غريب يلتقط الخبز

خرجت من منزلها الملقى أشلائه حولها وهي تذرف الدموع حرقة , تدعو وتدعو وتدعو …!
مرت من قرب منازل أخرى كانت هي الأخرى قد عبث بها الخراب , مزق ثيابها وملامحها ورائحتها ..!
قالت : إلى أين تقلع بي الريح في هذا البرد القارس وهذا الليل الحالك¿
أين سأبيت الليلة يا ترى ¿ هل سأسافر لمكان آخر لا أعلم عن تفاصيله شيئا¿
فقط علي أن أتبع أخي وأمسك بذراعه جيدا حتى لا أتوه وسط الظلمة الوحشة , وأستمر في الركض أحيانا أخرى كلما سمعنا دوي الأصوات القاتلة , فالحرب تلمع فوق رؤوسنا وتطال كما هو الحال الأخضر واليابس لا تفرق بين العدو والصديق , تقذف بأعمدة الدخان الساخنة على كل نقطة تمر من أمامها أو فوقها أو تحتها , ونحن وسط كل ذلك نمر ونركض هربا من لفحاتها الموجعة والقاتلة .
وصلنا بعد جهد وإعياء إلى حدود الوطن ذلك المكان الذي عبرناه بشق الأنفس عنوة , لم يكن العبور باختيارنا أرغمنا على ترك منازلنا والبحث عن رقعة سماء لا تزمجر عليها أصوات الرعد ولا تدق على أركانها طبول الحرب , قد تكون بعيدة عن كل ذلك لكنه عار من كل أنواع الحياة صحراء قافرة لا تمتلك حتى شربة ماء , لأنني ظللت طوال الطريق أطلب شربة ماء دون جدوى فقد نسيت أن أصطحبها معي , لأنني كنت أحمل أوراقي ودوائي وجزء من ملابسي.
غفونا قليلا بعد ليلة حافلة بالمخاطر , واستيقظنا على طلوع بصيص الضوء علينا أن نعبر الحدود قبل أن ترانا آلات العدو , وعند وصولنا كان هنالك المئات من الأغراب عالقين أمام شباك الغربة ينتظرون السماح لهم بالدخول كان المشهد مروع , فالكثير من الأوجاع كانت تحملها ملامح وجوههم القاتمة , لقد اعتلاها السأم .. المرض .. الجوع .. البكاء .. !
اعتلاها سؤال طويل : متى تشرق الشمس من جديد ¿ لا يرون إلا عتمة لا يخالطها الأمل ولو للحظة , تصعد أرواحهم إلى السماء في اليوم الواحد مئات المرات والمرات , ويغادرون الحياة الكثير من الموجوعين ممن لا يقوون على تحمل المشهد , ولا يملكون دواء الخلاص .
بعد مشقة طالت واستطال لهيبها عبرنا حدود البؤس , صرنا نسمى بلاجئين لا يملكون جواز سفر أو هوية , حتى رغيف الخبز كنا نقاسم أشلاءه بيننا البين ونلتقط فتاته من بقايا العصف الملقى في قارعة الطريق , نظل ساعات طويلة من الوقت نبحث ونبحث تارة عن مسكن وأخرى مأكل وثالثة عن أقرباء يقاسمونا المحنة ورابعة عن أفراد فقدناهم وخامسة وسادسة وهكذا ظلت تفاصيل من حياتنا في حالة بحث لم تلتقي أطرافه ولم تكتمل حلقاته , ونساء أخر مثلي كن محرومات من كل شيء فلا مأوى ولا قريب يرعاهن ولا عائل يعيلهن كن أغراب في كومة من الرعب يعشن لحظات الخوف كل لحظة ويصرخن من لفحات الخديعة , يقهرهن العوز وينمن وهن مستيقظات لا يملكن حتى رغيف الخبز المأكول فلا يعلمن كيف السبيل للحصول عليه في ظل ذلك النقص والقل والشح .
الكثير من الظروف والضغوط والوجع والهلاك ينتظر العديد من نساء الملجأ , والكثير الكثير من القصص والمآسي المؤلمة تطال أرواح وأجساد وعقول نساء الملجأ , والسأم كان هو الأكثر بقاء واستطالة.

قد يعجبك ايضا