القات مضر شديد الضرر بصحة الإنسان ومساوئه كثيرة جداً؛ طالت حتى الثروة الزراعية والمائية والبنية الاقتصادية للبلد.
قبل الولوج إلى صلب المشكلة سنُعرج قليلاً على خصائص شجرة القات وما تحويه من مكونات كيميائية متعددة ذات تأثيرات سيئة على مختلف أجهزة الجسم؛ حيث تتكون هذه النبتة من مركبات عضوية أهمها(الكاثين) التي تعد المادة الرئيسية في القات المسؤولة عن تقليل الشهية والتسبب بالأرق، كما يتكون من مادة (الكاثينون) ويمكن وصفها المادة الفعالة في القات، وتتركز في براعمه وأوراقه الصغيرة، إذ يوجد بها أعلى نسبة من (الكاثينون)، بينما يقل تركيز هذه المادة في الأوراق الكبيرة، وهي مواد تتشابه في تركيبها مع(الأمفيتامين) إحدى المنشطات الكيميائية التي لها تأثير على الجهاز العصبي.
وبذلك يؤدي إلى إفراز بعض المواد الكيميائية التي تعمل على تحفيز الخلايا العصبية، بما يقلل الشعور بالإجهاد والتعب بشكلٍ مؤقت، يرافق ذلك – بشكلٍ كبير- زيادة في ضربات القلب وزيادة في ضغط الدم وجفاف الفم وتحسن القدرة على التركيز في الساعات الأولى للتعاطي، ثم يعقبه شعور بالاكتئاب والقلق.
ما من منفعة أو فائدة صحية ترجى من القات، فكله أضرار ويؤدي لأمراضٍ عديدة، منها أنه يعمل على رفع ضغط الدم وتسريع نبضات القلب، حتى أن كثيراً من الدراسات أثبتت علاقته بأمراض القلب لاحتوائه على مادة شبيهة بمادة (الافيدرين) التي تؤدى إلى زيادة نبضات القلب وارتفاع ضغط الدم ؛ الأمر الذي يعرض القلب لمتاعب ومشاكل هو في غنى عنها، كما أنه يؤدي إلى حدوث اضطرابات معوية مصحوبة بعسر الهضم والى حالة الإمساك، لوجود مادة(التانين) ذات التأثير القابض للأنسجة والتي تعتبر أحد مكونات القات الكيميائية؛ ولهذه المادة- أيضاً- وتأثير يُضعف امتصاص بعض المواد مثل الحديد والزنك، مما يعني أنه من مسببات الهزال وفقر الدم.
ولأنه يحتوي على مركبات(التانيك)، فإنه يصنف ضمن مسببات البواسير، كذلك وجود (حمض التانيك) في القات يؤثر بشكلٍ مباشر على الكبد ويفضي إلى تليفه، وهي مرحلة تسبق حدوث السرطان.
كما أن تليف الكبد- بدوره- يؤدي إلى دوالي المريء وزيادة ضغط الدم البابي ويسبب حدوث حالات نزفٍ من دوالي المريء يكون قاتلاً في بعض الأحيان، عدا عن تسبب القات بجفاف الفم وشعور الصائم بالعطش، وما يسببه – أحياناً- من تقرحات فموية.
من المألوف حقاً – وهذه حقيقة جلية- مرور مخزن القات بمراحل مختلفة منذ بدئه بمضغه وحتى لفظه له ورميه من فمه، ففي الساعة الأولى ُيلمس اندفاعه للتحدث بكثرة في قضايا متشعبة، وبعدها بساعتين أو أكثر بقليل يشعر برغبة في الصمت والتأمل، أو النشاط، بينما ينتابه الشعور بالقلق مع نهاية مضغه للقات، أو الشعور – أحياناً- بالهدوء والسكينة والخمول بحسب نوعية القات وتباين أثره ونسبة وجود المواد المنبهة فيه.
أيضاً شهية المخزن إلى الطعام تقل مع القات خلال فترة (التخزين) تبدو شبه منعدمة عقب الانتهاء منه، فيشعر المخزن بالشبع، فاقداً الشهية حتى ولو كان بدون وجبة قبل تناول القات، مما يعنى في رمضان إهماله لوجبة السحور وعدم أخذ حاجته من الطعام، فيصوم يومه وهو يفتقر إلى المخزون الملائم من الغذاء، ليغلب عامل الهدم للخلايا داخل جسمه على عامل البناء، وذلك لأن معظم الطاقة المخزونة في الجسم تُحرق خلال تلك الساعات نتيجة النشاط الزائد للجهاز العصبي، وما قد يترتب عليه من مضار كثيرة.
ولقلة كمية الطعام التي يفترض أن يحصل عليها الصائم المخزن.. يقل وزنه مع الوقت ويهزُل جسمه وتقل مقاومته للأمراض .
إن من يعتقد بفائدة القات لمرضى السكر في خفض نسبة السكر في الدم، أقول لهم: ليس هذا صحيحاً على الإطلاق، فقد ثبت علمياً العكس تماماً، حيث أن القات يؤدي إلى ترسب مادة (الجليكوجين) في خلايا الكبد والبنكرياس، وهذه المادة تشكل مخزون السكر في الكبد، مما يؤدي إلى انخفاض السكر في الدم، لكنه انخفاضاً مؤقتاً وهمياً؛ في حين أن ترسب مادة(الجليكوجين) لفترات طويلة يمكن أن يؤدي إلى إضراراً بخلايا البنكرياس التي تفرز (الأنسولين) المسؤول عن تنظيم السكر بالدم.
