة غامرة في بيت الزوجية استجاب الله لدعائها حسب قولها وأثمرت العلاقة الزوجية بحملها الذي فرحت به في بادئ الأمر غير أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن ففي أثناء فترة حملها أصيبت بمرض البرص الجلدي الذي أفسد فرحتها بحملها وتسبب في أحباط نفسي ومعنوي لها رغم تطمينات زوجها وأسرته بأن لا داعي لخوفها كون المرض عادياٍ وأنها ستشفي منه مع تنبيهها بأن الخوف الذي ينتابها سيؤثر سلباٍ على نمو الجنين الذي في بطنها فذهبت حينها إلى طبيب أمراض جلدية وقررلها مراهم وعلاجات وبعد أن استخدمتها لم تر أي نتيجة للقضاء على المرض سوى توقف انتشاره فقط حسب قولها.
وأضافت أم أمجد قائلة: بعد أن وضعت حملي بدأت في رحلة العلاج الثانية لدى أكثر من طبيب وأكثر من مستشفى في أمانة العاصمة إلا أن حالتي لم تتحسن وهذا ما كان يزيد من معاناتي ومعاناة من حولي وهو ما دفعني إلى أن أترك العلاج لدى المستشفيات والجأ إلى الطب البديل والذي لم أشاهد أي تحسن منه أيضا رغم استخدامي ما كان يعطي لي منهم من مراهم وأعشاب وهو ما دفعني إلى خيارات مؤلمة جاءت بها بعض النسوة من الجيران وتتمثل في وصفة لم أسمع بها من قبل ولم يتحدث عنها أحد من البشر سواهن وتتمثل في أخذ ما يسمى لدى العامة بالحواني وهو أحد الزواحف وذبحه ووضع الدم الذي يخرج منه في البقع المصابة بالبرص الكارثةـ تقول أم أمجاـ هو أنني قمت بعمل تلك الوصفة المؤذية والمقززة بعد أيام طويلة من أقناع أخي بها ولكوني مضطرة لما كان يسببه لي البرص من أزمة نفسية ومعنوية مؤلمة غير أن تلك التجربة أيضا ورغم مأستها فشلت في علاجي لذلك أنصح كل المصابين بالبرص بعدم الانسياق لتلك الوصفات المقززة.

رحلة فاشلة
واختتمت أم أمجد حديثها بالقول: لم يتوقف غبائي عند ذلك الحد فيما يخص العلاج لدى أصحاب الأعشاب ففي ذات يوم شاهدت أحد البرامج على إحدى القنوات الفضائية اليمنية يتحدث عن وجود فتاة في إحدى قرى محافظة تعز تقوم بمعالجة مرض البرص والأمراض الجلدية الأخرى فسافرت إلى تلك القرية بقصد العلاج على يد الفتاة التي أشار لها البرنامج إلا أن رحلتي كانت فاشلة أيضا حيث عدت كما ذهبت ولكن بخسارة أكبر فقد كلفتنا الرحلة مئتي ألف ريال دون جدوى.

توقف افراز الميلانين
ومن جانبه تحدث دكتور الأمراض الجلدية محمود محمد صالح عن أسباب مرض البرص وعن أجزاء الجسم الأكثر عرضة بهذا المرض وكذا عن الدوافع من تقديم الأدوية للمصاب حيث قال: إن من أبرز أسباب ظهور مرض البرص هو تعرض مادة الميلانين التي تكسب الجلد صبغته الطبيعية للضمور أو الاضطراب أو إذا لم يقم الجسم بأفرازها مما يؤدي إلى ظهور بقع في الجلد بيضاء بلون الحليب وهناك أسباب أخرى كالإصابة باضطراب في الجهاز المناعي أو العامل الوراثي والتعرض لحروق الشمس وغيرها من الأسباب.
ويؤكد الدكتور محمود: إن الجسم يتأثر بهذا المرض بفقدان لونه الطبيعي في أي منطقة منه إلا أنه عادة ما يظهر في المناطق الأكثر تعرضاٍ للشمس مثل الأيدي أو القدم أو الذراع أو الوجه والشفاه وأنه من الممكن أن يصاب الشخص بهذا المرض في أي مرحلة عمرية… غير أنه عادة ما يظهر بين سن 13 سنة إلى 40 سنة.
وأشار إلى أن معظم الأمراض الجلدية غير قابلة للتعافي وأن الهدف من الأدوية هو الحد من انتشار المرض كما أن الأمراض الجلدية بشكل عام تترك أثراٍ عميقاٍ في حياة الشخص المصاب.
وأضاف طبيب الجلد: إن الهدف من العلاج الذي يقدم للمصاب هو إيقاف أو أبطاء فقد الصبغة في الجلد, والمحاولة في إرجاع الجلد للونه الطبيعي وهناك العديد من الوسائل الطبية الحديثة التي تساعد على التخلص من البقع التي تشوه مظهر الجلد وذلك بأن تقوم بتحفيز الخلاياء المتوقفة عن النشاط ومساعدتها في ممارسة عملها بصورة طبيعية ويختلف العلاج حسب طبيعة كل حالة ومدى انتشار البقع فحالة البقع الكثيفة المنتشرة في إنحاء الجسم تستلزم الخضوع لجلسات العلاج باستخدام الأشعات الطبية على مناطق البقع بالإضافة لاستخدام بعض الأدوية أما حالة البقع القليلة يمكن اللجوء في علاجها إلى الكريمات وبعض الأدوية.

قد يعجبك ايضا