إذن الثابت علمياً أن إدمان القات يؤدي إلى زيادة نسبة السكر في الدم، مما يجعل متعاطيه أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري، كما أن المصاب بالسكري لا يستفيد كثيراً من علاج (الأنسولين) إذا كان من متعاطيّ القات.
إلى ذلك عادة ما ترتبط جلسات القات بالتدخين، فمضغ القات والتدخين متلازمان مما يزيد الطين بله، ونحن هنا لسنا بصدد الكلام عن أضرار التدخين التي هي معروفة للجميع، لكننا نقول أن شهر رمضان يعتبر فرصة ذهبية لمتعاطي القات والمدخنين للإقلاع النهائي عن هاتين العادتين.
ولعل أسوأ ما في أضرار القات ما تشير إليه الدراسات والأبحاث من احتمال إصابة ماضغيه بالسرطان، كسرطان الفم واللثة؛ والسبب في ذلك يعود إلى الاستخدام المفرط للمبيدات في رش أغصان القات مثل (المبيدات الفسفورية)، باعتبار بعض أنواع هذه المبيدات غير مسموح به؛ إلى جانب أنه يُرش بموادٍ كيماوية تسرع نموه، وكلها مواد ذات سمية ومسرطنة.
ولا يجدي- كثيراً- غسله بالماء للتخلص مما يعلق بأوراقه وأغصانه من أثر المبيد، كون المبيدات ُتخزن داخل نبتة القات مُشكلةً أحد مكوناته الأساسية.
ولهذا فالإقلاع عن مضغ القات الحل الأمثل للوقاية من هذه الأمراض، بالإضافة إلى أنه يزيد من الإفرازات المنوية اللاإرادية عقب البول، وقد يسبب صعوبة في التبول لدى البعض، لاسيما كبار السن نتيجة تأثيره السلبي على (البروستات والحويصلة المنوية) وما يسببه من احتقان وتقلص؛ بل ويعتبره بعض الباحثين ممن أجروا عليه تجارب وأبحاثاً علمية، أحد الأسباب الرئيسية للضعف الجنسي عند الرجال.
أما بالنسبة للحوامل اللواتي يتعاطين القات، فإنه يقلل لديهن تدفق الدم عبر المشيمة، مما يؤثر على نمو الجنين.
قد يحدث لبعض مكونات القات- سواءً ما كان أساساً من مكوناته أو المواد السامة فيه – بسبب المبيدات التي ترش عليه وتصبح ضمن مكوناته- قد يحدث لبعضها الانتقال عبر المشيمة إلى الجنين، ويمكن أن تلحق به أضراراً وتشوهات.
ويعتبر القات – في حد ذاته- سبباً مباشراً في إنقاص وزن المواليد، وذلك أن الأم المرضع عندما (تُخزن) تقل شهيتها- وهذا بالطبع ينطبق على من تجد القات أهم من الغذاء المناسب لها ولجنينها أو لا تجد الغذاء الأنسب لانشغالها عنه بالقات وجلسات(التخزين) المطولة، فيكون لذلك بالغ الأثر على ضعف وزن الجنين، وكذا نقص الحليب أثناء الرضاعة جاعلاً الرضيع عرضةً لسوء التغذية التي تسبب – بدورها- ضعف في القدرات العقلية والذهنية للطفل، أو تفضي في أسوأ الحالات إلى التخلف العقلي والإعاقة الذهنية.
القات- على وجه العموم- أحد المسببات الرئيسية للأرق أو تأخير النوم، نتيجة احتوائه على مواد منبهة يبقى أثرها عقب (التخزين) ولا ينتهي مفعولها إلا بعد مدة لا يمكن تحديدها، نظراً لتعدد أنواع وأصناف القات، وتباين مواده المنبهة، واختلاف نسب تركيزها من نوع لآخر، وكذا تفاوت تأثيرها من شخص لآخر.
وعليه فإن معظم متعاطيه لا يشعرون في رمضان برغبة في النوم ليلاً، فلا ينامون بسببه إلا عند بزوغ الفجر أو بُعيد طلوع الشمس، وأحياناً حتى الظهيرة..
والنتيجة، تغير في عادات النوم وانحصاره خلال ساعات النهار التي هي في الأصل ساعات عمل وحركة ونشاط؛ فَيم يغط المخزن خلالها في نومٍ طويل وعميق، يعقبه بعد ذلك الشعور بالخمول والكسل والصداع أحياناً.
وباستمراره على هكذا حال يتقلص النشاط وينخفض معدل المجهود البدني والإنتاج الفكري والاقتصادي.
علاوة على انعكاسه السيئ على الحالة النفسية لدى البعض، كسرعة الغضب والعصبية الشديدة والأهبة والاستعداد للتشاجر أو العراك إذا لزم الأمر، وما إلى ذلك مما نلمسه كثيراً عند بعض الصائمين، خاصة بعد صلاة العصر وقبل موعد الإفطار.
وبالتالي، القرار الأول والأخير بين يدي المخزن، فله أن يستمر في تعاطي القات – إن شاء- أو أن يقلع عنه ويتركه نهائياً دون رجعة، ولن يندم إذا اختار الإقلاع عنه، لأنه الأسلم لصحته، والتجربة خير برهان.
المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان
Next Post
قد يعجبك ايضا